نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رئيس الدولة يحسم في قضية المناولة: زمن الإستعباد ولّي وانتهى, اليوم الاثنين 10 مارس 2025 05:13 مساءً
نشر بوساطة فؤاد العجرودي في الشروق يوم 10 - 03 - 2025
يأتي مشروع تعديل مجلة الشغل في سياق العودة القوية للدولة الإجتماعية القائمة على المعالجة الجذرية لسائر المنظومات التي تسببت في اشتعال ما يسمى التدافع الإجتماعي.
والواضح أنه من خلال إلغاء المناولة وعقود الشغل القصيرة تستعيد الدولة دورها التحكيمي بوصفها الضامن لعلاقات شغلية تقوم على مبدأ توازن المنافع وتكرس الترابط العضوي بين استقرار الشغل وإنعاش الاستثمار وذلك في نطاق معالجة جذرية تعالج الأسباب وليس مجرد الظواهر.
والواضح أيضا أن مراجعة مجلة الشغل تتنزل في نطاق تجفيف منابع سائر القضايا التي انبثقت عن نموذج حكم تأثر بتراجع مساحة السيادة الوطنية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي وأدى بالتراكم إلى إضعاف أسس النظام الجمهوري من خلال سائر السياسات العمومية التي كرست المجتمع الإستهلاكي غير المؤطر ولاسيما المتعلقة بتفكيك القطاع العام وسلعنة الخدمات الإجتماعية وفي مقدمتها التعليم والصحة والسكن ومهدت بالتراكم إلى مرحلة الفوضى العارمة خلال عشرية الخراب التي حولت الدولة ذاتها إلى غنيمة.
وبالنتيجة فإن الحضائر المفتوحة في التعليم والصحة والسكن والنقل العمومي إلى جانب العديد من الأدوات المبتكرة مثل صندوق تأمين مواطن الشغل وصندوق حماية النساء العاملات في القطاع الفلاحي تمثل عنوانا لمرحلة جديدة تنطلق من عودة السيادة الوطنية باعتبارها ثابتة غير قابلة للمساومة تحت أي ظرف فالدولة الحرة لا تقبل أن تنتهك حقوق مواطنيها بأي شكل من الأشكال.
وعلى الصعيد العملي ستؤدي هذه السياسات الجديدة إلى تفكيك سائر الظواهر السلبية التي انبثقت عن التدافع الرهيب بين سائر مكونات المجتمع حيث أن إعادة بناء الصحة العمومية والتعليم المجاني والسكن الإجتماعي والنقل الحديدي على أسس صلبة بالتوازي مع القضاء على الكتلة النقدية الوهمية من خلال تداعيات القانون الجديد للشيكات سيؤدي حتما إلى تجفيف منابع التخضم المالي الذي سيتضح قريبا أنه مجرد وهم تسببت فيه علاقات اجتماعية فوضوية انبثقت عن استقالة الدولة عن وظائفها الحيوية ودورها التحكيمي بين سائر الفئات .
كما تؤسس هذه السياسات الجديدة لعلاقة التزام متبادل بين سائر فئات الشعب كبديل عن علاقات الاستغلال والابتزاز حيث أن سقوط رأس المال في منطق «الخبزة البادرة» وسائر أشكال التربح من عرق العامل وأموال الدولة هي إفرازات لوضع غير طبيعي تأثر بضعف الدول التحكيمي للدولة وعدم وضوح خطوط التماس بين القطاعين العام والخاص.
والواضح في هذا الصدد أن طرح قضية المناولة في مشروع تعديل مجلة الشغل يتنزل في نطاق مقاربة جديدة تستهدف «ثقافة المناولة» بشكل عام بداية من الدولة ذاتها التي لا يليق بها أن ترعى وتموّل أنشطة تمثل شكلا من أشكال الاستعباد كما أن الدولة يجب أن تكون واضحة مع نفسها حيث أن احتياجها لنشاط المناولة يعني حتما أنها تحتاج إلى العمال الذين يشتغلون بالمناولة التي تظهر الوقائع على الأرض أنها أصبحت مدخلا للتنكيل بالشعب باستخدام أموال الشعب عبر الاستغلال الفاحش للعمال والتخريب الحاصل للشبكات العمومية باسم المناولة.
والأهم من ذلك أن الحسم في قضية المناولة يمهد لإعادة هيكلة الاستثمار في تونس بما يتناسب مع عناصر القوة المعنوية للشعب التونسي وفي مقدمتها رأس المال البشري الذي يكفل لتونس التحكم في القيمة المضافة لسائر الأنشطة الاقتصادية عبر التحكم في التكنولوجيا المتطورة وبالتالي المرور إلى نسق نمو اقتصادي أسرع يكفل استقلالية الدولة ورخاء الفرد بشكل مستديم والواضح في هذا الإطار أن منطق المناولة الذي قام عليه الاستثمار الخارجي في تونس كان من أهم الأسباب التي أدت إلى تفقير الدولة والشعب على مدى نصف قرن تقريبا بسبب اقتصار القيمة المضافة الوطنية على العمالة الرخيصة .
كما تظهر التجارب الحاصلة في العالم أن المنافسة الاقتصادية القائمة على العمالة الرخيصة أصبحت طريقا مسدودا فيما تؤكد في المقابل أن الدول التي تجاوزت خط التخلف اعتمدت على الاستثمار في تطوير التكنولوجي.
وبالمحصلة تمثل عودة الدولة الاجتماعية عنوانا كبيرا لمرحلة جديدة تكرس الترابط العضوي بين كرامة ورخاء الفرد وسيادة الدولة وتفرز حتما تحولات عميقة تتكامل مع الأفق الجديد الذي سينفتح أمام الشعب التونسي بتقدم الشراكة الاستراتيجية مع الصين والقارة والافريقية.
الأخبار
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق