الشرع بين هدنة الجولان وتحديات لبنان.. معادلة جوار جديدة؟

sky news arabia 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشرع بين هدنة الجولان وتحديات لبنان.. معادلة جوار جديدة؟, اليوم الاثنين 25 أغسطس 2025 02:48 مساءً

في مشهد بدا لافتا للمراقبين، خرج الرئيس السوري أحمد الشرع بسلسلة تصريحات حملت بين طياتها ملامح سياسة خارجية مختلفة، تقوم على محاولة رسم خريطة جديدة لعلاقات دمشق مع دول الجوار.

اللقاء الذي جمعه بوفد إعلامي عربي – حضرت فيه سكاي نيوز عربية كمحطة إخبارية عربية وحيدة في اللقاء – شكل مساحة لإطلاق رسائل ثلاثية الأبعاد: تفاوض أمني مع إسرائيل على أساس خط هدنة 1974، تجاوز الماضي مع لبنان، والانفتاح على شراكات اقتصادية مع العراق ودول عربية وغربية.

الشرع تحدث بلغة لا تخلو من الواقعية السياسية، إذ بدت مقاربته أقرب إلى إعادة التموضع في بيئة إقليمية مضطربة، ومحاولة لطي صفحة عقود من العزلة والصراع، والانتقال إلى مرحلة جديدة تحكمها المصالح الاقتصادية والاستقرار الأمني. لكن ما الذي تحمله هذه الرسائل فعلاً؟ وكيف تلقاها المحللون في دمشق وبيروت؟.

ملف الجولان.. استدعاء خط الهدنة

أولى الرسائل جاءت متصلة بإسرائيل. فقد أكد الرئيس الشرع أن سوريا تتفاوض مع تل أبيب بشأن التوصل إلى اتفاق أمني يقوم على خط وقف إطلاق النار لعام 1974، ذلك الخط الذي رسم ملامح الجولان منذ حرب أكتوبر، وظل لعقود بمثابة الضمانة الأمنية التي جنّبت المنطقة مواجهات مباشرة واسعة.
إشارة الشرع إلى هذا الخط ليست تفصيلًا تقنيًا، بل تحمل في مضمونها موقفًا استراتيجيًا: التمسك بالمرجعية الدولية كمدخل للاستقرار. فدمشق، وهي تدرك تعقيدات حضور إيران وحزب الله في الجنوب السوري، تسعى لإظهار نفسها طرفا مسؤولا، يحافظ على التوازن الأمني ويمنع الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل.

لكن هذه الخطوة تثير تساؤلات حرجة: هل يمكن لاتفاق أمني أن يصمد في ظل انتشار قوى غير نظامية في الأراضي السورية؟ وهل لدى إسرائيل استعداد للتعامل مع دمشق على أساس هذه المعادلة بينما تُبقي عينها مفتوحة على النفوذ الإيراني؟

لبنان: من جراح الماضي إلى شراكة محتملة

في المحور اللبناني، بدا خطاب الشرع أكثر وضوحا وصراحة. فقد شدد على أن سوريا “تنازلت عن الجراح التي سبّبها حزب الله” خلال سنوات الحرب، مؤكدًا أن المستقبل يجب أن يقوم على كتابة تاريخ جديد للعلاقات السورية – اللبنانية.

الموقف بحد ذاته يحمل ثلاث رسائل:

أولا: رسالة مصالحة للشعب اللبناني، فدمشق لا تريد أن تبقى رهينة ذاكرة تدخلاتها السابقة في لبنان.

ثانيا: فصل بين لبنان وحزب الله، إذ أكد الشرع أن لبنان ليس حزب الله وحده، بل بلد متكامل بشعبه وتاريخه.

ثالثا: دعوة إلى شراكة اقتصادية: تجاوز الاعتبارات السياسية لبناء علاقة قائمة على التكامل في مشاريع إعادة الإعمار والتبادل التجاري.

من جهته قرأ أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور ياسر النجار خلال حديثه إلى الظهيرة على سكاي نيوز عربية هذه الرسائل على أنها مخاطبة مباشرة للشعب اللبناني.

واعتبر أن الشرع قدّم مقاربة جديدة لا تُبقي العلاقات أسيرة تدخلات الماضي أو دور حزب الله في الحرب السورية.

النجار أكد أن المرحلة المقبلة يجب أن تقوم على إقليم آمن، تتحكم فيه الدول وحدها بالسلاح، بما يمنع أي ميليشيا من تهديد الاستقرار على الحدود المشتركة.

ورأى أن الاستقرار في لبنان ينعكس مباشرة على الاستقرار في سوريا، وأن إعادة الإعمار تفتح المجال لشراكات اقتصادية يحتاجها الطرفان.

من بيروت، التقط الكاتب والباحث السياسي أحمد عياش إشارات الشرع واعتبرها مفاجأة إيجابية أحدثت صدى واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية. وقال: “المعادلة التي رسمها الرئيس الشرع تقوم على تجاوز الجروح وتفادي الثأر أو تصفية الحسابات. سوريا لن تتعامل مع لبنان كما فعل النظام السابق حين استثمر في الانقسامات المذهبية”.

عياش شدد على أن خطاب دمشق هذه المرة لم يكن بروتوكوليا، بل عمليا، إذ فتح الباب أمام خطوات ملموسة، من بينها زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السوري إلى بيروت، وفتح ملف المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية.

واعتبر أن هذه المؤشرات تمهد لمرحلة جديدة من العلاقة: “كلام دمشق نزل بردا وسلاما على بيروت، لأنه لأول مرة يطرح مستقبل العلاقة من زاوية اقتصادية لا أيديولوجية. العالم اليوم يبنيه الاقتصاد لا الحروب”.

الاقتصاد كجسر العبور

اللافت في خطاب الشرع أنه لم يكتف بالسياسة والأمن، بل ركز بشكل خاص على الاقتصاد. تحدث عن التكامل الاقتصادي مع لبنان والعراق، وعن أهمية فتح الأفق أمام الاستثمارات وإعادة الإعمار.

أحمد عياش التقط هذا البعد، وقال إن الشرع يمتلك رؤية اقتصادية “لم يمتلكها أحد في النظام السابق”، مشيرا إلى أن لبنان وسوريا في مركب واحد اقتصاديا، وأن المطلوب هو تفعيل تبادل المنافع في التجارة والسياحة والإنتاج، بدل أن تتحول الحدود إلى مصدر تهريب للسلاح والمخدرات.

الاقتصاد هنا لا يظهر كعنصر مساعد فحسب، بل كـمدخل رئيسي لبناء الثقة السياسية. فالطرفان يعيشان أزمات خانقة، ولا يملكان ترف إضاعة الوقت في خلافات أيديولوجية.

الأمن والسيادة.. معادلة مشتركة

في قراءتي الضيفين النجار وعياش، تتبلور فكرة أساسية: السيادة والأمن الاقتصادي هما أساس أي علاقة جديدة.

• النجار شدد على أن أي مصالحة لن تصمد ما لم يتم ضبط السلاح خارج الدولة، سواء في لبنان أو سوريا.

• عياش أكد أن أي استقرار لن يتحقق إذا بقيت الحدود مسرحًا للتهريب والمواجهات، وأن الحل يبدأ بتعاون اقتصادي منتج.

بين الوعد والامتحان

مثلت تصريحات الرئيس أحمد الشرع بلا شك انعطافة في خطاب دمشق تجاه الجوار. فهي تجمع بين استدعاء هدنة قديمة مع إسرائيل، ومصالحة جريئة مع لبنان، وانفتاح على أفق اقتصادي أوسع. لكن النجاح في هذه المعادلة مرهون بقدرة دمشق وبيروت على تجاوز إرث الماضي، وترجمة الرسائل إلى سياسات واقعية. فالكلمات قد تبعث الأمل، لكن الاختبار الحقيقي يكمن في الأفعال.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق