احتضان عدم اليقين كفرصة

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
احتضان عدم اليقين كفرصة, اليوم الاثنين 24 مارس 2025 01:26 صباحاً

احتضان عدم اليقين كفرصة

نشر بوساطة أصيل الجعيد في الوطن يوم 24 - 03 - 2025

alwatan
لطالما كان الإنسان مسكونا بهاجس السيطرة على مصيره، راغبا في رسم خطوط واضحة لحياته، متحصنا خلف يقين يقيه شر المجهول. ورغم ذلك فإن التاريخ، في كل مرة، يثبت أن اليقين ليس إلا وهما جميلا، وأن التغيير وحده هو الحقيقة الثابتة. عدم اليقين ليس عدوا كما يتوهم البعض، بل هو قوة دافعة، باب مفتوح نحو احتمالات لا نهائية، ونافذة تطل على مستقبل لم يكتب بعد. الفرق بين من ينجرف في تياراته كغريق مذعور، ومن يركبه كموجة توصله إلى بر جديد، يكمن في القدرة على احتضانه لا مقاومته.
في لحظات التحولات الكبرى، لا يكون البقاء للأقوى، بل للأكثر قدرة على التكيف. حين ضربت الأزمة المالية العالمية عام 2008، انهارت مؤسسات عريقة، لكن في الوقت ذاته، ظهرت شركات مثل «أوبر» و«إير بي إن بي»، تلك المشاريع التي لم تر في الفوضى انهيارا، بل وجدت فيها فرصة لإعادة تعريف الاقتصاد. وعندما اجتاح العالم وباء كورونا، واجهت الدول خيارين: إما أن تستسلم للفوضى أو أن تجعل من الأزمة محركا للتحول. المملكة العربية السعودية لم تتردد، بل مدت يدها إلى المستقبل وأمسكت به بكل قوة، رافضة أن تكون مجرد ضحية لعدم اليقين، بل صانعةً له وموجهةً لدفته.
في غضون أسابيع، تحولت الحكومة إلى منظومة رقمية متكاملة، لم يعد المواطن بحاجة إلى الطوابير الطويلة لإنجاز معاملاته، ولم يعد الطبيب ينتظر ازدحام المرضى في عيادته، ولم يعد التعليم محصورا في أربعة جدران. كانت هذه الثورة الرقمية، التي ربما استغرقت سنوات في دول أخرى، تنبض في شرايين السعودية بسرعة الضوء. تطبيق «توكلنا» لم يكن مجرد أداة للتحكم بالحركة أثناء الحظر، بل كان إعلانا صريحا أن البيانات والذكاء الاصطناعي هما حراس المستقبل. منصات مثل «مدرستي» و«صحتي» لم تكن استجابات مؤقتة، بل تحولات دائمة تعيد صياغة العلاقة بين المواطن والدولة.
ما فعلته السعودية في لحظة عدم يقين عالمي يذكّرنا بتجارب أخرى عبر التاريخ، حيث كان الغموض هو البوابة إلى التغيير. اليابان، بعد أن خرجت مدمرة من الحرب العالمية الثانية، لم تتشبث بأنقاض الماضي، بل أعادت بناء اقتصادها من الصفر، متخذة من الجودة والابتكار عقيدة لا تحيد عنها. سنغافورة، التي لم تكن سوى نقطة صغيرة على الخارطة، واجهت غموض استقلالها بخطة محكمة جعلتها اليوم من أكثر الدول تطورا. وحتى الولايات المتحدة، حينما واجهت الركود العظيم في الثلاثينيات، لم تبك على اقتصادها المنهار، بل أطلقت «الصفقة الجديدة»، مشروعا أعاد تشكيل بنيتها التحتية والاجتماعية.
عدم اليقين، إذا، ليس نذير شؤم، بل هو ولادة جديدة لمن يملك الجرأة على احتضانه. الأزمات ليست مجرد محطات انتظار، بل هي دعوات للحركة، اختبارات تكشف من يستسلم ومن يصنع من الخوف سلمًا للصعود. وحين ننظر إلى العالم اليوم، نجد أن الفرق بين الدول والشركات والأفراد ليس فيمن يملك الموارد الأكبر، بل فيمن يملك القدرة على رؤية الفرصة حيث يرى الآخرون النهاية.
السعودية لم تنظر إلى الجائحة على أنها فراغ مخيف، بل تعاملت معها كمساحة للخلق والابتكار. لم يكن التحول الرقمي مجرد استجابة لأزمة، بل كان تسارعا في رحلة بدأت منذ سنوات، رحلة تؤمن أن التكنولوجيا ليست ترفا بل ضرورة، وأن المستقبل لن ينتظر من يتردد. وبينما كان البعض يبحث عن كيفية النجاة من الأزمة، كانت السعودية تبني نموذجا جديدا يجعل من الأزمات محفزًا للانطلاق.
لا شيء أكثر خطورة من عقل يرفض التغيير، ولا شيء أكثر قوة من فكر يحتضن المجهول ويعيد تشكيله. الذين يخشون عدم اليقين يفقدون فرصتهم في صنع التاريخ، أما الذين يعانقونه، فهم الذين يكتبون فصول المستقبل بأيديهم.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق