نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
النفس لحظة وجودها, اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025 12:18 مساءً
نشر بوساطة خالد الوحيمد في الرياض يوم 21 - 08 - 2025
تحت همسات الليل وتفاصيله المتأججة كحلم طائر يود الطيران خارج الوجود. والنفس شاردة تفكر بمستقرها وتريد كل شيءٍ أن تمتلكه، ليس خيلاءً أو ترفًا، وإنما الخوف والخسران. فالجنس البشري ليس سواء في تصرفاته وطبائعه، فهناك درجات بين الأنفس.. نفسٌ لا تحسن صنيعة ذاتها وأخرى تحسن ذاتها وذات غيرها، وهناك ثالثٌ لا يعنيه إلا وجوده ولا شيء آخر؛ كأنه يقول إن الفضاء عريضٌ اسرح وامرح وحدك ولا تطلب مني شيئا. هذا الصنف من الناس تلوح فيه (الأنا) في تصاعدٍ مضطرب فليس كل مواقف حياته هكذا، فهناك لحظات ضعف على حسب درجة موطن ضعفها.
(فالأنا) العليا ليست قوية كما يظنها صاحبها بل هي أوهن من بيت العنكبوت ( قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) هنا خرجت النفس من مكمنها الواهن تطلب بكل نَفَسٍ صادقةٍ فيها؛ بشعورٍ قوي ظاهر بكل لحظةٍ فيها من تفكيرٍ وجودي، كأن هذه اللحظة الحقيقية تنفي اللحظة الواهنة المتغطرسة والمتكبرة وتسوقها إلى العدمية. فالدعاء والمناجاة أظهرتا النفس من جوانيتها بكل تجلياتها وقوتها ووجودها.
فاللحظة هنا؛ كلمة مركبة زمانيًا أنطولوجيًا تتصاعد بالنفس نحو نرفانية صادقة. وهل الأنفس على سواء من صدقها؟! (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) فاللحظة الصادقة التي خرجت من نفسٍ واقعة؛ تلاشت ونست الحدث ورجعت تخوض في الوهم من جديد.
(لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ) فالأحداث المجلجلة لها وقعتها واستقرارها في القلوب، وذكرى في تاريخها المرصود. والنفس تنحرف عن هذا الاستقرار ليس الأمر بيدها، وإنما الظواهر المادية والمؤثرات الخارجية لها وقعتها وكلمتها عليها إما إيجابًا أو سلبًا.
(السيف أصدق أنباءً من الكتبِ) .. فالكلمة لا تكون كلمة حتى تقيم لنفسها وزنًا صارمًا في العقول، لتحكمها من الانفلات وتخلصها من هفواتها. فالنكوص وارد في كل أزماننا لكوننا بشرٌ نعيش في فضاءٍ مُتغير متوهج، فلولا هذا التغير لكنا في داءٍ من السكون المجهول. إذ لا نعرف معنى الزمن ولا الحركة حتى، فالزمن عبارة عن ديمومة حركية، والحركة بدورها ظاهرة فنومينولوجية مباشرة نراها ونستشعر بها. فتقلب الليل والنهار وما يحدث من ساعات اليوم، تعطي لنا إيحاءً وخبرًا عن معنى الوجود العميق، فتلك الكينونة الكائنة من كل نفسٍ تستشعر بشعور أنفاسها؛ لحظة التقاءها بالعالم الخارجي المحيط فينا وفي كل جوهرٍ مادي وغير مادي.
إذاً هل النفس بمقدورها أن تشرد عن جوانبها ؟.. كلا وإن استطاعت في رياض هذا الفضاء العريض؛ فمصيرها الرجوع إلى شيءٍ واحد هو كما بدأت أول أمرها؛ هادئة متأملة مفكرة بما يدور بين جوانبها. (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ).
0 تعليق