تمويل التجارة.. “المحرك الصامت” لتعزيز التكامل والنمو في أفريقيا

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

تبني “الخدمات المصرفية الرقمية” ضرورة لخفض التكاليف وزيادة الشفافية ودعم الشركات الصغيرة

ليست ثمة عصا سحرية لتوسيع نطاق التجارة والأعمال في أفريقيا، أو في أي مكان آخر، في هذا الصدد، لكن يمكن القول بثقة إن تمويل التجارة يشكل العمود الفقري للنمو المستدام والانتعاش الاقتصادي في القارة.

إنه عنصر أساسي لتعزيز اندماج الاقتصادات الأفريقية ووضع حد للتجزئة التي خلّفها الاستعمار، الأمر الضروري لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من النمو والتنوع.

من خلال تعزيز قدرتها على التصدير والاستيراد والاستثمار بثقة، يمكن للدول الأفريقية إطلاق العنان لإمكاناتها الهائلة وتعزيز قدرتها على الصمود في عالم يزداد غموضاً.

وقد اتخذ قادة القارة بالفعل خطوات نحو تحقيق هذه الأهداف، بحسب ما ذكره موقع “برجكت سنديكيت”.

فبحلول نهاية عام 2023، بلغ حجم التجارة داخل أفريقيا 192.2 مليار دولار، ارتفاعاً من 186.3 مليار دولار في العام السابق، ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادة تمويل التجارة.

ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم مع استمرار تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، التي دخلت حيّز التنفيذ في عام 2021. وحتى الآن، صادقت 49 دولة على اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، مما يدل على التزامها بإزالة الحواجز التجارية داخل القارة.

في غضون ثلاث سنوات انضم 17 بنكاً مركزياً وأكثر من 150 بنكاً تجارياً إلى منصة طورتها “أفريكسيم بنك”

يرى العديد من الاقتصاديين الأفارقة أن التكامل القاري والاستقلال الاستراتيجي يعتمدان على تحسين الوصول إلى تمويل التجارة وتعزيز فعاليته واعتماد تدابير مبتكرة.

كما أن هذه التغييرات ستساعد الدول الأفريقية على المنافسة في الأسواق العالمية من خلال توفير السيولة وأدوات تخفيف المخاطر التي تحتاجها الشركات لمواجهة تقلبات أسعار الصرف وعدم الاستقرار السياسي وغيرها من التحديات المتعلقة بالمعاملات عبر الحدود.

تشكل حصة أفريقيا الحالية من التجارة العالمية أقل من 3%، معظمها تجارة بضائع، ومع ذلك فإن لديها واحد من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، مع توقعات بارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4% في عام 2025.

ومن الواضح أن هناك مجالاً واسعاً لتوسيع حدود تجارتها، لكن تأمين فرص تجارية جديدة يتطلب معالجة محدودية البنية التحتية المصرفية في أفريقيا وارتفاع تكاليف المعاملات.

لخفض التكاليف وزيادة الشفافية وتوسيع نطاق الوصول إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة المحرومة، يجب على قطاع تمويل التجارة في القارة أن يتبنى الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول ومنصات الدفع الرقمية، ومن التطورات الواعدة على هذا الصعيد نمو نظام الدفع والتسوية الأفريقي الموحد.

ففي غضون ثلاث سنوات، انضم 17 بنكاً مركزياً وأكثر من 150 بنكاً تجارياً إلى المنصة، التي طورتها “أفريكسيم بنك”، والاتحاد الأفريقي وأمانة اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية.

كما أن غياب الأدوات المالية المبتكرة، بما في ذلك تمويل سلاسل التوريد، وتأمين ائتمان التجارة، والخصم التصديري، يُبقي الكثير من الشركات الأفريقية خارج دائرة المنافسة، غير قادرة على تخفيف المخاطر المرتبطة بالتجارة عبر الحدود.

القارة لديها واحد من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم

وتزويد الشركات الصغيرة والمتوسطة بهذه الأدوات سيمكنها من المشاركة بفاعلية أكبر في الأسواق الإقليمية والعالمية، ما من شأنه خلق فرص عمل وتعزيز التنويع.

إن توسيع نطاق الحلول الشاملة والمتقدمة تكنولوجياً والمتماشية مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة سيساعد على سد فجوة تمويل التجارة في أفريقيا، والتي يقدّرها “أفريكسيم بنك” بنحو 100 مليار دولار.

والأهم أن ذلك قد يطلق تحولاً كبيراً في الاقتصاد القاري، فأفريقيا تستورد حالياً مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات من بقية دول العالم، والتي يمكن أن تُنتج محلياً بسهولة.

وإذا أمكن توفير المزيد من تمويل التجارة لأولئك الذين يحتاجون إليه، فقد تحل المنتجات الأفريقية محل الواردات الأجنبية، مما يعزز نمو القارة وتنميتها المستدامة.

علاوة على ذلك، فإن بناء أنظمة مالية قوية تساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة على دخول الأسواق الإقليمية والعالمية من شأنه أن يكمل، وربما يحفز، الاستثمارات في البنية التحتية مثل الموانئ والطرق والشبكات الرقمية.

بالتأكيد، فإن احتياجات القارة من الاستثمارات في البنية التحتية ضخمة، ما بين 130 مليار دولار و170 مليار دولار سنوياً، وفقاً لأبحاث “أفريكسيم بنك”، لكن تلبية هذه الاحتياجات هي السبيل الوحيد لكي تتمكن أفريقيا من تحقيق إمكاناتها الاقتصادية الكاملة.

لتحقيق ذلك، يجب على الحكومات الأفريقية تطوير شراكات مع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص ومؤسسات تمويل التنمية.

فإلى جانب تبادل الخبرات وخلق بيئات تمكينية لمنتجات تمويل التجارة المبتكرة، يمكن لهذه الأطراف أن تعمل معاً لإصلاح النظام المالي العالمي.

ومن خلال إنشاء هياكل تمويل مختلطة تقلل من مخاطر الاستثمارات الخاصة، وتوسيع نطاق الوصول إلى التمويل الميسر، وتشكيل صوت موحّد مؤيد لأفريقيا في الساحة المالية العالمية، يمكن للاقتصادات الأفريقية والمؤسسات الخاصة أن تعمل معاً لإحداث تغيير حقيقي ومستدام.

إن تمويل التجارة، “المحرّك الصامت” للتنمية، لديه القدرة على تسريع وتيرة التكامل الاقتصادي في أفريقيا، لكن لكي يتحقق ذلك، يجب على قادة القارة أن يدركوا أن الممارسات المالية المبتكرة والشاملة أمر حيوي، وأن يظلوا ملتزمين بها حتى في مواجهة تحديات أخرى.

أخبار ذات صلة

0 تعليق