نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
دعوات لحل تنظيم الإخوان في سوريا.. هل تلجأ دمشق إلى حظره؟, اليوم الاثنين 25 أغسطس 2025 12:44 مساءً
أحد أبرز هذه الملفات وأكثرها حساسية هو ملف تنظيم الإخوان، الذي لطالما شكّل في الذاكرة السورية عنوانًا للصراع، وأداة لتجاذبات إقليمية ودولية، ورمزًا لتحدي الدولة الوطنية عبر الأيديولوجيات العابرة للحدود.
اليوم، ومع تعالي أصوات تدعو إلى حل التنظيم أو حظره بشكل كامل، يظهر سؤال جوهري: هل تتجه دمشق الجديدة إلى القطع النهائي مع الجماعة، أم أنها ستسمح بوجودها في إطار محدود؟ وهل يقبل الإخوان أنفسهم بهذا الخيار أم أنهم يفضلون البقاء على نهج المناورة والازدواجية التنظيمية التي عُرفوا بها لعقود؟
دعوة موفق زيدان: "الحل" كمدخل لبناء الدولة
آخر الدعوات العلنية جاءت من موفق زيدان، المستشار الإعلامي للرئيس السوري أحمد الشرع، الذي طالب بوضوح بحل تنظيم الإخوان على غرار الفصائل العسكرية والسياسية التي حُلّت خلال المرحلة الانتقالية.
زيدان اعتبر أن خطوة كهذه ليست مجرد تصفية حسابات سياسية، بل هي خيار استراتيجي يصب في مصلحة الدولة السورية الوليدة، التي تسعى إلى الانطلاق بعيدًا عن كل الهياكل التي شكلت تهديدًا لوحدة البلاد واستقرارها.
رسالة زيدان تتجاوز البعد الإجرائي إلى بعد رمزي وسياسي أعمق: فالدولة الناشئة لا يمكن أن تسمح بوجود كيان يحمل في بنيته مشروعًا موازيًا، خصوصًا أن تجارب الدول الأخرى مع الإخوان انتهت دائمًا إلى مواجهة مفتوحة أو صدام مدمر.
الإخوان "تنظيم موازي" أينما حل
الخبير في شؤون الجماعات المتشددة أحمد بان، قدّم قراءة معمقة خلال حديثه إلى سكاي نيوز عربية، مؤكدًا أن جوهر المشكلة مع الإخوان يكمن في طبيعتهم البنيوية: فهم لا يعرفون إلا أن يكونوا "تنظيمًا موازيا" ينازع الدولة أدوارها.
روى بان، أنه في نقاشات جمعته بدبلوماسيين أتراك منذ عقد من الزمن، قالوا إنهم يعادون حركة فتح الله غولن لأنها "كيان موازٍ للدولة"، فردّ عليهم قائلاً: "نحن في مصر أيضا نرى أن الإخوان تنظيم موازٍ للدولة. فكيف تنكرون على غولن ما تسمحون به للإخوان؟" ليخلص إلى أن كل دولة تحترم نفسها لا يمكن أن تقبل بمثل هذا الازدواج.
ويضيف بان بلهجة حاسمة: "كل محاولة للجمع بين الدعوة والسياسة، بين الدين والدولة، انتهت إلى نهاية مؤسفة في كل التجارب التي مر بها التنظيم".
تنظيم خارج الزمن
وصف بان الإخوان بأنهم باتوا كـ"ديناصور غير قابل للحياة"، لأنهم خاصموا الواقع طويلا. ففي التجربة السورية تحديدا، يشير بان إلى أن 5 عقود من الغياب غيرت البنى الفكرية والسياسية والاجتماعية، بينما ظل التنظيم حبيس سرديات قديمة، ما جعله منافياً للواقع الجديد.
هذا الجمود، بحسب بان، جعل الإخوان في سوريا يمثلون خطرا مضاعفا: خطر على الدولة الناشئة، وخطر على فكرة التعددية نفسها، لأنهم لا يقبلون المشاركة إلا من موقع الهيمنة التنظيمية.
رسائل دمشق: قبول دعوي ورفض سياسي
الإدارة السورية الجديدة حاولت أن تبعث برسائل مزدوجة للتنظيم. فمن جهة، عيّنت شخصية ذات خلفية إخوانية كمفتي للدولة، في إشارة إلى أنها لا تمانع في دور دعوي محدود للجماعة. لكنها من جهة أخرى، وجّهت إشارة أوضح: لا مكان لتنظيم سياسي أو كيان موازٍ داخل سوريا الجديدة.
غير أن الإخوان، وفق تحليل بان، لم يلتقطوا هذه الرسائل، أو أنهم تعمّدوا تجاهلها. ظلوا متمسكين بفكرة التنظيم كـ"خط أحمر"، وهو ما يضعهم في مسار تصادمي مع الدولة التي نجحت حتى الآن في تفكيك كل البنى الموازية الأخرى.
دروس التجارب العربية: الفشل في مصر والسودان
التجربة المصرية تمثل بالنسبة إلى بان المثال الأبرز. فحين وصل الإخوان إلى الحكم عام 2012، لم يحلوا التنظيم، بل أبقوا عليه كجهاز يمارس وصاية على الدولة، الأمر الذي سرّع من سقوطهم في مواجهة الدولة والمجتمع.
في السودان، تكرر المشهد: هيمنة إخوانية على مؤسسات الحكم أدت إلى تفكك الدولة وتآكل شرعيتها.
وبالنسبة لدمشق، فإن هذه التجارب تشكل إنذارا مبكرا. فالإدارة السورية تدرك أن السماح للإخوان بالعمل كتنظيم مغلق يعني فتح الباب على مصير مشابه، وهو ما لا يمكن القبول به في مرحلة إعادة التأسيس.
النموذج التركي والمغربي: بديل مطروح
في المقابل، هناك تجارب أخرى قد تشكل مخرجًا. بان يلفت إلى النموذجين التركي والمغربي، حيث نجحت حركات ذات جذور إسلامية في التحول إلى تيارات سياسية وطنية، مندمجة في الدولة، دون التشبث بالهوية "الإخوانية" القديمة.
في تركيا، قاد حزب العدالة والتنمية تجربة استمرت أكثر من عقدين، بينما في المغرب، تحولت حركة التوحيد والإصلاح إلى فاعل سياسي طبيعي داخل النظام. هذه النماذج – كما يؤكد بان – هي ما يدعو موفق زيدان الإخوان في سوريا إلى استلهامها، إذا أرادوا البقاء.
مأزق الهوية والسردية: سقوط "المظلومية"
الإخوان اعتمدوا لعقود على خطاب "المظلومية" لجذب الحواضن الشعبية. لكن هذه السردية فقدت بريقها بعد أن كشفت تجارب الحكم في مصر والسودان أن وعود "السمن والعسل" لم تكن سوى شعارات.
بان يقول بوضوح: "هذه الحركة استكملت أطوار حياتها، وتعيش اليوم سكرات الموت، نحن نتحدث عن نهايات وليس عن بدايات جديدة".
بهذا المعنى، لم يعد الصراع بين الدولة السورية والإخوان صراعا سياسيا فحسب، بل أصبح صراعا على البقاء: الدولة في طور التشكل، والتنظيم في طور الانقراض.
احتمالات المواجهة: الحظر أم المناورة؟
أمام دمشق خيارات محدودة: الحظر الكامل، أو قبول المناورة التنظيمية. لكن الخيار الأول يبدو أكثر انسجامًا مع مسار الدولة الجديدة التي لا تسمح بكيانات موازية.
الإخوان، بطبيعتهم، لن يحلوا أنفسهم طوعًا. وإذا فُرض عليهم الحظر، سيعودون إلى العمل السري الذي شكّل دومًا جزءًا من بنيتهم. وهذا يعني أن المواجهة قد تنتقل من العلن إلى السر، وهو سيناريو يضع الدولة أمام تحدٍ طويل الأمد.
بين نهاية تنظيم وبداية دولة
الجدل حول الإخوان في سوريا يكشف عن صراع أوسع يتعلق بمستقبل الإسلام السياسي في المنطقة. فالتنظيم الذي مثّل لسنوات مشروعًا عابرًا للحدود، يجد نفسه اليوم في مواجهة مباشرة مع دولة ناشئة تسعى لحماية هويتها الوطنية.
تجارب مصر والسودان أثبتت أن الإخوان عاجزون عن التحول إلى قوة وطنية مندمجة، فيما أظهرت تركيا والمغرب أن التحول ممكن إذا تخلت الجماعة عن بنيتها القديمة.
تبدو دمشق مصممة على المضي في مشروعها دون السماح لكيان موازي، بينما يصر الإخوان على البقاء في صورة "العجل المقدس". وفي المسافة بين الطرفين، تتحدد ملامح معركة قد تكون فاصلة: إما نهاية فعلية للتنظيم في سوريا، أو بداية فصل جديد من المواجهة السرية، التي ستبقى تهدد استقرار المنطقة بأكملها.
0 تعليق