في عالم الاكتشافات العلمية المدهشة، تمكّن فريق بحث دولي من تحقيق تقدم مذهل في فهم خصائص معدن فريد يُدعى “التريديميت”. يعود تاريخ هذا المعدن إلى القرن الثامن عشر، ويُحتمل وجوده أيضًا على سطح المريخ. يتميز التريديميت بخصائص فريدة تجمع بين صفات البلورات والزجاج، حيث ينقض على القواعد التقليدية لانتقال الحرارة، محتفظًا بتوصيل حراري ثابت بغض النظر عن تغييرات درجات الحرارة.

تم نشر النتائج في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في 11 يوليو 2025، بعد جهد جماعي من ميشيل سيمونشيلي من جامعة كولومبيا، ونيكولا مارزاري من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا، وفرانشيسكو ماوري من جامعة سابينزا بروما، بالإضافة إلى فريق من جامعة السوربون في باريس.

خصائص التريديميت: سلوك حراري متميز

تسلك المواد البلورية والزجاجية سلوكًا متباينًا عند نقل الحرارة. فبينما يتناقص التوصيل الحراري في البلورات مع ارتفاع درجة الحرارة، يزداد في الزجاج. في عام 2019، أسس فريق سيمونشيلي معادلة رياضية موحدة تُظهر السلوك الحراري لكلا النوعين، بالإضافة إلى المواد الوسيطة ذات التركيب الجزئي غير المنتظم، والتي تستخدم في تطبيقات مثل خلايا الطاقة الشمسية البيروفسكايتية وطلاءات الحماية الحرارية. بحث مدعوم بالذكاء الاصطناعي كشف عن تدفق حراري ثابت، ما سيوجه تغييرًا في صناعات تتراوح من الفولاذ إلى تكنولوجيا الفضاء.

تنبؤات مؤكدة في البحث العلمي

استنادًا إلى تلك المعادلة، تنبأ الباحثون بأن تركيبًا معينًا من ثاني أكسيد السيليكون، الذي تم وصفه لأول مرة في الستينيات في عينات نيزكية، سيظهر سلوكًا حراريًا مستقرًا. حصل فريق السوربون على إذن خاص لاختبار عينة نيزك “شتاينباخ”، الذي سقط في ألمانيا عام 1724. أكدت التجارب أن التريديميت النيزكي يمتلك بنية وسطية بين البلور والزجاج، مع توصيل حراري ثابت بين 80 و380 كلفن.

التطبيقات الصناعية والبيئية للتريديميت

لا تقتصر أهمية هذا الاكتشاف على الفضاء فقط، بل يتوقع العلماء أن يتكون معدن التريديميت أيضًا نتيجة الشيخوخة الحرارية في الطوب الحراري المستخدم بأفران إنتاج الفولاذ. حيث يُعتبر إنتاج الفولاذ مسؤولًا عن حوالي 7% من انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة. لذا، فإن تطوير مواد مستوحاة من التريديميت يمكن أن يحسن من كفاءة إدارة الحرارة في هذه الصناعة، مما يساعد في تقليل بصمتها الكربونية.

الاستخدامات المستقبلية: الذكاء الاصطناعي والفيزياء الكمومية

اعتمد سيمونشيلي في أبحاثه على دمج مفاهيم ميكانيكا الكم مع تقنيات الذكاء الاصطناعي لمحاكاة خصائص المواد بدقة تفوق الطرق التقليدية. يرى الباحثون أن فهم آليات انتقال الحرارة في المواد الهجينة قد يفتح آفاقًا جديدة لتطبيقات مبتكرة، مثل الأجهزة القابلة للارتداء التي تولد الطاقة، وأنظمة الحوسبة المشابهة للدماغ، وتقنيات الإلكترونيات الدورانية التي تستفيد من الخصائص المغناطيسية لنقل المعلومات.

من خلال هذا التحليل العميق بين النظرية والتجربة، يسهم العلماء في تصميم مواد جديدة قادرة على مواجهة التحديات الصناعية في القرن الحادي والعشرين، بدءًا من تكنولوجيا الفضاء وصولًا إلى الصناعات الثقيلة.