الهند في مرمى نيران حرب ترامب التجارية

sky news arabia 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الهند في مرمى نيران حرب ترامب التجارية, اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 06:48 صباحاً

صفعة اقتصادية مؤلمة تلقّتها نيودلهي مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب مضاعفة الرسوم الجمركية على الواردات الهندية إلى 50%، بذريعة شراء الهند للنفط الروسي ورفضها فتح أسواقها أمام المنتجات الزراعية الأميركية. القرار جاء في وقت بالغ الحساسية بالنسبة لخامس أكبر اقتصاد في العالم، إذ يهدد بتقليص النمو الهندي بـ1 بالمئة، أي ما يعادل خسارة 40 مليار دولار، ويضع خطط نيودلهي للنمو البالغة 6% على المحك.

هذه المناورة الأميركية لا تبدو مجرد خلاف تجاري، بل جزءاً من صراع جيوسياسي أوسع يرسم ملامح النظام الاقتصادي العالمي الجديد.

التبادل التجاري بين واشنطن ونيودلهي

الهند والولايات المتحدة ترتبطان بعلاقات تجارية متنامية، فقد بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما أكثر من 200 مليار دولار سنوياً. الأرقام تكشف حجم المصالح المتبادلة:

  • 129 مليار دولار قيمة التبادل في السلع لعام 2024.
  • 42 مليار دولار صادرات الولايات المتحدة إلى الهند.
  • 87 مليار دولار صادرات الهند إلى الولايات المتحدة.
  • 37 مليار دولار عجز تجاري أميركي مع نيودلهي.

ويكشف تفصيل السلع المتبادلة عن طبيعة الترابط الاقتصادي:

هذه الأرقام توضح أن العلاقة بين الطرفين لا تقوم على فائض مصلحة لطرف واحد، بل على شبكة معقدة من التداخلات التي تجعل من أي إجراء أحادي الجانب سلاحاً ذا حدين.

ترامب والرسوم كسلاح سياسي

لم يكن قرار البيت الأبيض برفع الرسوم الجمركية على السلع الهندية مجرد خطوة تقنية، بل انعكاساً لاستراتيجية أميركية ترى في التجارة وسيلة ضغط سياسي. البروفيسور ديبانشو موهان، أستاذ الاقتصاد وعميد جامعة "أو بي جيندال العالمية"، أشار  خلال حديثه الى برنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية إلى أن: "الإدارة الأميركية برئاسة ترامب اعتادت استخدام الرسوم الجمركية كحافز سياسي، سواء مع الصين أو الاتحاد الأوروبي أو حتى مع الحلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية. والهند لم تكن استثناءً."

وأوضح موهان أن المفاوضات التجارية بين البلدين شهدت زخماً خلال الأشهر الماضية، وكانت هناك فرص لاتفاق واقعي، لكن الخلافات حول فتح الأسواق الزراعية وتعامل نيودلهي مع النفط الروسي فجّرت الأزمة.

في خلفية القرار الأميركي تقف معادلة أوسع: واشنطن ترى أن الهند يجب أن تكون شريكاً اقتصادياً مفتوحاً، فيما تتمسك نيودلهي بحماية قطاعاتها المحلية الحساسة، خصوصاً الزراعة التي تشكّل مصدر دخل لملايين المزارعين.

الاقتصاد الهندي تحت الضغط

رفع الرسوم إلى 50 بالمئة يعني أن صادرات رئيسية مثل النسيج والمجوهرات والجلود ستتكبد خسائر مباشرة. وعلى الرغم من أن قطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات والأدوية (بقيمة 62 مليار دولار) ما تزال مستثناة، فإن التهديد يلوح بإمكانية إدراجها لاحقاً ضمن الإجراءات إذا لم تتحسن قنوات التواصل.

الأثر لم يقتصر على التجارة فحسب، بل وصل سريعاً إلى أسواق المال والعملات. العملة المحلية، الروبية الهندية، أظهرت ضعفاً ملحوظاً في الأسابيع الأخيرة نتيجة قلق المستثمرين من تداعيات القرار. ويشير موهان إلى أن:

"الهند تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الأميركية. وقد شهدنا بالفعل تراجعاً في قيمة الروبية وتذبذباً في أسواق الصرف، ما يعكس هشاشة المناخ الاستثماري."

تقديرات الخبراء تشير إلى أن الأثر المباشر على النمو قد يصل إلى 0.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم أن الهند لا تزال تسعى لتحقيق نمو بنسبة 6%، فإن أي تباطؤ يعني ضغوطاً إضافية على سوق العمل والاستثمارات الأجنبية.

