متى تغزل الحكومة الحرير المصري؟

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

يقف الحرير المصرى اليوم أمام مفترق طرق صعب، بين سوق محلى متعطش للإنتاج، وطلب عالمى متزايد، وصناعة شبه غائبة لا تكاد تغطى سوى جزء يسير من الاحتياجات.

فبينما يتحدث المنتجون عن فرص حقيقية لعودة “الذهب الأبيض الناعم” إلى مكانته التاريخية، تكشف أرقام الإنتاج الحالية عن فجوة واسعة لا تُسد إلا بجهود منظمة وخطط حكومية واستثمارات جديدة تعيد الحياة إلى واحد من أعرق الصناعات المصرية.

وتراجع الإنتاج المصرى من الحرير تدريجيًا من 10 أطنان عام 1971 إلى 1.3 طن فقط عام 2018، وذلك وفقا للهيئة العامة للإحصاء.

وعزت المصادر التى تحدثت لـ “البورصة” تراجع الإنتاج إلى إغراق الصين بكميات ضخمة من الحرير منخفض السعر، لتدفع المنتجين المصريين إلى هجر مهنتهم التاريخية، بعدما لم يعد العائد يغطى مشقة تربية دودة القز.

وقالوا إن إنعاش صناعة الحرير يحتاج إلى خريطة طريق تبدأ بتدخل الدولة كمشترٍ وضامن للمنتج، مع توفير تمويل ميسر، وسن تشريعات تحظر قطع أشجار التوت، إلى جانب منح إعفاءات ضريبية للعاملين فى القطاع.

«العادلي» الاستراتيجية الجديدة تفتح الطريق أمام الاكتفاء الذاتى من الحرير

قال حمادة العادلي، رئيس غرفة الصناعات اليدوية باتحاد الصناعات المصرية، إن الغرفة قدمت استراتيجية شاملة لمجلس الوزراء لتوطين صناعة الحرير الطبيعى فى مصر.

وتقوم الاستراتيجية على زراعة أشجار التوت، وإنشاء مجمعات متخصصة لإنتاج الحرير، إلى جانب معامل لغزل الخيوط وتصنيعها، موضحًا أن الاستراتيجية بدأ تنفيذها منذ أكثر من عام، حيث شرعت مراكز البحوث فى زراعة عدد من المحافظات منها محافظة الإسكندرية التى يزرع بها 4 آلاف فدان من أشجار التوت كمرحلة أولى.

وأضاف العادلى لـ “البورصة”، أن تحقيق الاكتفاء الذاتى من الحرير الطبيعى سيساهم فى تقليص فاتورة الاستيراد وتوفير العملة الصعبة، فضلاً عن تحقيق عوائد تصديرية تضاف إلى الاقتصاد الوطنى بالدولار.

وأشار إلى أن الحرير الطبيعى يدخل فى صناعات متنوعة، أبرزها الملابس، والسجاد، وبعض أنواع الألياف، إلا أن الإنتاج المحلى لايزال غير كافٍ لتلبية احتياجات هذه القطاعات، وفيما يتعلق بتأهيل العمالة.

أوضح أن الغرفة تعمل على توفير جهات تدريبية موجهة للعاملين، خاصة فى القرى والتجمعات الريفية، وذلك بهدف رفع كفاءتهم وتوسيع قاعدة الإنتاج.

سعيد: نستورد بيض القز من الصين دون جمارك.. والسوق فى يد المنتجين الصغار

قال محمد سعيد، أحد مستوردى بيض دودة القز، إن الإقبال على استيراد البيض تراجع خلال الفترة الأخيرة، موضحًا أن المنتجين الصغار يمثلون النسبة الأكبر من المشترين.

وأضاف لـ”البورصة”، أن البيض يُستورد من الصين دون جمارك، وتصل تكلفة العلبة الواحدة إلى 2000 جنيه، مشيرًا إلى أن موسم الإقبال الأكبر يمتد من بداية فصل الربيع حتى نهاية نوفمبر.

وأكد أن تحقيق الاكتفاء الذاتى من بيض دودة القز فى مصر يتطلب الاستعانة بخبرات أجنبية لنقل المعرفة فى مجالى الإنتاج والتسويق، إلى جانب توفير المعدات اللازمة وزراعة المزيد من أشجار التوت لضمان استمرار العملية الإنتاجية.

المساوي: نجاح تربية الدودة يبدأ من السلالة الجيدة وورق التوت البلدي

قال عبدالعاطى المساوي، أحد منتجى الحرير الطبيعي، إن نجاح أى مشروع لإنتاج الحرير يعتمد بالأساس على اختيار سلالة جيدة للدودة، وتوفير مصدر دائم لورق التوت البلدى الطازج بالقرب من مكان التربية.

أوضح أن جودة تغذية الدودة تنعكس مباشرة على جودة الشرانق وبالتالى على العائد المادى للمربي، حيث أن الدودة تحتاج للتغذية 6-8 مرات يوميًا فى أعمارها الأولى، وبشكل شبه متواصل فى المراحل الأخيرة.

لفت إلى أنه أحدث طفرة فى المجال بتربية سلالة يابانية متميزة، غير أن ضعف الإمكانيات حال دون استمرار المشروع، رغم إنتاجه قماش حرير طبيعى مصرى ناصع البياض بدءًا من تربية الدودة وحتى نسج القماش.

وأوضح أن إنتاج الحرير كان فى الماضى يحظى بدعم وزارة الزراعة التى كانت توزع البيض على المربين وتشترى الشرانق منهم عبر المزادات، بينما الإنتاج الحالى لا يتجاوز 100 صفيحة ( 30 كجم) سنويًا مقارنة بإنتاج أكثر من 2 طن قبل 25 عامًا، حسب قوله.

ودعا إلى إنقاذ صناعة الحرير من خلال دعم الفلاحين، وتوفير سلالات جيدة، والابتعاد عن الشتلات المستوردة الرديئة، لضمان إنتاج شرانق عالية الجودة تعيد لمصر مكانتها فى هذه الصناعة.

تابع أنه بدأ رحلته قبل 25 عامًا بعد حديث مع سائح سويسرى حول تاريخ الحرير فى مصر، ليكتشف وفرة شجر التوت فى البلاد، ويبدأ بتربية الدودة اعتمادًا على بيض من مركز البحوث آنذاك.

استطرد أنه ابتكر ماكينة لإنتاج خيوط النسيج بعد 3 سنوات من التجارب، وتمكن من تصنيع أكثر من 1000 متر قماش حرير طبيعى بأنواع متعددة.

وفى السياق ذاته، أوضح سامح فؤاد، خبير الحرير الطبيعى ومؤسس رابطة منتجى ومسوقى الحرير فى مصر، أن مبادرة إعادة توطين صناعة الحرير تحتاج إلى فترة زمنية كافية قبل الحكم على نتائجها.

أكد أن أى خطوات جذرية فى البنية التحتية لمشروعات إنتاج الحرير خاصة زراعة أشجار التوت تتطلب ما لا يقل عن خمس سنوات لإظهار أثرها الفعلي، مشيرًا إلى أن حجم الإنتاج مازال ثابتًا منذ انطلاق المبادرة.

وأضاف لـ”البورصة”، أن عدد المربين الفعليين حاليًا لا يتجاوز 500 مربي، فى حين يحتاج السوق المحلى إلى 50 ألف مربى لتغطية الطلب السنوي.

وأشار خبير الحرير الطبيعى إلى أن أبرز المحافظات التى تشهد نشاطًا ملحوظًا فى إنتاج الحرير تشمل البحيرة، والمنوفية، والشرقية، والغربية، وقنا، وسوهاج، والوادى الجديد.

أوضح أن المنوفية تتصدر قائمة المحافظات الأكثر استخدامًا لخيوط الحرير، يليها البحيرة وقنا وسوهاج والوادى الجديد والغربية.

وأوضح أن التكلفة المبدئية لمشروع تربية دودة القز، دون زراعة أرض جديدة، تتراوح حاليًا بين 12 و15 ألف جنيه لعلبة بيض واحدة، شاملة الأدوات والتدريب، مشددًا على أهمية استغلال أشجار التوت الموجودة فى القرى لتقليل النفقات.

«تصديرى الصناعات اليدوية»: الأسواق العالمية لا ترحم.. والمصدّر المصرى بحاجة لفهم متطلباتها

وقال فؤاد إنه بدء العمل فى المجال عام 2009 بالتوازى مع عمله الأساسى كمحاسب، بهدف تأسيس مشروع جانبى برأسمال محدود.

أوضح أنه بحث عبر الإنترنت عن فكرة مشروع مربح وملائم للسوق المحلي، فكانت صناعة الحرير الطبيعى هى أول ما ظهر أمامه، خاصة بعدما اكتشف أن احتياجات السوق المصرى فى ذلك الوقت بلغت 250 طنا سنويًا، فى حين لم يتجاوز الإنتاج الفعلى 500 طن.

وأشار إلى أن رحلته فى البداية واجهت ثلاث تحديات رئيسية أولها ندرة أشجار التوت اللازمة لتغذية دودة القز، وهو ما دفعه لاستخدام أسلوب المسح الميدانى للبحث عنها فى الشوارع والقرى.

أما التحدى الثانى فكان الحصول على بيض دودة القز، والذى تمكن من توفيره من خلال قسم بحوث الحرير بوزارة الزراعة بعد حصوله على دورة تدريبية.

بينما تمثل التحدى الثالث فى قلة مواسم إنتاج البيض، إذ كان متاحًا ثلاث مرات فقط فى العام، ما يحد من استمرارية المشروع، وتمكن من التغلب على هذه العقبة عبر استيراد سلالات من الخارج بالتعاون مع مركز بحثى أوروبي، ما أتاح له التربية 8 مرات سنويًا بدلًا من ثلاث.

وأشار إلى أن أول مزرعة نموذجية أسسها عام 2011 فى الحزام الأخضر بلغت تكلفتها نحو 192 ألف جنيه، واستمر هو وفريقه فى إعادة استثمار الأرباح على مدار 6 إلى 7 سنوات فى التجارب والتطوير، دون سحب أى أرباح شخصية.

أوضح أن إنتاجهم فى تلك الفترة كان فى حدود 300 كيلو جرام سنويًا، لكن معظم الإنتاج كان يُخصص للأبحاث، مثل اختبار سماكة الخيوط، أو دراسة دورة حياة الفراشة، أو تطوير منتجات جديدة، معتبرًا أن هذه المرحلة التجريبية كانت ضرورية لضمان نجاح المشروع على نطاق أوسع فى المستقبل

ماهر: خطة لزراعة 57 فدانًا بأشجار التوت وتدريب 4500 فرد على مختلف المراحل

وقال الدكتور على ماهر، نائب مدير برنامج الزراعة المستدامة بمؤسسة النداء، إن المؤسسة قدمت أول نموذج متكامل لصناعة الحرير الطبيعى فى مصر، يبدأ بزراعة أشجار التوت، مرورًا بتربية ديدان القز، ثم حل خيوط الحرير، وصولًا إلى إنتاج منسوجات حريرية، ويقع هذا النموذج فى الظهير الصحراوى لمركز نقادة بمحافظة قنا.

وأضاف لـ “البورصة” أن المشروع أسفر عن إنتاج 150 كيلوجرام من خيوط الحرير سنويًا، بعد زراعة 5 أفدنة من أشجار التوت الهندي.

وتابع أن المؤسسة أنشأت مبنى على مساحة 1200 متر مربع مخصص لتربية ديدان القز وصناعة منتجات الحرير، إضافة إلى امتلاكها 150 نولًا للنسيج.

أشار إلى أن المؤسسة نظمت دورات تدريبية وندوات لإحياء صناعة الحرير، بالتعاون مع وزارة الزراعة، وجامعة جنوب الوادي، والجمعيات الأهلية، ومركز البحوث الزراعية بقنا، وأسفرت هذه الجهود عن تدريب نحو 4500 فرد على مختلف مراحل إنتاج وصناعة الحرير.

فى السياق ذاته، قال هشام العيسوي، رئيس المجلس التصديرى للصناعات اليدوية، إن قدرة وإلمام صانع الحرير بمتطلبات الاسواق العالمية هو من أبرز التحديات التى تواجه تصدير الحرير المصري.

أكد أن المجلس يعمل على مواجهة هذا التحدى من خلال دراسة الأسواق العالمية ومتطلباتها ونقل التجربة العالمية للمنتجين.

كما أشار رئيس المجلس التصديرى إلى أهمية تضافر جهود جميع المؤسسات لإحياء صناعة الحرير فى مصر، وذلك لارتباطه بالعديد من القطاعات مثل الزراعة والمناخ والبيئة.

لفت إلى أن ذلك هو أكثر ما يميز الحرير المصرى بالإضافة إلى زخارفه المميزة التى تجعله ينافس أمام الأنواع الأخرى فى الأسواق العالمية.

أبوالعينين: انقطاع توريث المهنة ونقص العمالة المدربة يعمقان أزمة الصناعة

قال حمدى أبوالعينين، رئيس مجلس إدارة الجمعية العامة للغزل والنسيج، إن استخدام الحرير الطبيعى فى مصر تراجع بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، بسبب نقص المادة الخام، مما دفع المصانع للاعتماد على بدائل أخرى.

تابع أن مصر كانت تنتج الحرير الطبيعى بكميات كافية فى الماضي، وكانت تصدّره إلى دول مثل اوزباكستان، إلى جانب استخدامه فى التشغيل المحلي.

وأضاف لـ “البورصة”، أن عودة إنتاج الحرير الطبيعى بكميات كافية سيسهم فى تنشيط الطلب عليه محليًا وعالميًا.

أكد أن الدولة بدأت بالفعل فى اتخاذ خطوات نحو إعادة إحياء هذه الصناعة، لكن حجم الإنتاج مازال غير كافٍ، وعن أبرز التحديات التى تواجه صناعة الحرير، أوضح أن المشكلة الأساسية تتمثل فى عدم توافر المادة الخام، حيث تعتمد المصانع على استيرادها من دول مثل الهند بتكاليف مرتفعة.

كما نواجه صعوبة فى توفير قطع غيار المكينات، ونقص العمالة المدربة نتيجة انقطاع توريث المهنة بين الأجيال، بالإضافة إلى ضعف ارتباط المدارس الفنية باحتياجات سوق العمل، مما يتطلب تطوير المناهج وربطها بالقطاع الصناعي.

وقال عمرو محمد، صاحب مصنع الهجين للسجاد اليدوى بالمنوفية، إن تأثير مبادرة إعادة توطين صناعة الحرير الطبيعى فى مصر لم يظهر بعد.

أوضح أن مصنعه مازال يعتمد بشكل كبير على الحرير المستورد من الصين، نظرًا لانخفاض حجم الإنتاج المحلي.

وأضاف لـ “البورصة” أن صناعة السجاد اليدوى تُعد من الصناعات الدقيقة التى تتطلب وقتًا طويلًا، إذ قد تصل مدة إنتاج قطعة واحدة إلى عام كامل، وذلك حسب المقاس ومستوى التفاصيل.

أشار الى أن أسعار السجاد اليدوى مرتفعه بشكل ملحوظ، إذ يتراوح سعر المتر الواحد بين 10 و15 ألف جنيه، مما أثر على القدرة الشرائية.

وتابع أن مصانع السجاد اليدوى تحتاج إلى توفير جهات يمكن الحصول منها على المادة الخام بأسعار مناسبة مع تقديم التسهيلات اللازمة.

لفت إلى أهمية إنشاء جهات تدعم المصنعين فى تسويق منتجاتهم عالميًا، سواء من خلال المشاركة فى المعارض الدولية أو تسهيل وصولهم إلى الأسواق العالمية.

كتبت – مى أحمد ونورهان حسن

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق