نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سفير أوكرانيا بمصر ميكولا ناهورنى كلمة بمناسبة ذكرى استقلال بلاده, اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 04:31 مساءً
سفير أوكرانيا بمصر .. في الرابع والعشرين من أغسطس تحتفل أوكرانيا بالذكرى الرابعة والثلاثين لإعلان استقلالها. هذا اليوم لا يُمثل للأوكرانيين مجرد ميلاد جديد لدولتهم، بل هو قبل كل شيء استعادة للعدالة التاريخية وعودة إلى الجذور الضاربة في عمق التاريخ.
حيث قال سفير أوكرانيا بمصر خلال كلمتة ..أوكرانيا أكبر دولة في أوروبا من حيث المساحة، تقع بكاملها داخل القارة الأوروبية. أرض تجتمع فيها عراقة التقاليد مع حداثة التكنولوجيا. شعارها الوطني – «الثلاثي الأسنان» العائد إلى الأمير فولوديمير الأكبر في القرن العاشر – شاهد على عمق التاريخ، بينما تمثل عملتها «الهريفنيا» امتدادًا مباشراً لكييف القديمة. في ذلك وحده برهان على استمرارية الدولة الأوكرانية عبر أكثر من ألف عام.
وأضاف سفير أوكرانيا بمصر قد أطلق الإغريق القدماء على هذه الأرض اسم «سكيثيا». وصف هيرودوت شعبها بـ«السكيثيين» الفرسان الشجعان، وخلّد اسم الفيلسوف السكيثي «أناخاريس» بين حكماء اليونان السبعة. وعلى هذه الأرض نشأت أولى الكيانات السلافية، وأبرزها إمارة كييف التي أسسها – وفق الرواية الشعبية – الإخوة كيي وششيك وخوريف وأختهم ليبيد، من سلالة قبيلة «البوليانيين». ومن كييف انطلقت في القرن التاسع دولة كبرى – «كييف روس» – امتدت من البحر الأسود إلى بحر البلطيق، وحكمها قادة بارزون كفولوديمير الأكبر وياروسلاف الحكيم اللذين رسّخا المسيحية وربطا البلاد بالحضارة الأوروبية. لم يكن غريبًا أن يُلقب ياروسلاف بـ«حمي أوروبا»، إذ تزوجت بناته ملوك فرنسا والمجر والنرويج والسويد.
و أشار سفير أوكرانيا بمصر رغم أن الغزو المغولي في القرن الثالث عشر دمّر كييف، فإن الهوية الأوكرانية لم تندثر. فقد حمل الملك دانييلو الغاليكي تاجه من يد البابا الروماني وأسس المملكة الغاليكية الفولينية التي واصلت تقاليد كييف. وخلفاؤه رسخوا الحقوق المدنية، ونمّوا الحرفية، وأقرّوا قوانين حديثة. وحتى حين تقاسمت الإمبراطوريات المجاورة أراضي أوكرانيا، ظل الشعب متمسكًا بثقافته وحلمه بالحرية.
القوزاق ونهضة القرن التاسع عشر
في القرن السادس عشر ظهر الكيان الفريد – «القوزاق» – الذين أصبحوا رمزًا للحرية والبسالة العسكرية والتنظيم الديمقراطي. أسسوا تقاليد عسكرية ما تزال حيّة في صفوف القوات المسلحة الأوكرانية اليوم.
ورغم الهيمنة النمساوية والروسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، شهدت أوكرانيا نهضة قومية بارزة قادها رموز الأدب والفكر مثل تاراس شيفتشينكو وإيفان فرانكو وليسيا أوكراينكا الذين ألهموا الشعب للنضال. وكما هو الحال مع الشعوب الأخرى – ومن بينها الشعب المصري – شكلت الثقافة واللغة والذاكرة التاريخية أساس يقظة الأمة وبعثها السياسي.
من القرن العشرين إلى استعادة الاستقلال
مع انهيار الإمبراطوريات مطلع القرن العشرين، سعى الأوكرانيون لتأسيس دولتهم. ففي عام 1917 ظهر «المجلس المركزي الأوكراني» الذي أعلن بعد عام «الجمهورية الشعبية الأوكرانية». وفي 22 يناير/كانون الثاني 1918 دوّى صوت استقلال أوكرانيا، لكن العدوان البلشفي أسقط الدولة الوليدة خلال ثلاث سنوات، وقُسمت أراضيها من جديد.
لذلك كان عام 1991 بالنسبة للأوكرانيين استعادةً للاستقلال لا ميلادًا جديدًا. فقد مثّل الحكم السوفييتي حقبة مظلمة، بلغت ذروتها في «الهولودومور» (1932-1933): مجاعة مصطنعة أبادت الملايين لكسر إرادة الشعب، إلى جانب عملية «النهضة المقتولة» التي قضت على النخبة المثقفة في الثلاثينيات.
