شهدت البورصة المصرية خلال العام الجاري عدة طروحات لشركات خاصة نجحت في جذب سيولة قوية وتغطية الاكتتابات، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول ما إذا كان هذا النشاط قد يشجع الحكومة على تسريع برنامج الطروحات العامة المدرج ضمن خطتها الاقتصادية.
ويرى المتعاملون أن نجاح الطروحات الخاصة وتحقيقها تقييمات مرتفعة يمثل مؤشرًا إيجابيًا يعزز ثقة السوق ويحفز الحكومة على المضي قدمًا، لكن ثمة آراء أخرى تشير إلى أن الطروحات الحكومية تخضع لمسار منفصل يعتمد على جاهزية الأصول والتزامات الدولة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، بعيدًا عن زخم السوق وحده.
حامد: تحسن شهية المستثمرين وزيادة التنوع القطاعي يدعمان الاكتتابات الجديدة
وقالت راندا حامد، العضو المنتدب لشركة عكاظ لتكوين وإدارة محافظ الأوراق المالية، إن الزخم الذي شهده السوق مؤخرًا في الطروحات الخاصة يعكس تحسن شهية المستثمرين وزيادة الثقة في قدرة البورصة على استيعاب كيانات جديدة، وهو ما يمثل مؤشرًا إيجابيًا يمكن للحكومة الاستفادة منه في طروحاتها المقبلة.
وأوضحت أن نجاح القطاع الخاص في جذب السيولة وتغطية الاكتتابات يرسل إشارة واضحة بوجود طلب حقيقي على الفرص الاستثمارية، خاصة إذا كانت الشركات تتمتع بمؤشرات أداء قوية وحوكمة جيدة.
وأشارت إلى أن الطروحات الأخيرة مثل «بنيان» العاملة في الاستثمار العقاري و«الوطنية للطباعة» التي تنتمي إلى قطاع جديد على البورصة، تؤكد ميزة التنوع القطاعي بالسوق المصري، مما يعزز جاذبية البورصة للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
وذكرت أن الحكومة كانت قد أعلنت عن قرب طرح شركتي «وطنية» و«صافي»، وهما في قطاعات واعدة من شأنها جذب سيولة جديدة وتعميق السوق.
كما لفتت إلى تنامي وعي الأفراد بدور البورصة وأهميتها كأداة استثمارية تحقق عوائد تفوق أدوات الدخل الثابت، ما يجذب شرائح جديدة من المستثمرين.
وأكدت أن اختيار التوقيت المناسب، والتسعير العادل، وتقديم قصص نجاح استثمارية واضحة، هي عوامل أساسية لضمان استفادة الطروحات الحكومية من الزخم الحالي وتعزيزه بما ينعكس إيجابًا على السوق ككل.
وخلال العام الحالى شهدت البورصة المصرية عدة طروحات خاصة منها شركة بنيان للتنمية والتجارة والوطنية للطباعة، كما شهدت شركة «فاليو» للتمويل الاستهلاكي طرحًا غير تقليدي في البورصة المصرية خلال يونيو 2025، عبر توزيع أسهمها كأرباح عينية على مساهمي شركتها الأم «إي إف جي القابضة» بدلًا من التوزيعات النقدية، بنسبة 20.48% من رأس المال.
وأعلنت الحكومة عن استهداف طرح ما لا يقل عن 10 شركات مملوكة للدولة خلال 2025، سواء عبر البورصة أو من خلال بيع حصص لمستثمرين استراتيجيين.
وتصدرت شركتا “وطنية” و”صافي” التابعتان لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية قائمة الأولويات، إلى جانب شركات أخرى مثل “شل أوت” و”سايلو” فى قطاع الأغذية، وبنك القاهرة وبنك الإسكندرية فى القطاع المصرفى، فضلًا عن شركات فى مجالات الأدوية والبتروكيماويات والطاقة المتجددة مثل محطة رياح جبل الزيت، ويأتى هذا التوجه فى إطار خطة الحكومة لتعزيز مشاركة القطاع الخاص وزيادة جاذبية السوق للاستثمار.
وقال هاني جنينة، رئيس قطاع البحوث في شركة «الأهلي فاروس»، إن نجاح الطروحات الخاصة وتحقيقها تقييمات مرتفعة يشجع الحكومة على المضي في طروحاتها العامة، خاصة وأن للدولة هدفين رئيسيين من برنامج الطروحات.
وأوضح أن الهدف الأول هو زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وهو ما يتماشى مع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ويسهم في تحسين التقييمات الدولية للاقتصاد، بما يساعد على جذب التمويل وتشجيع الاستثمارات الأجنبية.
وأضاف أن الهدف الثاني هو تحقيق حصيلة مالية لوزارة المالية، لتخفيف أعباء الدين العام، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة الحالية.
ويرى أن أي نجاح في تقييمات الطروحات الخاصة يبعث رسائل إيجابية تدفع القطاع العام للحاق بها، رغم أن الطروحات الحكومية بطبيعتها تحتاج لوقت أطول نتيجة تعدد الموافقات المطلوبة.
وأشار إلى أن الدولة تسعى لضمان عدم وجود أي شبهة إهدار للمال العام، ما يضيف طبقات من المراجعة قبل إتمام الطرح.
وتعمل الحكومة فى الوقت الحالى على إعادة هيكلة برنامج الطروحات بما يتماشى مع المستجدات الاقتصادية وسوق المال، من خلال إعادة ترتيب أولويات الشركات المستهدفة بالطرح وفقًا لجاذبيتها للمستثمرين ومدى جاهزيتها، إلى جانب تنويع آليات التخارج بين القيد فى البورصة أو البيع لمستثمرين استراتيجيين.
كما تتجه الدولة لنقل بعض الأصول إلى صندوق مصر السيادي لإعادة هيكلتها ورفع قيمتها، فى إطار خطة تهدف إلى تحسين الحوكمة وزيادة العوائد، مع التأكيد على تسريع وتيرة التنفيذ خلال النصف الثانى من 2025.
متولي: عملية الطرح مرتبطة بجاهزية الأصول وليس بزخم السوق وحده
وذكر علي متولي، محلل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بإحدى شركات الاستشارات في لندن، أن زخم الطروحات الخاصة في الفترة الماضية يخلق حالة من النشاط والحيوية في السوق، ويرسل رسائل مهمة للحكومة بشأن وجود شهية حقيقية للاستثمار.
وأوضح أن نجاح الشركات الخاصة في تغطية الاكتتابات بأكثر من مرة، وتحقيق أحجام تداول جيدة بعد الإدراج، يعكس وجود اهتمام من المستثمرين المحليين والأجانب.
لكنه أكد أن الطروحات الحكومية لا ترتبط فقط بتوقيت السوق، بل تعتمد على عوامل أخرى منها جاهزية الأصول، والتقييمات العادلة، واستكمال الفحص النافي للجهالة، إضافة إلى المفاوضات مع مستثمرين استراتيجيين في بعض الأحيان.
وأشار إلى أن الحكومة تأخذ في اعتبارها أثر الطروحات على حصيلة العملة الصعبة، خاصة في ظل ارتباطها بخطة الإصلاح الاقتصادي وبرنامج صندوق النقد الدولي.
أوضح أن نجاح الطروحات الخاصة يشكل عامل دعم معنوي للسوق، لكن تنفيذ الطروحات الحكومية سيعتمد على توافر الأصول الجاهزة، وحاجة الدولة للسيولة الأجنبية، وظروف السوق وقت الطرح، وفي حال توافرت هذه العوامل يمكن أن نشهد تسريع وتيرة الطروحات الحكومية.
الألفي: لا توجد علاقة مباشرة بين الطروحات الخاصة والحكومية
وقال عبدالحميد إمام، رئيس قسم البحوث بشركة بايونيرز لتداول الأوراق المالية، إن الحكومة لديها بالفعل مستهدفات لطرح عدد من الشركات فى البورصة، على رأسها شركتا “صافى” و”وطنية”، بجانب شركات أخرى فى قطاعات متنوعة مثل البتروكيماويات والنقل واللوجستيات.
وأشار إلى أن هذه الطروحات تأتى ضمن اتفاقيات وشروط صندوق النقد الدولى مع مصر، والتى تستهدف تخارج الدولة من بعض القطاعات الاقتصادية سواء عبر البورصة أومن خلال بيع حصص لمستثمرين استراتيجيين.
وتوقع إمام أن يكون الاتجاه الأكبر نحو التخارج عبر البورصة، نظرًا لأن المستثمرين يفضلون امتلاك حصص فى شركات قوية وواعدة مثل هذه، مشيرا إلى أن الدولة تسعى لتعزيز الاستثمار وتشجيع مشاركة القطاع الخاص فى الاقتصاد.
إمام: البورصة الوجهة الأرجح لتخارج الدولة من الشركات الاستراتيجية
وعلى الجانب الآخر، قال عمرو الألفي، رئيس قطاع استراتيجيات الأسهم بشركة «ثاندر» لتداول الأوراق المالية، إنه لا يرى وجود علاقة مباشرة بين الطروحات الخاصة والحكومية في السوق، مشيرًا إلى أن وصف السوق الحالي بأنه يشهد زخم طروحات خاصة ليس دقيقًا، خاصة إذا تم مقارنته بأسواق مثل السعودية أو الإمارات.
وأضاف أن الطروحات الحكومية مدرجة بالفعل ضمن خطة محددة ومتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، ومن ثم فإن تنفيذها لا يرتبط بتحركات أو نجاحات الطروحات الخاصة، بل بالالتزامات والموافقات التي تلتزم بها الحكومة ضمن خطتها الاقتصادية.
أخبار متعلقة :