لواء الجنوب

الفن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

إن المقالات المنشورة في خانة "مقالات وآراء" في "النشرة" تعبّر عن رأي كاتبها، وقد نشرت بناء على طلبه.

ينقسم المشهد ال​لبنان​ي حاليّا على خيارين: الأـول ينادي بحصرية السلاح تحت أمرة الدولة اللبنانية؛ والآخر يطالب بإبقاء ​سلاح حزب الله​ معه ضمن استراتيجية دفاعيّة ضد الكيان الصهيوني، وان كان كلّ ما يطلبه طرف هو حقّ في مواجهة الطرف الآخر، من وجهة نظره.

فالفريق الأول يطمح أن تعود البلاد إلى سابق عهدها في الستينات وأوائل السبعينات عندما كانت نقطة جاذبة في وسط الأرض العربيّة، يجري فيها نموّ سنويّ، وتشهد تنمية في كافة القطاعات. بلاد تزدهر وناسها يعيشون ويترفون، يقصدها المصطافون، ويسافر لها السائحون، تنخفض فيها معدّلات البطالة، ولا يحتشد أبناءها على أبواب السفارات طمعًا بتأشيرة. بلادٌ تدور بها العجلة الاقتصادية، وتشهدُ ارتفاعًا في أعداد القادمين إليها، ونموّا في مختلف القطاعات من صناعة وزراعة وتجارة وغيرها، وذلك من أجل تلبية احتياجات المستهلكين الجدد من سلع وخدمات شتّة.

والفريق الثاني، يرغب في العمل والبحبوحة بدليل نجاحه في أصقاع الأرض وخاصة في القارّة السمراء، إلا أنه لا يغيب عن ناظريه حجم المجازر التي ارتكبها العدوّ الصهيوني في حقّ أهله لسنين طوال، والذي لا يمكن أن يصبح صديقًا بين ليلة وضحاها، خاصة بعد حجم الجرائم المرتكبة حديثًا على الأرض اللبنانية والتي طالت الآلاف من مقاومين ومدنيين ورجال إطفاء ومسعفين، وجهاز طبيّ وتعليميّ! هذا الواقع يطرح أمامنا عددًا من التساؤلات والإشكاليات التي يجب مناقشتها:

ما مصير الأرض اللبنانية التي ما زالت تحت ​الاحتلال الإسرائيلي​؟ وهل الأمم بكبيرها، عظيمها وصغيرها بقادرة على محو عدوان؟ ليست غزّة مثالا نعيشه يوميّا حيث وعلى رغم الأماني العربيّة، والمظاهرات الدوليّة والمناشدات السياسيّة والأمميّة، إلا أن المجزرة ما زالت دائرة، والدماء ما برحت عائمة. والمثال الآخر: أوكرانيا، في قلب أوروبا، ألم تشتعل حربًا بكلفة مئات مليارات الدولارات من أجل قتل تنين روسي على أرض حرقت وذبح أهلها وتهجّر سكانها! هل منعت الأمم والمنظمات الدولية ما حدث ويحدث! بل ألم تساهم في إشعالها بأموال لا حصر لها، صُرفت من أجل تأجيجها بهدف تدمير طرف واحد، إلا أنّ النتيجة أن الطرفين ذاقا ويلاتها.

ما مصير الآلاف من المقاومين الذي أثبتوا قدراتهم في معارك متعددة من الجنوب اللبناني في معارك قبل عام 2000، ثم عدوان 2006 وصولًا إلى توازن رعب امتدّ لعشرين عامًا حيث لم يجرؤ العدوّ وعلى رغم معرفته أماكن سكن عشرات القادة، ولسنين طوال، من قتلهم أو تدمير منازلهم، إلاّ حين اشتعلت جميع الجبهات. ألم يثبت هؤلاء عن بأسهم في قتال الجماعات المتطرّفة على الحدود الشرقيّة، وفي غيرها من ساحات لنا بها علم، وساحات ربما لا نعلم عنها!

ما مصير المنازل التي دمرت أو حرقت، والبساتين التي جرفت، والمصانع والمؤسسات التي أغلقت، والألاف الذين تسرحوا من أعمالهم، والأموال التي نهبت!.

ما مصير القاذفات والصواريخ والأسلحة التي راكمها حزب الله لأعوام وأعوام، وهل يجدر تدميرها ومحوها كما حدث ويحدث!.

ما مصير الإيمان المطلق بقدسيّة السلاح، والذي وُلد مع موسى الصدر، واستمرّ مع محمد حسين فضل الله، وباركه محمد مهدي شمس الدين، وبالتالي أصبح في وجدان طائفة مهما اختلفت مرجعيات أبنائها وعقائدهم!.

ما مصير الأموال التي سرقت ومحيت من تعب عشرات آلاف المغتربين من مناطق الجنوب اللبناني، والتي تقدّر بأكثر من خمسين مليار دولار والتي كانت ثمرة نزوح على أثر حروب واعتداءات إلى مناطق بؤس في ضواحي بيروت؛ ثم هجرة إلى بلدان تفتقد مقومات الحياة من صحة وترفيه وغير ذلك؛ وبالتالي هي حُصّلت بفعل العمل ضمن ظروف قاهرة، وتراكمت بفعل الشحّ على البدن، ليتم إيداعها في مؤسسات مصرفية أغفلت عن صونها، محميّة ويجري الرقابة عليها من مصرف مركزي تعشعش فيه التوظيفات العشوائية والزبائنيّة، في ظلّ حكومات غافلة تفتقد للجدارة، ومؤسسات ماليّة دوليّة متواطئة!.

