الأمطار تفتك بالنازحين في حجة والمجاعة تهدد حياة الآلاف (تقرير)

الموقع 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

تحت خيمة مهترئة تحمل شعار مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يجلس محمد يحيى المرزوقي، الذي فقد والده في الأمطار الغزيرة التي ضربت مديرية عبس بمحافظة حجة (شمال غرب اليمن) والمديريات المجاورة لها وخلفت أضرار مادية وبشرية كبيرة.

 

يروي محمد لـ"الموقع بوست" وهو يجلس على فرشة بالية غارقة بالماء: "كان والدي يعاني من المرض، وعندما تساقط المطر بغزارة لم نستطع حمايته، فالماء تسلل من كل الجهات، والبرد كان أقسى من احتماله. حاولنا نقله إلى أقاربنا في قرية مجاورة للمخيم لكن السيول قطعت الطرقات، ولم نجد من يساعدنا حتى فارق الحياة بين أيدينا."

 

مشهد وفاة والد محمد ليس استثناءً، بل صورة متكررة لمعاناة مئات الأسر النازحة التي وجدت نفسها محاصرة بين خيام لا تقي المطر والبرد، وأمطار موسمية غزيرة تضرب مديريات محافظة حجة منذ أيام، تاركة وراءها ضحايا مدنيين ومئات العائلات المشردة.

 

موت تحت الخيمة

 

بعد ساعات من الكفاح وسط المطر والبرد، اضطر محمد إلى دفن والده في مقبرة قريبة من مخيم "المهربة" بمساعدة جيرانه، قبل أن يعود مسرعًا إلى أمه وإخوته الذين تُركوا وحيدين في خيمة غمرتها المياه. "الآن لا نملك ما نحتمي به ونخشى أن يأتي مطر آخر ويأخذنا جميعًا"، يضيف بنبرة يغلب عليها الخوف.

 

وشهدت مديرية عبس بمحافظة حجة شمال غرب البلاد، يومي السبت والأحد أمطاراً غزيرة وسيولاً جارفة لم يسبق لها مثيل، اجتاحت المخيمات والمنازل الطينية للنازحين، مخلفة دماراً هائلاً في الممتلكات وتشريد المئات.

 

وأعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الأحد، تضرر 180 أسرة جراء الأمطار الغزيرة في محافظتي حجة والحديدة مشيرة إلى أن فرقها الميدانية تتواجد في مديرية عبس بمحافظة حجة، وكذلك في محافظة الحديدة وتعمل على تقديم مساعدات عاجلة للأسر المتضررة.

 

 

"لم يتبق لنا شيء بعد أن جرفت السيول خيمتنا وما فيها من طعام وأثاث"، يقول علي عتين وهو أب لخمسة أطفال لـ"الموقع بوست"، مضيفًا بحسرة: "أطفالي ينامون على الأرض المبتلة، ولا نملك سوى الدعاء أن ينقذنا الله من هذا البلاء".

 

ويضيف عتين بحسرة: "أطفالي باتوا يعانون من أمراض البرد والإسهالات بسبب المياه الراكدة حول المخيم، ولا نجد حتى الدواء. نحن لا نطلب الكثير، فقط مأوى يحفظ كرامتنا ويحمينا من الأمطار."

 

كابوس مستمر

 

​بصوت متهدج تقول أم صالح التي تقطن مخيم "الكوزية" بمديرية عبس: "ما عادت الأمطار تجلب الفرح كما كانت في الماضي، بل صارت بمثابة نقمة تحل علينا. بالأمس اجتاحت مياه الأمطار الغزيرة مخيمنا فهدمت الخيمة فوق رؤوسنا، وأتلفت آخر ما نملكه من طعام".

 

وتضيف أم صالح لـ"الموقع بوست"، بأن حياتهم في المخيم "أشبه بكابوس لا ينتهي"، مشيرة إلى أن الظروف الجوية القاسية ليست سوى جزء من المعاناة الأكبر. وتقول بمرارة: "حتى في الأيام التي تتوقف فيها الأمطار نواجه خطر الجوع والعطش، فكل ما كان لدينا من طعام ومياه صالحة للشرب قد دمرته السيول."

 

​وتنهي أم صالح حديثها بكلمات مؤثرة، "لا نعلم إلى متى سنظل نعيش في هذا الرعب وكأن الطبيعة قد تخلت عنا، تماماً كما تخلى العالم عن معاناتنا. كل ما نرجوه هو سقف يحمينا من قسوة الأيام."

 

وعاشت عشرات الأسر في مخيم بني الشهير شمال قرية بني عرجان غربي مديرية عبس ساعات عصيبة بعد أن حاصرتها السيول التي غمرت محيط المخيم من جهتي الشمال والجنوب، ما أدى إلى صعوبة الدخول والخروج من وإلى المخيم لساعات طويلة.

 

 

وعلى الرغم من وصول فرق الإنقاذ التابعة للهلال الأحمر والدفاع المدني إلى موقع المخيم عبر استخدام الحبال، امتنعت معظم الأسر عن الانتقال إلى المدرسة القريبة حفاظاً على مواشيها وما تبقى من ممتلكاتها وقررت البقاء بجوار المخيم في مواقع أكثر أماناً إلى حين انخفاض منسوب المياه.

 

أطفال تحت الأنقاض

 

لم تقتصر تداعيات الأمطار الغزيرة على خيام النازحين فحسب، بل امتدت إلى منازل المدنيين في القرى الجبلية بمحافظة حجة فقد أعلن مصدر في الدفاع المدني عن وفاة ثلاثة أطفال وإصابة والدهم بجروح خطيرة إثر انهيار منزلهم في قرية الخضراء – عزلة سواخ – بمديرية كعيدنة فجر السبت الماضي.

 

وقال المصدر إن المنزل انهار فوق رؤوس ساكنيه، ما أدى إلى وفاة الأطفال الثلاثة مازن يحيى عبدالله أحمد حجاجي (11 عامًا) والتوأم رغد وتغريد يحيى عبدالله أحمد حجاجي (5 أعوام) فيما أصيب والدهم يحيى عبدالله أحمد حجاجي (40 عامًا)  بجروح خطيرة في العمود الفقري نُقل على إثرها إلى المستشفى الجمهوري بحجة.

 

نازحون في العراء

 

يفيد الناشط الإنساني محمد الحجوري أن الأضرار التي خلفتها الأمطار والسيول في مديرية عبس ومناطق أخرى كشفت هشاشة أوضاع مئات الأسر النازحة التي تعيش في خيام وبيوت طينية لا تقاوم الرياح ولا تمنع تسرب المياه.

 

وقال في حديثه لـ"الموقع بوست" إن مئات الأسر باتت في العراء وفقدت ما تبقى لديها من مواد غذائية وأغطية بسبب جرف السيول، مشيرًا إلى أن المأساة تتكرر كل عام مع غياب الحلول المستدامة لإيواء النازحين في مساكن أكثر صلابة وأمانًا.

 

 

وأضاف الحجوري": "المساعدات التي تصل لا تغطي سوى جزء بسيط من الاحتياجات، ومع كل موجة أمطار جديدة تتكرر المأساة بشكل أسوء. إذا لم تكن هناك حلول أكثر استدامة كتشييد مساكن بديلة أو تحسين البنية التحتية، فإن المأساة ستظل تتكرر سنويًا".

 

لا مجيب

 

من جانبه قال صقر المطري، عضو شبكة اللجان المجتمعية للنازحين بمديرية عبس، في منشور له على فيسبوك، إن النازحين المتضررين من الأمطار والسيول في مديرية عبس بمحافظة حجة لم يتلقوا حتى الآن أي استجابة فعلية، مشيراً إلى أن ما يجري لا يتجاوز زيارات ميدانية دون تدخل طارئ ينقذ الأسر المتضررة.

 

وتساءل المطري عن أسباب غياب غرفة الطوارئ أو صندوق الطوارئ في المحافظة، داعياً إلى إشراك النازحين في إدارة شؤونهم وعدم التفرد بالقرارات، محذراً من أن استمرار تجاهل معاناتهم قد يؤدي إلى تفاقم المجاعة التي يعانون منها منذ سنوات.

 

تحذيرات متزايدة

 

وحذر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي من تفاقم المأساة في مديرية عبس وطالبوا بتأمين مساكن طارئة مقاومة للبرد والمطر، بالإضافة إلى إطلاق برامج طبية عاجلة لمواجهة أمراض تنتشر مع موسم الأمطار، كالكوليرا والالتهابات التنفسية.