خلال الحرب العالمية الثانية تحولت أوكرانيا إلى ساحة لأعنف المعارك، فسقط أكثر من ثمانية ملايين أوكراني، وكان لهم إسهام حاسم في دحر النازية. وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي برزت حركة معارضة تحدت النظام السوفييتي، وسُجن قادتها ونُفوا، لكنهم مهدوا داخليًا طريق الحرية. ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، أعلن البرلمان الأوكراني الاستقلال في 24 أغسطس/آب 1991، وأكّده الشعب باستفتاء الأول من ديسمبر بنسبة تجاوزت 90%.
تحديات الاستقلال:
ثورات وحروب
لم يكن طريق أوكرانيا المستقلة سهلاً. فقد شهدت محطات مفصلية، منها:
- 1990: «ثورة على الغرانيت» قادها الطلاب ضد النظام السوفييتي.
- 2004: «الثورة البرتقالية» دفاعًا عن نزاهة الانتخابات.
- 2013-2014: «ثورة الكرامة» حين خرج الأوكرانيون إلى الميدان دفاعًا عن المسار الأوروبي والكرامة الإنسانية، وقدموا مئات الشهداء من «مئة السماء».
وبعدها مباشرة بدأت روسيا عدوانها: بضم القرم وإشعال الصراع في دونباس عام 2014، وصولاً إلى الغزو الشامل في 24 فبراير/شباط 2022 الذي لا يزال مستمرًا.
ورغم تفوق روسيا العددي والتسليحي، أثبت الأوكرانيون شجاعة لافتة، فتحولت مدن مثل ماريوبول وباخموت وأفدييفكا إلى رموز مقاومة أسطورية. ارتُكبت جرائم حرب من بوتشا إلى إيزوم، لكن الشعب الأوكراني صمد وزادت عزيمته.
البعد الدولي والأمن الغذائي
لم تعد الحرب الروسية على أوكرانيا شأنًا ثنائيًا، بل تحديًا للنظام الدولي كله. فهدف الكرملين لم يكن محو أوكرانيا فحسب، بل زعزعة الاستقرار العالمي عبر ابتزاز العالم بالغذاء والطاقة.
وقد تصدت أوكرانيا لذلك بمبادرة «الحبوب من أوكرانيا» التي أطلقها الرئيس فولوديمير زيلينسكي عام 2022، ووصل عبرها أكثر من 307 آلاف طن من القمح إلى 15 دولة، من بينها الصومال والسودان واليمن وسوريا وفلسطين، منقذةً نحو 20 مليون إنسان من شبح الجوع.
أوكرانيا ومصر: روابط عميقة وشراكة استراتيجية
تتقاطع رؤى مصر وأوكرانيا حول مبادئ النظام الدولي: الأمن، السيادة، وحدة الأراضي، وحُرمة الحدود. وكلا الشعبين خبر معنى التضحية دفاعًا عن الأرض. فكما استعاد المصريون سيناء بدمائهم وتضحياتهم، يدافع الأوكرانيون اليوم عن أراضيهم المحتلة.
وتعكس العلاقات الاقتصادية قوة هذا الترابط؛ فقد زودت أوكرانيا مصر في العام الماضي بنحو 5 ملايين طن من الحبوب دعمت استقرار السوق المحلية. كما تشكل السياحة ركيزة مهمة: فقد زار مصر 1.45 مليون أوكراني عام 2021. ورغم تراجع العدد إلى 200 ألف عام 2022 بسبب الحرب، سجلت مصر بين يناير 2023 وديسمبر 2024 نحو 540 ألف سائح أوكراني، في مسار ينذر بآفاق أوسع، خصوصًا مع عودة الرحلات المباشرة. والرقم القياسي كان في 2019 حين تجاوز 1.6 مليون سائح.
خاتمة
اليوم، تقف أوكرانيا في طليعة الدفاع عن مبادئ الحرية والعدالة والقانون الدولي. استقلالها حقيقة تاريخية راسخة تستند إلى ألف عام من الدولة والثقافة والهوية. وهي لا تدافع عن حقها في البقاء فحسب، بل عن أمن جميع الأمم.
من هنا، فإن دعم أوكرانيا ليس مجرد تضامن أخلاقي، بل ضرورة استراتيجية لضمان عالم أكثر أمنًا وعدلاً وتوازنًا.
أوكرانيا القوية تعني عالمًا أقوى، وأوكرانيا المستقلة ضمانة للاستقرار العالمي
0 تعليق