وعليه، هل يمكن اغفال حروب ما برح عمرها الثمانين عامًا في دمار بلدات وقرى شتّة! وفي قتل وسفك دماء أطفال، ونساء وأبرياء! هل تحتاج إسرائيل لمبرّر لشنّ حرب، أو اعتداء! ألا يمكن أن تغفل القوى الأمنية عن صاروخ من جماعة مجهولة، يسقط في أرض قاحلة جرداء لتعتبره إسرائيل اعتداءًا وتدمّر وتقتل وتسفك الدماء.

إلا أن الإشكالية التي طرحتها بعض الأحزاب اليساريّة كالحزب الشيوعي اللبناني في رفض السلاح ذو اللون الطائفي في محاربة اسرائيل. مع الإشكالية التي طرحتها أحزاب أخرى كالتيار الوطني الحرّ في رفض الانسياق والانضمام إلى حروب خارج الأرض اللبنانية، وبأن حرب الإسناد للدفاع ومناصرة غزّة كانت خطأ جسيمّا؛ أدّت إلى فرط التحالف السياسيّ الاستراتيجي بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله. كما أن الإشكاليات التي تطرحها أحزاب أخرى عن أن سلاح حزب الله استخدم في الداخل اللبناني في 7 أيار للحفاظ عليه نفسه ذاك السلاح، ما اعتبرته مكونات شعبية تهديدًا لها. إضافة إلى مناشدات أحزاب وقوى سياسيّة أخرى بحصريّة السلاح الثقيل بيد الدولة اللبنانية فقط.

أمام ما سبق، وبما أن ​الجيش اللبناني​ قد طرح عن رغبته تجنيد أكثر من عشرة آلاف مجنّد وضابط للالتحاق في ألوية الجنوب. ولأنّ ألمنتسبين إلى حزب الله هم مواطنون لبنانيون، قد تكون من الأهميّة بمكان طرح استراتيجيّة وطنيّة تهدف إلى قيام لواء داخل الجيش اللبناني، يضمّ المقاومين من حزب الله الذين لهم باعٌ طويل في القتال، والراغبين في الانتقال إلى اللواء الجديد من أجل الدفاع عن أرض لبنان؛ إلى جانب فتح الباب أمام أشخاص آخرين من طوائف مختلفة يرغبون في الانضمام إلى لواء تنتقل له مهمة الحفاظ على أمن وسيادة الجنوب اللبناني، وفي حماية أبنائه والزود عنهم، في مواجهة أطماع ​العدوان​ الإسرائيلي.

كما هناك ضرورة في معالجة كافة جرحى العدوان الإسرائيلي مقاتلين أو مدنيين كجرحى حروب على نفقة الدولة، مع تأمين مداخيل لهم تساهم في إظهار أن الدولة تنتمي لأبنائها، كما يجدر بأبنائها الانتماء لها. مع تأمين مكافآت وتقاعدات لمن يرغب في التقاعد عن العمل العسكريّ الدفاعيّ.

ان المنتظمين إلى اللواء الجديد يكون ولاءهم للوطن، وعليهم فك ارتباطهم عن كافة الاطر السياسية والحزبية السابقة، ويتألف اللواء من قيادة وهيئة اركان والوية وفرق مقاتلة، ويخضع هذا التشكيل للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي ماعدا شرط العمر والشهادة، بغية ضمّ كل من يرغب في الانضمام. وتجري التراتبية وتعيين القادة في ذاك اللواء كما يحدث في الجيش اللبناني، ويتم تعيين آمري هذا التشكيل وفق السياقات العسكرية من تراتبية ورواتب ومخصصات وعموم الحقوق والواجبات، حيث يتمتعون بالحقوق نفسها ويلتزمون بالواجبات نفسها كبقية أفراد الجيش اللبناني.

مع إمكانية قيام تشكيل احتياطي إضافي يرتبط بالجيش اللبناني، يتمكّن من التدريب على القتال في فترات زمنيّة من أجل الحفاظ على قدراتهم العسكريّة ولياقتهم البدنيّة، إلا أن أبناء ذاك الاحتياط قد ينتقلون إلى أعمال مدنيّة متفرقة. هذا الاحتياط الذي لا يجوز له حمل السلاح خارج الأطر النظاميّة، يرتبط بالجيش اللبناني، والذي يمكن استدعائه في حال احتاجت البلاد وكانت تحت عدوان عسكريّ محتمل. هذا التشكيل الاحتياطي يكون وقوده هو إعادة تفعيل التجنيد الإجباري أو جعله اختياريّا لكافة الشباب الذي ينهون المرحلة الدراسية الأكاديميّة وقبل انتقاله إلى المرحلة الجامعية، ويمكن الالتحاق به من مختلف المناطق اللبنانية، ما يُذهب عن التشكيل الجديد أي صفة طائفية أو مذهبية، أو مناطقيّة، كما يكون الانتساب له من كلا الجنسين.

ان الحلّ المقترح في ورقتنا هذه، قد يكون عرفانا بجميل كلّ من ضحّى في سبيل الأرض اللبنانية وتكريمًا له، في الانتساب إلى ذاك اللواء –لواء الجنوب– أو فرق وتشكيلات الاحتياطي المختلفة، والذي سيتمكّن كلّ من يرغب ومهما كانت منطقته أو طائفته ومذهبه من الانتساب له، والتطوّع في صفوفه، من مختلف ابناء الشعب، دفاعا عن لبنان. كما يهدف لحفظ السلاح الثقيل بيد القوى المسلحة الشرعيّة اللبنانية وتحت حمى القانون، وبما يضمن تعزيز هيبة الدولة، وحفظ أمنها وحدودها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق