يُنتظر أن تقدّم قيادة الجيش اللبناني إلى الحكومة خطة متكاملة لحصر السلاح وتنظيم الوضع الأمني في الداخل، خطة تنتظرها القوى السياسية كما العواصم الكبرى. غير أنّ هذه الخطة، مهما كانت دقيقة ومحكمة على الورق، تصطدم بجدار التوافق السياسي، والأهم ألاّ تقع قيادة الجيش بالفخّ الإسرائيلي المتمثل بتحديد مهل زمنية قبل الانسحاب الإسرائيلي ووقف الأعمال العدائية اليومية.
الحديث عن المهل ليس بريئاً، وبحسب ما ألمح إليه الوفد الأميركي الذي زار لبنان، فإن إسرائيل تريد أن تدفع لبنان إلى وضع "روزنامة" زمنية قبل أن تقرّر هي الانسحاب أو الالتزام بأي أمر، أيّ أنّ لبنان، من خلال تحديد المهل، يضع نفسه في خانة الملتزم بتنفيذ الشروط بينما تبقى تل ابيب حرّة في خرق السيادة والتقدّم جنوباً وقصف القرى متى تشاء. عندها تصبح الدولة اللبنانية، والجيش تحديداً، في موقع العاجز، وكأنها أقرت بالعجز عن حماية أرضها وناسها. وهذا هو الفخ.
بحسب مصادر سياسية متابعة فإن الخطة التي يعمل عليها الجيش تُظهر وعياً لهذه اللعبة، مع ترجيح أن تكون مصمَّمة لتبقى "مفتوحة على التوقيت" بانتظار أن تتضح نيات إسرائيل، مشيرة عبر "النشرة" إلى أنه على الجيش أن يدرك أنّ تحديد المهل الآن يعني سقوط لبنان في فخّ إسرائيلي خطير، حيث يتحول النقاش من جوهر الصراع، الاحتلال والاعتداءات، إلى نقاش داخلي عقيم حول تأخّر التنفيذ، بينما العدو مستمر في تهديداته.
هنا تكمن أهمية أن تُطرح الخطة بروح وطنية ومسؤولة، على اعتبار أن الجيش ليس أداة أميركية ولا صندوق بريد للشروط الإسرائيلية، بل هو مؤسسة وطنية تسعى لفرض هيبة الدولة حيث يمكن، شرط أن تبقى الأولوية هي حماية السيادة لا إرضاء الموفدين.
تشدد المصادر على أن الموفد الأميركي الذي جال في بيروت مؤخراً لم يحمل وصفة حل، بل جاء محمّلاً برسائل ضغط. الخطاب الأميركي العلني يتحدّث عن "دعم الاستقرار" و"تعزيز دور الدولة"، لكن الرسائل الحقيقية تُختصر بجملة "اضبطوا السلاح، وإلا فالخنق الاقتصادي والسياسي سيبقى مستمرا".
لكن المشكلة أن واشنطن لا تكلّف نفسها حتى محاولة الضغط على إسرائيل للانسحاب أو لوقف الاعتداءات اليومية، بل تنقل إلى بيروت جدول أعمال تل أبيب بالحرف، أي نزع أوراق القوة من يد لبنان، ثم التفاوض من موقع ضعف.
ما ينتظر بيروت في المرحلة المقبلة ليس تفاهماً سهلاً ولا انسحاباً سريعاً. إسرائيل تعلن بوضوح أنها غير مستعدة للتراجع، والأميركي يواكب هذا الموقف بتغطية سياسية ودبلوماسية. أيّ خطة لبنانية، من الجيش أو الحكومة، ستبقى معلّقة في الهواء ما لم يُكسر هذا الجدار، وترى المصادر أنه إذا حُصِر النقاش في "المهل" سيجد لبنان نفسه مكشوفاً أمام المجتمع الدولي وكأن المشكلة داخليّة، أما إذا تمسّك الجيش والحكومة بربط أي تنفيذ بانسحاب إسرائيل ووقف العدوان، فحينها يتحول الضغط على العدو لا على الدولة اللبنانية.
لبنان اليوم على خط النار، فالأميركي يضغط بعصا العقوبات والإغراءات الشكليّة، الإسرائيلي يهدّد ويبتزّ بالاعتداءات اليومية، والجيش يُطالَب بخطة تضعه في قلب الاشتباك السياسي الأمني، لذلك فالخيار بالنسبة للمصادر واضح، إمّا خطة وطنية تحمي لبنان من الوقوع في الفخ الإسرائيلي، وإمّا خطة مفصّلة على قياس "الروزنامة الأميركية" تقود البلد إلى الانهيار السياسي والأمني.
0 تعليق