 

مسؤول محلي في محافظة حجة أكد أن "السلطات المحلية تفتقر للإمكانيات اللازمة لمواجهة الكوارث المتكررة التي تضرب مخيمات النزوح"، مشيرًا إلى أن "الاحتياجات الإنسانية تفوق بكثير ما هو متاح، الأمر الذي يتطلب تدخلًا عاجلًا من المنظمات الدولية".

 

وأضاف في تصريح لـ"الموقع بوست": "رفعنا تقارير عاجلة إلى الجهات المعنية والمنظمات العاملة في المجال الإنساني، ونأمل أن يكون هناك استجابة سريعة قبل أن تتفاقم الكارثة التي قد تعرض حياة آلاف الأسر لمخاطر صحية وأمنية خطيرة خصوصًا مع انتشار الأمراض وتلوث مصادر المياه."

 

إجراءات رسمية

 

وإزاء تطورات الحالة الماطرة في حجة، وجه محافظ المحافظة في حكومة الحوثيين هلال الصوفي بتقديم كافة الخدمات والرعاية الصحية للمتضررين من الأمطار والسيول، وكلف لجنة لتقييم الأضرار في مديرية كعيدنة وتقديم الاستجابة الإنسانية اللازمة.

 

وتضمنت توجيهات الصوفي للسلطة المحلية في مديرية عبس بتوفير أرض لنقل 46 أسرة ساكنة على ضفاف الوادي في مخيم شهير معرضة للخطر وعمل المصدات اللازمة لتحويل السيل إلى مجراه الأصلي وإزالة أي استحداثات تتسبب في تحويل مجراه.

 

ووفقاً للأمم المتحدة يبلغ عدد النازحين في اليمن نحو 4.8 مليون موزعين في جميع أنحاء البلاد ويعيش الكثير منهم في ملاجئ مؤقتة لا توفر سوى القليل من الحماية من قسوة الطقس، وفرص محدودة للحصول على الخدمات الأساسية.

 

 

وتحتضن مديرية عبس بمحافظة حجة ثاني أكبر عدد من النازحين داخلياً في اليمن، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، لا سيما بعد أن لجأ إليها عشرات الآلاف من الاشخاص هرباً من النزاع في مديريتي حرض وميدي، ويواجهون مخاطر متزايدة وصعوبات يومية هائلة وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان.

 

41 ألف شخص يواجهون خطر المجاعة في عبس

 

وكشف تقرير أممي أن عشرات الآلاف من الأشخاص معظمهم من النازحين، يواجهون خطر المجاعة في مديرية عبس بمحافظة حجة، وذلك مع تراجع المساعدات جراء نقص التمويل والتغيرات المناخية التي أثرت بشكل سلبي على حياة السكان.

 

وأفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في تقرير صدر في 18آب/أغسطس الجاري أن الوضع في مديرية عبس بمحافظة حجة حرج للغاية حيث يواجه أكثر من 41 ألف شخص خطر المجاعة، نتيجة تعليق المساعدات الغذائية، والتدهور الشديد للأراضي في جميع أنحاء المديرية بسبب التغيرات المناخية.

 

 

وأشار التقرير إلى أن المديرية شاهد على المعاناة الإنسانية في اليمن، إذ يُفاقم الانخفاض الكبير في المساعدات الإنسانية الأزمة المزرية، ما يفرض على معظم الأسر اتباع استراتيجيات تكيف قاسية، منها تقليل الوجبات اليومية، والحد من تناول الغذاء، والاقتراض أو بيع ممتلكاتهم من أجل شراء الطعام.

 

ربع مليون نازح في عبس

 

وكشف التقرير أن أكثر من 220 ألف نازح في مديرية عبس، فقدوا إمكانية الحصول على إغاثة طارئة منقذة للحياة منذ آذار/مارس الماضي، نتيجة التخفيضات الحادة في التمويل، لافتاً إلى وفاة طفلة وامرأة مسنة في مخيمات النازحين نتيجة الجوع في يونيو ويوليو الماضيين.

 

وأشار التقرير إلى أن آلاف الأسر في مخيمات النزوح والتجمعات العشوائية حول المديرية تعيش حالة مستمرة من الحرمان، حيث لا تحصل على ما يكفي من الطعام أو الخدمات الأساسية، فيما ينام كثير من الأطفال دون طعام.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق