تعد فكرة «إسرائيل الكبرى»، واحدة من أكثر القضايا جدلا في منطقة الشرق الأوسط، إذ لا ترتبط فقط بمشروع سياسي توسعي، بل تمتد جذورها إلى نصوص دينية وروايات تاريخية تحاول إسرائيل ذاتها، استدعاءها لإضفاء قدسية على مشروعها.
وظهرت فكرة «إسرائيل الكبرى»، منذ بدايات الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، والتي استندت إلى نصوص وأساطير توراتية، لتبرير مشروعها الاستيطاني، ففي حين أن الروايات القديمة تحدثت عن «أرض الميعاد»، أعادت الصهيونية صياغة هذا المفهوم في صورة مشروع سياسي توسعي، يسعى للسيطرة على مناطق أوسع من فلسطين التاريخية، وهنا يظهر المزج بين العقيدة الدينية والطموح السياسي، كقاعدة أساسية لفكرة «إسرائيل الكبرى».
وتعتمد إسرائيل على البعد «الروحاني»، كأداة لتثبيت فكرة «إسرائيل الكبرى»، إذ تروج جماعات دينية متشددة في الداخل الإسرائيلي، إلى جانب تيارات إنجيلية في الولايات المتحدة، لخطاب يربط بين تحقيق هذا المشروع، ونبوءات «الكتاب المقدس»، كما ترى أن دعم إسرائيل، واجب ديني يمهد لما يسمى بـ «النبوءات التوراتية»، ما يعني أن هذا التلاقي بين التيارات الدينية والسياسية المختلفة، يمنح إسرائيل قوة دفع إضافية، ويحول مشروعها إلى ما يشبه «المهمة المقدسة» في نظر مؤيديها، علاوة على منح مشروعها دعما سياسيا وروحيا، يتجاوز حدود المنطقة بالكامل.
ومن الناحية العملية، فقد استخدمت إسرائيل، هذه الرؤية لتبرير الاحتلال والتهجير وبناء المستوطنات، حيث يرى مراقبون، أن بعض الصراعات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، والتقسيمات التي أصابت عدد من الدول العربية، تتقاطع في كثير من جوانبها مع خدمة هذا المشروع التوسعي بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولم تكتف إسرائيل، بالبعد السياسي والعسكري، بل وظفت آلات إعلامية وأدوات خطابية واسعة، لنشر روايتها وإقناع الرأي العام العالمي بعدالة مشروعها، بينما في المقابل، فإن الخطاب العربي والإسلامي، يعاني من قصور في تفكيك هذه الرؤية وفضح تناقضاتها، ما يجعل دور العرب في مواجهة هذا المشروع الاستيطاني الخطير، محوريا، في تفكيك خطاب «إسرائيل الكبرى»، وكشف تناقضاته أمام الرأي العام المحلي والدولي، عبر كشف أبعاده التاريخية والروحية والسياسية.
ومع التحولات العالمية وصعود قوى جديدة، مثل روسيا والصين، فقد يبدو أن إسرائيل، مضطرة إلى إعادة صياغة أدواتها، لكنها لم تتخل عن البعد الروحاني في خطابها، ما يعني أن منطقة الشرق الأوسط، قد تبقى ساحة صراع بين مشروع يستند إلى أساطير دينية، ومحاولات عربية ودولية لحماية الاستقرار ومنع سيناريو الفوضى، والتصدي لفكرة «إسرائيل الكبرى»، ومنع فرض تحويله من مجرد شعارا ايدلوجيا، إلى مشروعا واقعيا.
0 تعليق