"الصادرات غير النفطية".. إشارة نضج في هيكل الاقتصاد السعودي وتحوّله البنيوي

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"الصادرات غير النفطية".. إشارة نضج في هيكل الاقتصاد السعودي وتحوّله البنيوي, اليوم الاثنين 31 مارس 2025 04:14 صباحاً

"الصادرات غير النفطية".. إشارة نضج في هيكل الاقتصاد السعودي وتحوّله البنيوي

نشر بوساطة خالد بن علي المطرفي في الرياض يوم 30 - 03 - 2025

2125372
إن تصاعد الصادرات غير النفطية يمثّل اليوم أحد أهم تجليات التحول الاقتصادي في المملكة. وهو لا يرمز إلى نجاحات رقمية آنية فقط، بل يُعد إشارة نضج في رؤية اقتصادية طويلة المدى، تعيد صياغة موقع المملكة ضمن خارطة الاقتصاد العالمي ليس كدولة مصدّرة للنفط فقط، بل كدولة منتجة ومصدّرة لقيمة مضافة حقيقية..
في ظل الرهانات الكبرى التي وضعتها المملكة على تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، تبرز أرقام الصادرات غير النفطية كدلالة واضحة على التحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي، قادر على التكيف مع التغيرات الهيكلية العالمية. ووفقاً لنشرة "إحصاءات التجارة الدولية لشهر يناير" الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، فإن الصادرات غير النفطية -شاملة إعادة التصدير- ارتفعت بنسبة 10.7 %، بينما بلغت نسبة الزيادة في الصادرات غير النفطية الصافية (دون إعادة التصدير) نحو 13.1 %.
هذه النسب ليست دلالات رقمية عابرة، بل تعبّر عن نجاح سياسات اقتصادية خُطِّط لها بعناية منذ إطلاق رؤية السعودية 2030، التي وضعت تنمية الصادرات غير النفطية في صلب أهدافها الاستراتيجية، فالنمو المتواصل في هذا الجانب يشير إلى تراكم تدريجي في القدرة التصديرية للقطاعات الإنتاجية، خاصة الصناعات التحويلية التي بدأت تمثل وزناً نوعياً في إجمالي الناتج المحلي غير النفطي.
إن تراجع نسبة الصادرات النفطية من إجمالي الصادرات من 74.8 % في يناير 2024 إلى 72.7 % في يناير 2025، يعبّر عن اتجاه بنيوي نحو فكّ الارتباط التدريجي مع الاقتصاد الأحادي المصدر، ويعكس في الوقت نفسه حراكاً نوعياً في القطاعات الصناعية المرتبطة بالتصنيع الكيميائي، والتي شكلت وحدها 23.7 % من إجمالي الصادرات غير النفطية.
هذا التحول لم يكن ليحدث لولا الاستثمار الممنهج في البنية التحتية اللوجستية، المدعوم من برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب)، الذي هيأ بيئة تصديرية قادرة على ربط المنتجات الوطنية بالأسواق الدولية بشكل أكثر كفاءة واستدامة، وقد انعكس ذلك مباشرة في تصدر الصين قائمة الشركاء التجاريين للمملكة، سواء على صعيد الصادرات أو الواردات، ما يبرهن على قدرة السعودية على التموضع ضمن منظومة التجارة الآسيوية النامية بوتيرة متسارعة.
ورغم تسجيل ارتفاع في الواردات بنسبة 8.3 %، وتراجع الميزان التجاري بنسبة 11.9 %، فإن هذا التراجع لا يُعد مؤشراً سلبياً، بل يمكن قراءته ضمن إطار التحول الاقتصادي، حيث يُعاد توجيه الواردات نحو مدخلات إنتاجية تستخدم في الصناعة المحلية، وليس في الاستهلاك النهائي فقط. وهذا يعكس انتقالاً واضحاً في فلسفة الاستيراد من الطابع الاستهلاكي إلى الطابع التمكيني الإنتاجي.
من الناحية التحليلية، فإن التحول الجاري في بنية التجارة الخارجية السعودية يدل على انضباط اقتصادي عالي المستوى، يوازن بين تعظيم الاستفادة من القاعدة النفطية القائمة وتوسيع القاعدة الإنتاجية المستقبلية، كما يشير نمو الصادرات غير النفطية إلى تحسن القدرة التنافسية للصناعات السعودية في الأسواق العالمية، بفضل دعم المحتوى المحلي، وتمكين القطاع الخاص، وتكامل سلاسل القيمة داخل المملكة.
إن من بين أبرز المؤشرات النوعية التي تستحق التوقف عندها هو تحسن نسبة الصادرات غير النفطية إلى الواردات من 35.7 % إلى 36.5 %، مما يعكس تطوراً في هيكل التجارة الخارجية باتجاه تحقيق درجة أعلى من الاكتفاء والتوازن، كما أن هذا التحسن في معدل التغطية يعكس بدوره قدرة أكبر على مقاومة الصدمات الخارجية، وخاصة تقلبات أسعار الطاقة في الأسواق العالمية.
لا يمكن فصل هذه الأرقام عن السياق الاستراتيجي لرؤية 2030، التي حرصت على تعزيز مفاهيم الاستدامة الاقتصادية، من خلال سياسات التنويع، وتحفيز التصدير، وتوسيع المناطق الاقتصادية الخاصة، وجذب الاستثمارات الأجنبية النوعية، فالتوجه الحالي مسار تنويع قطاعي، بل هو تنويع وظيفي وهيكلي في مصادر النمو، ما يعزز مناعة الاقتصاد السعودي، ويجعله أكثر قدرة على مواجهة التحديات المستقبلية.
في المحصلة، فإن تصاعد الصادرات غير النفطية يمثّل اليوم أحد أهم تجليات التحول الاقتصادي في المملكة. وهو لا يرمز إلى نجاحات رقمية آنية فقط، بل يُعد إشارة نضج في رؤية اقتصادية طويلة المدى، تعيد صياغة موقع المملكة ضمن خارطة الاقتصاد العالمي ليس كدولة مصدّرة للنفط فقط، بل كدولة منتجة ومصدّرة لقيمة مضافة حقيقية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق