عودة القوات اللبنانية إلى الحضن الحكومي: دائمة ام موقتة؟

الفن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

شكلت زيارة رئيس حزب ​القوات اللبنانية​ ​سمير جعجع​ الأخيرة الى السراي الكبير وإشادته برئيس الحكومة ​نواف سلام​ محطة لافتة في المشهد السياسي اللبناني، خاصة بعد أشهر من التوتر والانتقادات التي وجهتها "القوات" للحكومة (التي هي عضو فيها). هذا التحول المفاجئ في موقف جعجع، طرح تساؤلات عدة حول دوافعه وانعكاساته على الساحة السياسية.

بعض المراقبين اعتبر انه يمكن تفسير تغيّر موقف "القوات اللبنانية" من الانتقاد إلى الإشادة، بعدة عوامل محورية، اولها وابرزها تشديد جعجع من السراي على ضرورة التزام الجميع بقرار الحكومة الخاص بحصر ​السلاح بيد الدولة​، ورهانه على ان اصرار الدولة والحكومة على هذا الامر يضعها في موقف متقدم عنه في هذا المجال، ولا بد له ان يتدارك الامر والا سيفوته القطار. ولا يبدو ان "القوات" في وارد التفريط في عودتها الى المنصة السياسية ومجال العمل الحكومي بعد فترة من المعارضة. ومن المؤكد ان الاشادات العربية والدولية بقرار الحكومة الاخير في ما خص السلاح، ترك الاثر الكبير على زيارة جعجع الى السراي.

وغني عن القول ان هذه العودة اثارت ردود أفعال متباينة في ​الشارع السني​، فبينما يرحب البعض بهذا التطور ويعتبره خطوة إيجابية نحو الاستقرار، يتمسك آخرون بتحفظاتهم التاريخية تجاه جعجع، وهي نابعة من اعتبار البعض أن رئيس "القوات" لعب دوراً في عزلة سعد الحريري سياسياً، خاصة في مراحل حساسة من التاريخ اللبناني المعاصر، كما أن الذاكرة الجماعية السنية لا تزال تستحضر فصولا تاريخية مؤلمة، بما في ذلك إدانة جعجع في قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي، رغم العفو اللاحق. هذه الملفات التاريخية تلقي بظلالها على شريحة من الشارع السني الذي يختار التعامل بحذر مع أي تقارب سياسي مع "القوات"، حتى لو كان في إطار ​دعم الحكومة​.

الى ذلك، تحمل إشادة جعجع بحكومة سلام أبعاداً إقليمية ودولية مهمة، نظراً لعلاقاته الوثيقة حالياً مع الإدارة الأميركية والمملكة العربية السعودية. ويرى البعض في هذا الدعم، انعكاساً او رسالة غير مباشرة من شأنها ان تفيد بنظرة دولية وعربية ايجابية تجاه سلام وحكومته، في هذا الوقت تحديداً. ومع قضية حصر السلاح بيد الدولة، لن يفوّت جعجع فرصة الاستفادة من النظرة الدولية الايجابية الى الحكومة، ولن يكون في موقف المحايد في الشارع اللبناني الذي بات كله تقريباً يقف ضد عدم تطبيق هذا القرار، بغض النظر عن الطريقة التي يجب اتباعها، فكيف سيكون موقف "القوات" ان وجدت نفسها في "لامكان" في الشارع اللبناني؟.

قد تؤدي عودة القوات إلى الحضن الحكومي إلى إعادة ترتيب موازين القوى في الساحة اللبنانية ومن المؤكد ان وزراء حزب "القوات" في الحكومة سيعتمدون استراتيجية منسقة للاستفادة من هذا الواقع الجديد. هذا التطور قد يمنحه أفضلية في المرحلة المقبلة، خاصة إذا نجحت الحكومة في تحقيق إنجازات ملموسة. فدعم جعجع المبكر لسلام قد يترجم مكاسب سياسية طويلة الأمد، خاصة أنّها تمتلك حصة وازنة ومهمة في الحكومة.

تمثل زيارة جعجع للسراي وإشادته بسلام مؤشراً على ​استراتيجية سياسية جديدة​. فـ"القوات" اختارت حالياً الرهان على حكومة تحظى بقبول دولي واسع، وتتبنى توجهات غابت عن لبنان لاكثر من اربعة عقود من الزمن، كما ان البلد يعيش لحظات مصيرية ستنقله من مشهد الى آخر، واياً كانت النتيجة لا يرغب جعجع في ان يبقى خارجها، او ان يقال انه لم يتخذ قراراً في اللحظات الاساسية للمشهد اللبناني العام.

من هنا، يشدد مراقبون على ان مدى التزام جعجع بالحكومة يرتبط بمدى قدرتها على تحقيق النجاح، لانه لن يتوانى عن القفز من السفينة الحكومية عند اول مؤشر للخطر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق