تشهد الأسواق المالية الصينية انتعاشا لافتا، مدفوعا بمدخرات الأسر التي بلغت مستويات قياسية، وسط تراجع التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، وعودة الثقة إلى المستثمر المحلي. قفز مؤشر CSI 300، الذي يقيس أداء أكبر الشركات المدرجة في بورصتي شنغهاي وشنتشن بنحو 22% منذ مطلع أبريل، ليغلق، الجمعة، عند أعلى مستوى له منذ يوليو 2022، مدفوعا بزخم غير مسبوق من المستثمرين الأفراد الذين باتوا يخشون تفويت الفرصة، وفقا لما ذكرته شبكة «CNBC». وبحسب بيانات بنك «HSBC»، فإن إجمالي مدخرات الأسر الصينية تجاوز حاجز 160 تريليون يوان (نحو 22 تريليون دولار)، وهو رقم يفوق ثلث القيمة السوقية الإجمالية لبورصة نيويورك، ما يعكس حجم السيولة المتاحة التي بدأت تجد طريقها إلى الأسهم.
وفي الصين، تختلف قواعد اللعبة، إذ يشكل المستثمرون الأفراد نحو 90% من حجم التداول اليومي، مقارنة بـ 20 - 25% فقط في بورصة نيويورك، حيث تهيمن المؤسسات المالية على المشهد.
ويقول كبير استراتيجيي الأسهم في آسيا لدى «HSBC»، هيرالد فان دير ليندي: «ما نشهده الآن هو إعادة توجيه للمدخرات الفائضة نحو الأسهم، وهذا قد يستمر لفترة طويلة.. المحرك الأساسي للسوق لم يعد المستثمر الأجنبي، بل المواطن الصيني». ومع انخفاض أسعار الفائدة على الودائع البنكية إلى ما دون 1%، بدأت الأموال تتحرك من الحسابات البنكية إلى سوق الأسهم. وارتفعت قيمة التداول عبر حسابات التمويل بالهامش من 1.8 تريليون يوان في مايو ويونيو إلى أكثر من 2 تريليون في أغسطس، وفقا لـ «HSBC». كما شهدت إصدارات الصناديق الاستثمارية الجديدة في الصين قفزة بنسبة 132% على أساس سنوي، ما يعكس شهية متزايدة للاستثمار في الأسهم. وتعود معدلات الادخار المرتفعة في الصين إلى عوامل هيكلية، أبرزها ضعف شبكات الأمان الاجتماعي، وتكاليف السكن والرعاية الصحية، إضافة إلى التحولات الديموغرافية. وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن الادخار الإجمالي في الصين يمثل أكثر من 43% من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغم هذا الكم الهائل من المدخرات، لاتزال ملكية الأسهم منخفضة نسبيا، إذ لا تتجاوز 5% من أصول الأسر الصينية، مقارنة بـ 60% في العقارات و25% في الودائع، ما يفتح المجال أمام مزيد من التدفقات نحو السوق.
وساهم الاتفاق الأخير بين واشنطن وبكين على تمديد هدنة الرسوم الجمركية حتى نوفمبر، في تهدئة المخاوف الجيوسياسية، ودعم شهية المستثمرين المحليين، بحسب محللين في «ماكواري» و«ستاندرد تشارترد».
0 تعليق