ارتباط نفسي وعضوي بين الإنسان والأطعمة السكرية.. والسر في الأمان و«مكافأة الدماغ»

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

القاهرة: «الخليج»
يعد السكر طعاماً غذائياً لذيذاً، فهو مصدر للمتعة والطاقة، ويعتبر من الناحية الطبية الغذاء الأساسي للدماغ، وبه وبدونه تحدث ارتباكات ومشكلات صحية، فهو المعشوق، الذي قد يمثل مشكلة كبرى لمرضى السكري.
وتتناول د. ناهد بدوي، الأستاذة بقسم تكنولوجيا الحاصلات البستانية، في معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية بالقاهرة، في دراسة علمية، سر الارتباط بين الإنسان والسكر، مؤكدة أن حب الإنسان للسكر ليس مجرد تفضيل مكتسب، بل هو مزيج معقد من البيولوجيا التطورية؛ لأن حاسة التذوق لدى الإنسان، وآليات الدماغ، قد تتطور لدى البعض إلى ما يشبه الإدمان.
وتؤكد أن الأطعمة الحلوة وقود أساسي لأجسامنا، خاصة الدماغ والعضلات، لذلك تطورت لدى الإنسان رغبة فطرية في تذوق السكر والسعي إليه لضمان الحصول على سعرات حرارية كافية للبقاء على قيد الحياة.
وتشير إلى أن الأطعمة الحلوة ارتبطت عبر تاريخ الإنسانية، بأنها من الأطعمة غير السامة في الطبيعة، مثل الفواكه، في مقابل ارتباط مذاق الأطعمة المرة غالباً بوجود السموم.
وهذا الارتباط بين الحلاوة، وَلّد لدى الإنسان شعوراً بالأمان، ساعد الأسلاف على تجنب الأطعمة الضارة، واختيار الأطعمة الحلوة؛ لأنها توفر الطاقة اللازمة لاستمرار الحياة.
وتضيف د. ناهد بدوي، أن الارتباط بالسكر له علاقة وثيقة بمستقبلات التذوق الحلو، فلدى الإنسان مستقبلات تذوق خاصة جداً في الفم واللسان تستجيب لجزيئات السكر، وعندما يرتبط السكر بهذه المستقبلات، ترسل إشارات عصبية إلى مناطق معينة في الدماغ مسؤولة عن إدراك الطعم.
وهذه المستقبلات حساسة جداً، ويمكنها اكتشاف حتى كميات السكر الصغيرة، ما يجعل الإنسان يفضل الأطعمة الحلوة.
فالدماغ يستقبل الأطعمة السكرية، وهو يقول «هذا جيد».
وتشير إلى أن هناك أيضاً مستقبلات للطعم الحلو في الأمعاء، وعندما يتناول الإنسان أطعمة حلوة ويرتفع سكر الدم، يرسل الدماغ إشارات بنفس المعنى «هذا جيد، يعجبني هذا، استمر في فعله».
وهذه الإشارات تشجع الناس على تناول المزيد من الأطعمة الحلوة، ما يضمن حصولهم على الطاقة اللازمة، وهو ما يوجد نظام المكافأة في الدماغ ويتسبب في الإدمان الغذائي.
وتوضح أن تناول السكر يؤدي إلى تحفيز إطلاق الدوبامين، وهو ناقل عصبي يلعب دوراً رئيسياً في نظام المكافأة في الدماغ، وهو نفس النظام الذي ينشط عند تناول المخدرات أو ممارسة سلوكيات ممتعة أخرى.
وهذا الإطلاق للدوبامين يخلق شعوراً بالمتعة والرضا، ما يجعل الإنسان يرغب في تكرار التجربة، فنظام المكافأة هذا هو الذي يجعل الإنسان يشعر بالسعادة عند تناول الأطعمة الحلوة، ويشجعه على البحث عنها مرة أخرى.
وتشير بعض الأبحاث إلى أن السكر يمكن أن ينتج تأثيرات في الدماغ مشابهة لتلك التي تحدثها المخدرات، مثل الرغبة الشديدة، وفقدان السيطرة على الكمية المتناولة، وحتى أعراض الانسحاب عند التوقف عن تناوله، وهذه التأثيرات يمكن أن تجعل من الصعب على بعض الأشخاص التحكم في استهلاكهم للسكر، ما يؤدي إلى دورة من الإفراط في التناول، وتكيّف الدماغ مع هذه الدورة مع زيادة الاستهلاك.
وهذا يعني أن الإنسان قد يحتاج إلى كميات أكبر من السكر للحصول على نفس الشعور بالمتعة، وهي آلية مماثلة لما يحدث في الإدمان، هذا التكيف يمكن أن يؤدي إلى زيادة استهلاك السكر، ما يزيد من مخاطر المشاكل الصحية.
وتضيف د. ناهد بدوي، أن تناول الأطعمة السكرية يرتبط بالحالة المزاجية، حيث يؤدي تناول السكر إلى إطلاق السيروتونين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالشعور بالسعادة والرفاهية، على المدى القصير، ومع ذلك، فإن هذا التأثير غالباً ما يتبعه انخفاض في مستويات السكر في الدم وتقلبات مزاجية.
وتتسبب هذه التقلبات في جعل الإنسان يشعر بالحاجة إلى تناول المزيد من السكر لتحسين حالته المزاجية، ما يؤدي إلى دورة من الإفراط في التناول.
وتدرك شركات صناعة الأغذية هذه الآليات البيولوجية والنفسية، وتقوم بصياغة المنتجات بكميات كبيرة من السكر والدهون والملح، لصناعة ما يسمى بالأطعمة «المستساغة جداً»، التي تثير الرغبة الشديدة لدى المستهلكين. فهذه الأطعمة مصممة لتكون لذيذة جداً، ما يجعل من الصعب مقاومة الرغبة في تناولها، هذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة استهلاك السكر، ما يزيد من مخاطر المشاكل الصحية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق