نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نعيم قاسم… فشل حيث نجح نصر الله!, اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025 04:05 صباحاً
لم يكن الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، مجرد تصريح عابر، بل شكّل نقطة تحوّل خطيرة في مقاربة الحزب لعلاقته بالداخل اللبناني. فالحديث عن الحرب الأهليّة إذا ما جرى نزع سلاح الحزب مثّل خطأً فادحاً، كشف عجزاً سياسياً وافتقاراً إلى الحنكة التي ميّزت الامين العام السابق الشهيد السيّد حسن نصر الله الذي كان يدرك أنّ أي مواجهة مع مكوّن لبناني آخر تُفقد الحزب شرعيته وتضعه في مواجهة مع بيئاته الحاضنة، فحرص طوال سنوات على تجنّب الانزلاق إلى خطاب تهديد داخلي، مقدّماً نفسه كحامٍ للبنان وليس كخطر عليه.
لقد نجح نصر الله، لسنوات طويلة، في استمالة شرائح من خارج الطائفة الشيعيّة، من مسيحيين وسنّة ودروز، أقنعهم بأن سلاح الحزب ضمانة لتوازن الردع مع إسرائيل. أما اليوم، فقد بدا قاسم عاجزاً عن المحافظة على هذا الإرث، إذ تحوّل تهديده بالحرب الأهليّة إلى فضيحة سيّاسية اضطر نواب الحزب ومصادره لاحقاً إلى التخفيف من وقعها بالقول إنها "تحذير" لا "تهديد". لكن الضرر وقع: صورة الحزب تآكلت، وحجّته فقدت قوتها.
كان نصر الله يعي تماماً أن الحزب بلا لبنان لا معنى له، "فماذا ينفع الحزب إذا خسر لبنان وربح نفسه؟" تساؤل جوهري يحيل إلى عمق المعادلة الجديدة: هل بات حزب الله مرادفاً للبنان، بحيث أن انهيار جناحه العسكري يساوي زوال البلد؟ الجواب بديهي: لبنان أقدم وأبقى من أي تنظيم مسلّح، وإذا كان الحزب يزعم الدفاع عن الوطن، فعليه أن يعترف بأن الوطن يعلو على الحزب، لا العكس.
وعلى هذا الأساس، يطرح السؤال نفسه: إذا كان من المنطقي أن تتحمل الدولة مسؤولية الدفاع عن السيادة وإعادة الإعمار، فلماذا لا يدعمها الحزب بدلاً من إضعافها؟ أهو مصدوم بأنّ الدولة غير قادرة؟ ألم ينشأ حزب الله اصلاً لانّ الدولة كانت غير قادرة على التعاطي مع المشاكل التي شهدها البلد ومع المخططات الخارجية التي حيكت ضده؟. ثم إن خيار المواجهة الداخليّة مع الجيش أو مع أي مكوّن لبناني هو وصفة مؤكدة لنهاية الحزب. فالصدام الأهلي لا يمكن أن ينتج إلا تفتتاً للحزب وفقداناً لشرعيته، بعدما أثبتت الحرب الأخيرة مع إسرائيل أن السلاح لم يعد يشكل ميزان ردع حقيقياً. ما تبقى من واقعية سياسية يكمن في تسليم هذا السلاح للجيش، باعتباره المؤسسة الوطنية الوحيدة المخوّلة حماية البلاد. كل حل آخر، من تفجير السلاح أو توريده إلى الخارج، لا يمكن اعتباره حلاً للمشاكل بل تعقيداً لها.
إن المقاومة ليست مرادفاً للسلاح الثقيل وحده. فلبنان على مرّ تاريخه قاوم الاحتلال بأشكال متعددة: بالحجارة كما في فلسطين، بالسلاح الأبيض والخفيف، بالعبوات والمتفجرات البسيطة، وبالقلم والفكر كما فعل نلسون مانديلا والمهاتما غاندي. وفي تاريخه الحديث، تخلّص من العثمانيين والسوريين والإسرائيليين من دون امتلاك ترسانة عسكريّة ضخمة. إن كل لبناني يتحوّل مقاوماً في حال الغزو والاحتلال الميداني، وبالتالي فإن غياب سلاح حزب الله لا يعني غياب المقاومة ولا سقوط لبنان. هذا البلد، الممتد عمره من عمر شجر الأرز، أكبر من أيّ حزب، وأعرق من أيّ جناح عسكري. وإذا كان السلاح قد فشل في تحقيق التحرير الكامل، فإنّ بدائل المقاومة كثيرة، وروحها لا يمكن أن تُلغى أو تُصادَر.
إنّ زلّة نعيم قاسم الأخيرة لم تُظهر فقط أزمة خطاب، بل أزمة مشروع برمّته، وتساؤل كبير حول العقيدة الجديدة للحزب بعد غياب أمينه العام السابق، والذي كان يؤمن بأنّ الحفاظ على لبنان بتنوعه، هو حفاظ على الحزب بأكمله، ولكان قادراً على ادارة الازمة بطريقة اكثر اماناً واستمرارية.
0 تعليق