نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إسرائيل بين الرفض الصريح والموافقة الملغومة: الورقة الأميركية أمام الإختبار, اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 05:05 صباحاً
لم تكن "الورقة الأميركية" سوى محاولة جديدة لفرض معادلة مختلفة على لبنان عنوانها نزع سلاح حزب الله مقابل وعود مبهمة بالأمن والاستقرار، غير أنّ إسرائيل، كعادتها، لم تُظهر حتى الآن استعداداً للتعامل مع الورقة بوصفها تسوية، بل كوسيلة إضافية للضغط.
تقول أوساط سياسية مطلعة أنه لو كانت تل ابيب أكثر ذكاءً وأقل غطرسة، لربما تقبل بالورقة الأميركية ولو شكلياً، لتضع الدولة اللبنانية وكل خصوم الحزب أمام اختبار داخلي حرج، ولتفتح الباب أمام سجال سياسي يضعف موقع السلاح، لافتة إلى أن المؤشرات الواردة من لقاءات المبعوث الأميركي توم باراك في باريس وزيارته إلى تل أبيب توحي بأن إسرائيل أقرب إلى الموافقة المشروطة، أو على الأقل تلك التي تعتمد على تفريغ الورقة من مضمونها عبر صيغة "نعم ولكن".
في هذا السياق، لا يبدو بحسب الأوساط أن باراك سيعود إلى بيروت معلناً رفضاً صريحاً، بل سيحاول الإيحاء بقبول الورقة ولو بشكل مشروط، مع إضافة سلسلة ملحقات وتفسيرات تُبقي المبادرة معلّقة وتُحمّل لبنان تبعات العرقلة. هذه التقنية ليست جديدة في مقاربة إسرائيل للوساطات الدولية.
بحسب المصادر فإن خطورة الأمر أنّ هذا السلوك، بحال تحقق ولم يحمل باراك مفاجأة من تل أبيب، يضع القوى اللبنانية التي تبنّت الورقة الأميركية كخريطة خلاص في مأزق واضح، فمن اعتبر أنّ الخلاص يأتي من واشنطن، قد يجد نفسه أمام ورقة منقوصة، لا تؤمّن للبنان لا استقراراً ولا سيادة، بل تُظهر أن الرهان على الخارج ليس سوى وهم، وهنا يتحوّل النقاش الداخلي من سؤال "كيف ننزع السلاح"؟ إلى سؤال أكثر إحراجاً هو "من الذي يفرّط بالسيادة ويُسلّم عناصر القوة الوطنية لمعادلات مرسومة في تل أبيب وواشنطن"؟.
ترى المصادر عبر "النشرة" أن كلام رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أمس جاء ليثبّت هذا المسار. إذ تحدّث عن "روح التعاون" و"المضي قدماً نحو الازدهار"، لكنه وضع الشرط الحاسم المتعلق بنزع سلاح حزب الله عبر القوات المسلحة اللبنانية، مقابل خفض تدريجي لوجود الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، مشيرة إلى أن هذا الطرح ليس عرضاً لتسوية متكافئة، بل مقايضة غير متكافئة إذ أن المطلوب من لبنان أن يسلّم عناصر قوته، فيما إسرائيل تقدّم وعداً فضفاضاً بالانسحاب، مرتبطاً بآلية أمنية تقودها واشنطن، أي عملياً استمرار السيطرة ولكن بغطاء مختلف.
الأخطر في البيان هو الإشادة بقرار مجلس الوزراء اللبناني العمل على نزع سلاح الحزب بحلول نهاية 2025. هنا يظهر الترابط بين الضغط الأميركي-الإسرائيلي وبين مسار داخلي يُراد تكريسه كالتزام رسمي، بما يعني أنّ النقاش لم يعد نظرياً، بل دخل حيّزاً عملياً قد يفتح الباب أمام مواجهات سياسية وأمنية داخلية.
في المحصّلة، تتعامل إسرائيل مع الورقة الأميركية ليس كفرصة، بل كمنصّة لفرض شروطها. الاحتمالات المفتوحة أمام لبنان تدور بين قبول صيغة إذعان تحت عنوان "التسوية"، أو الانكشاف الكامل لوهم الرهان على الخارج. وفي الحالتين، ما تريده تل أبيب ليس استقراراً مشتركاً ولا سيادة لبنانية، بل تجريد البلد من "سلاحه المقاوم" تمهيداً لفرض وقائع جديدة على المدى البعيد.
الأهم في كل ذلك أن لبنان ينتظر زيارة باراك وما سيحمله من تل أبيب، خصوصاً أن رئيس الجمهورية جوزاف عون يرى أن لبنان سيكون بحلّ من الالتزامات بحال لم توافق إسرائيل على الالتزام بالورقة الأميركية، ولكن ماذا لو جاءت الموافقة بـ"نعم"، ولو كانت مرفقة بـ"ولكن".
0 تعليق