مناورة نيودلهي: خفض ضرائب وفتح أبواب للصين

رد الهند لم يتأخر. داخلياً، سارعت الحكومة إلى خفض الضرائب على السلع الاستهلاكية الضرورية لتعزيز الاستهلاك المحلي وتحفيز النشاط الاقتصادي الداخلي. هذه الخطوة تعكس إدراك نيودلهي بأن الاعتماد على الصادرات وحده قد يجعل الاقتصاد أكثر عرضة للهزات الخارجية.

خارجياً، اتجهت الهند إلى مسارات جديدة، حيث أعادت فتح قنوات التعاون الاقتصادي مع الصين بعد سنوات من التوتر السياسي والحدودي. ورغم الحساسيات التاريخية بين البلدين، فإن المصلحة الاقتصادية دفعت نيودلهي إلى التفكير ببراغماتية أكبر، خصوصاً أن الأسواق الصينية تمثل بديلاً ضخماً يمكن أن يخفف آثار العزلة الأميركية.

قطاعات رابحة وخاسرة

الرسوم الأميركية أصابت قطاعات محددة في قلب الاقتصاد الهندي. النسيج والمجوهرات والجلود تعد من أبرز المتضررين، كونها تعتمد على السوق الأميركية كمصدر رئيسي للإيرادات. في المقابل، احتفظت قطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات والأدوية بهامش أمان، كونها مستثناة مؤقتاً من الإجراءات الأميركية.

هذه المفارقة تبرز معضلة الاقتصاد الهندي: قطاعات تقليدية تواجه خطر التراجع، في حين تنمو القطاعات الحديثة المرتبطة بالابتكار والمعرفة. لكن المخاطر تظل قائمة، إذ يمكن أن تشمل جولات لاحقة من الرسوم قطاعات التكنولوجيا والأدوية، ما يعني أن هامش الأمان قد لا يستمر طويلاً.

انعكاسات جيوسياسية

الأزمة الراهنة تضع الهند أمام تحديات استراتيجية أبعد من الاقتصاد. مع تصاعد الضغوط الأميركية، تجد نيودلهي نفسها مضطرة لتعزيز شراكاتها مع روسيا والصين، وهو ما قد يغير من توازن القوى الإقليمي والدولي.

"الهند ليست في موقع يسمح لها بالاعتماد الكلي على دولة واحدة. لذلك ستواصل تنويع علاقاتها التجارية عبر البريكس والاتحاد الأوروبي واليابان"، يقول موهان.

هذا التوجه ينسجم مع مساعي الهند لتعزيز موقعها ضمن تحالف البريكس، الذي يشكل منصة لتعددية اقتصادية خارج النفوذ الأميركي.

النظام التجاري العالمي على أعتاب تحول

قرار واشنطن يعكس توجهاً أوسع لاستخدام الرسوم الجمركية كأداة سياسية، ما يسرّع عملية إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي. دول مثل فيتنام وتايلاند والصين، الأكثر انكشافاً على الأسواق الأميركية، تواجه معضلات مشابهة. أما الهند، فهي في موقع حساس: اقتصاد ضخم ومغري للمستثمرين، لكنه معرض للانعزال إذا لم ينجح في إيجاد توازن جديد.

الآثار لن تقتصر على الهند وحدها، بل قد تطال سلاسل التوريد العالمية، حيث تبدأ الشركات في إعادة توزيع إنتاجها وبناء شراكات بديلة. هذا يعزز فكرة أن العالم يتجه نحو نظام تجاري متعدد الأقطاب، تُستبدل فيه الاتفاقيات الثنائية الضيقة بشبكات أوسع من التفاهمات الإقليمية والعالمية.

الهند اليوم في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، ليس فقط على مستوى الرسوم الجمركية، بل على صعيد استراتيجيات النفوذ الاقتصادي والسياسي. خسارة محتملة بقيمة 40 مليار دولار تهدد الاقتصاد الهندي، فيما تُختبر قدرة نيودلهي على التكيف عبر أدوات داخلية وخارجية.

في الوقت الذي يستخدم فيه ترامب التجارة كسلاح سياسي، تسعى الهند لتفادي العزلة عبر تنويع شراكاتها والانخراط في تكتلات بديلة مثل البريكس. ومع أن مقومات الصمود متوفرة، فإن الطريق نحو تحقيق النمو المستهدف يزداد وعورة.

يبقى السؤال مفتوحاً: هل تستطيع نيودلهي تحويل التحدي إلى فرصة لإعادة هيكلة اقتصادها وتعزيز مكانتها في النظام التجاري العالمي، أم أن الرسوم الأميركية ستكون بداية مرحلة من الانكماش والانعزال يصعب الخروج منها؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق