جدد إعلان شركة مدينة مصر، عن ارتفاع التعاقدات الملغاة خلال النصف الأول من 2025، الجدل حول مدى تأثير الإلغاءات على أداء شركات التطوير العقاري، خاصة في ظل تباين تقييمات المحللين ما بين اعتبارها مؤشرًا سلبيًا أو وضعها في إطار المعدلات الطبيعية.
وكشفت القوائم المالية لمدينة مصر، ارتفاع نسب إلغاء التعاقدات خلال النصف الأول من العام الحالي لتسجل 1.3 مليار جنيه، مقارنة بـ 188 مليون جنيه خلال الفترة نفسها من 2024.
من جانبه قال عبدالله سلام، العضو المنتدب للشركة، إن 40% من حالات الإلغاء تعود إلى تعديلات في التعاقدات وليست تخارجًا فعليًا، بينما النسبة الباقية تخص عملاء متعثرين، مشيرًا إلى أن الشركة شكلت لجنة لبحث هذه الحالات وإيجاد حلول سريعة لتجنب تراكم الديون أو الوصول إلى إجراءات قانونية.
وأضاف أن الإقبال القياسي على شراء العقارات خلال الربعين الأخيرين من 2023 والأول من 2024 بدافع التحوط من تقلبات سعر الصرف، دفع بعض العملاء إلى شراء أكثر من وحدة بما يفوق قدراتهم المالية، وهو ما انعكس على نسب التعثر مؤخرًا.
ولفت إلي أن الوحدات المستردة لا تمثل مؤشرًا سلبيًا، بل يعاد طرحها بالسعر السوقي الأعلى، ما يعزز أرباح الشركات المطورة، موضحا أن العملاء لا يزالون قادرين على سداد الأقساط بانتظام، ولا يتم إلغاء أي تعاقد إلا بعد مرور ثلاثة أشهر من التأخير في السداد، مع إخطار العميل قبل اتخاذ أي إجراءات.
وعلى العكس من رؤية العضو المنتدب للشركة، التي اعتبرت أن جانبًا كبيرًا من الإلغاءات مجرد تعديلات تعاقدية أو فرص لإعادة البيع بأسعار أعلى، يرى محللون أن الإلغاءات تظل في جوهرها إشارة سلبية تعكس ضغوطًا مالية على العملاء وعدم قدرتهم على الاستمرار في السداد، ما قد يثير مخاوف بشأن استدامة الطلب الحقيقي في السوق.
شفيع: نسب الإلغاءات تظل مؤشرًا سلبيًا رغم تراجعها عن المعدلات الطبيعية
قال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، إن نسب الإلغاءات في تعاقدات شركات التطوير العقاري تمثل دائمًا مؤشرًا سلبيًا، إذ تعكس في الغالب عدم قدرة العملاء على استكمال الأقساط، إلا في حالات محدودة تتعلق بتغيير الوحدات أو إجراء عمليات “up-grade” أو “down-grade”.
وأوضح أن شركة مدينة مصر ذكرت في إفصاحها الأخير أن نسبة الإلغاءات بلغت نحو 6 ـ 7%، وهي أقل من المعدلات الطبيعية التي تقترب من 10-12%، إلا أن تلك النسبة تظل مؤثرة بالنظر إلى حجمها.
وأضاف أن جدوى تفسير الإلغاءات على أنها مرتبطة بتغيير الوحدات “محل شك”، إذ إن أي عملية تطوير للوحدة تستوجب توقيع عقد جديد يحل محل العقد الملغى، ما يستدعي وضوحًا أكبر في الإفصاحات.
وأكد شفيع أن نتائج أعمال مدينة مصر في النصف الأول من العام الحالي لم تكن ضمن الأفضل بالقطاع، مقارنة بشركات مثل أوراسكوم للتنمية، وطلعت مصطفى، وإعمار مصر، والتي حققت أداءً ماليًا أقوى.
وأشار إلى أن الشركات الكبرى مثل إعمار وبالم هيلز وأوراسكوم للتنمية، تستهدف شرائح عملاء مختلفة عن الشركات التي تركز على الفئة المتوسطة مثل مدينة مصر، وهو ما يقلل احتمالية تعرضها لإلغاءات واسعة، خاصة أن جزءًا كبيرًا من عملائها من العرب والأجانب والمصريين العاملين بالخارج.
ولفت شفيع، إلى أن بعض المطورين الكبار يعملون على تنويع محافظهم العقارية من خلال التوسع في أسواق خارجية مثل السعودية والإمارات، بهدف تقليل الاعتماد على السوق المحلية والحفاظ على تدفقات بالعملة الأجنبية.
وأكد أن احتمالية تعرض الشركات العقارية الكبرى لمشاكل في المبيعات أو زيادة الإلغاءات قد تكون واردة، لكنها غير مرجحة على المدى القصير، بينما يظل التأثير الأكبر قائمًا لدى الشركات التي تخاطب الفئات المتوسطة داخل السوق المحلي.
وكانت نتائج أعمال الشركات العقارية ،شهدت تحسنًا خلال الفترة الأخيرة في أدائها التشغيلي، إذ قفزت أرباح أوراسكوم للتنمية بنحو 233% لتسجل 3 مليارات جنيه خلال النصف الأول، بينما ارتفعت إيراداتها بنحو 12.7% بعد أن سجلت إجمالي إيرادات 11.5 مليار جنيه بنهاية يونيو الماضي.
وحققت طلعت مصطفى هي الأخرى نموًا في الأرباح بنسبة 68.75% لتصل إلى 8.1 مليار جنيه، فيما بلغت إيراداتها حوالي 24.4 مليار جنيه بارتفاع 43.5% عن الفترة المقارنة من العام السابق.
كما ارتفعت أرباح “بالم هيلز” خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي بنسبة 44.4% فيما ارتفعت إيراداتها بنحو 43% لتسجل أرباحا بقيمة 2.6 مليار جنيه، من إجمالي إيرادات 15.6 مليار جنيه.
لكن أرباح مدينة مصر تراجعت بنهاية النصف الأول من 2025 لتسجل 1.3 مليار جنيه، مقارنة بحوالي 1.5 مليار جنيه الفترة نفسها من العام الماضي، فيما ارتفعت إيراداتها بحوالي 6.7% لتصل إلى 4.8 مليار جنيه، مقابل 4.5 مليار جنيه بالفترة المقابلة.
ورغم الانتقادات المتعلقة بارتفاع قيمة الإلغاءات، إلا أن أداء شركة مدينة مصر لا يمكن اعتباره ضعيفًا بالكامل، إذ ما زالت الشركة تمتلك محفظة مشروعات متنوعة وشراكات استراتيجية توفر لها فرص نمو جيدة.
كما أن مستويات الإلغاءات المعلنة لا تزال ضمن الحدود الطبيعية مقارنة بمتوسطات السوق، ما يمنحها مساحة للحفاظ على استقرار نسبي في المبيعات، خاصة مع خططها للتوسع الخارجي والدخول في قطاعات جديدة مثل الضيافة.
الدجوي: مستوى مطمئن ولا يشكل خطورة على الأداء التشغيلي للشركة
قال علي الدجوي، محلل عقارات بشركة أسطول لتداول الأوراق المالية، إن متوسط معدلات الإلغاءات في السوق العقاري المصري غير مُعلن بشكل رسمي، إلا أن شركة مدينة مصر حددت مستهدفاً يتراوح بين 10 و12%، فيما سجلت النسبة المعلنة مؤخراً نحو 6% فقط، وهو مستوى مطمئن ولا يشكل خطورة على الأداء التشغيلي للشركة.
وأضاف أن محافظة الشركة على المستويات الحالية، أو حتى وصولها إلى الحد الأعلى من المتوسط المستهدف، سيظل أمراً مقبولاً في ظل امتلاكها محفظة متنوعة من المشروعات، أبرزها “تلال” و”بترفلاي”، بالإضافة إلى مشروعات الشراكة مع مصر الجديدة وميدار.
وأشار الدجوي إلى أن خطط التوسع الخارجي للشركة في أسواق مثل السعودية، تمنحها فرص نمو إضافية، لافتاً إلى أهمية التركيز على قطاع الضيافة خلال المرحلة المقبلة، في ظل الدعم الحكومي الموجه لهذا القطاع، بما يتماشى مع استراتيجية الدولة لاستقطاب 30 مليون سائح بحلول عام 2028.
أضاف أن نسبة إلغاء التعاقدات خلال النصف الأول من 2025 لم تتجاوز 6%، وهي نسبة أقل من المتوسط الطبيعي الذي يتراوح بين 10 و12% سنويًا.
وتوقع الدجوي، أن يستمر البنك المركزي في اتباع سياسة تيسيرية خلال الفترة المقبلة، مع إمكانية خفض أسعار الفائدة إلى نحو 17% خلال العام المقبل، على أن تتراجع تدريجيًا إلى حدود 10% خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو ما من شأنه تقليل الأعباء التمويلية على المطورين العقاريين، ويحد من الزيادات الكبيرة في أسعار الوحدات مقارنة بالسنوات السابقة.
ولفت إلى أن الحكومة تسعى لتعزيز تحويلات المصريين العاملين بالخارج عبر توفير منصات مخصصة لتوجيه أموالهم إلى الاستثمار في العقارات، بما يعزز الطلب طويل الأجل على هذا القطاع، ويمثل عنصر دعم للاقتصاد والمطور والمشتري معًا.
ولفت إلى أن عدداً من الشركات العقارية بدأ بالفعل طرح خطط سداد أطول تتجاوز 12 و14 عامًا، فيما قدمت «بالم هيلز» أنظمة تمتد حتى 25 عامًا، وهو ما انعكس في تصدرها مبيعات السوق خلال الربع الأول من العام الحالي وحلولها في المركز الثاني خلال النصف الأول.
0 تعليق