نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تسليم سلاح المقاومة.. استباق سياسي لمعركة لم تنته بعد, اليوم الأربعاء 23 أبريل 2025 02:51 مساءً
ثمّة عندنا هنا في سوريا، من يُقارب في فهمه للأوضاع ما يقوله البعضُ اللبناني: عن “نزع سلاح المقاومة” و”انتهاء دورها”، وأن “إسرائيل” حسمت اللعبة كلّياً وحان موعد قطاف ثمار “نصرها” الذي تأخّر، وفق ما يعتقده أولئك البعض.
في القراءة الموضوعية – كأساس واقعية السياسة – لا يمكن تجاهل حجم الضربات التي تعرّض لها محور المقاومة منذ بدء المعركة الأضخم في تاريخنا المُعاصر “طوفان الأقصى”، وواقعاً ليست الأهمية بالفعل ذاته أي بالطوْفان، بقدر ما هي في رد الفعل عليه؛ لأن فهم طبيعة رد الفعل من شأنها أن تُعطِنا إجابات واضحة عن ثقافة أولئك البعض، وسبب انحيازهم للعوز المعرفيّ في تشخيص الحالة وضرورات مرحلة التعاطي معها.
بعد الطوْفان، انقلبت استراتيجية “إسرائيل” على صدمة “الانهيار الدفاعي”، لتمضي نحو “التقدم للخارج” لأراضي الجوار من أجل احتلالها وفرض مناطق سيطرة واسعة فيها، وهو تعزيز لعقيدتها القائمة على الدفاع في نقل المعركة لأرض العدو، و”إبعاد الخطر بالتحكم بالأرض التي يأتي منها”، و تجربة غزة نموذجاً ما يزال ماثلاً حتى كتابة هذه السطور، “إسرائيل” لم تسعى فقط لتعزيز استراتيجيتها الدفاعية عبر القضاء على المقاومة، بل في تدمير البنى الاجتماعية والفيزيائية في غزة، وخلق واقع أمني جديد يتجلّى في منع بزوغ أي بنية تسمح بإعادة بناء المقاومة، وتطبيق خطط التهجير والسيطرة على مناطق داخل القطاع بعمق 1 – 2 كم، “كمناطق أمنية إسرائيلية”.
ما سبق مطروح فعلاً في كلام الصهاينة أنفسهم، وفي كتب تاريخهم المُصطنع، لكن ما يبدو أنه لم يقفز لسطورٍ يقرأها صنف أولئك البعض لا في لبنان ولا في سوريا. في هذه النقطة تحديدًا، تُرجعنا الذاكرة لما طرحه زئيف جابوتنسكي عن الحاجة “لبناء جدار حديدي أمام العرب”، والذي لم يكن بجلّه تحصيناً دفاعياً تتناوق فيه خطابات المُساومة من بين صدأ الشِباك، بل هجوماً يفرض أمراً واقعاً بالقوة ثم ينتقل للمساومة بناءً على نتائج تلك القوة، أو فائض القوة، الذي دفع بحكومة الاحتلال للهروب إلى الأمام، واتباعها “الصّدمات العملانيّة” في عدوانها على ساحة لبنان خصوصاً، عبر اغتيال قادة المقاومة وفي مقدمتهم الشهيد السيّد حسن نصر الله، وتفجير أجهزة البايجرز، وعدم انتظار الهجوم للرد عليه، بل الضغط من أجل تقويض بنية حزب الله، وإنهاء كل ما يمكن أن يُقاوم “إسرائيل”.
وفي سوريا، الهدف ذاته، منطقة أمنية عازلة جنوبي البلاد، واقعٌ أمنيّ يعادل الاحتلال ويؤمن أوراق قوّة حالما تقفز لطاولة مفاوضات قد تتم، ويكون من بينها “وداعاً للجولان إلى الأبد”، هذا ما يحكيه “الإسرائيلي” منذ مطلع 2014 بالنسبة لسوريا، وقبل ذلك للبنان. واسأل عن وجود أولئك البعض حينها؛ إن قرؤوا هذا ؟
ما يدور اليوم في لبنان، شبيه لحد كبير لما حصل في سوريا على مستوى الخطاب (البعض) فعقب قصف “إسرائيل” لمقدرات سوريا العسكرية الاستراتيجية وتكثيف تدخّلها العسكري والسياسي، ذهب الحديث نحو أن سوريا آن لها أن تستقر، وأن بوابة استقرارها بأن تتجرّد من “دبغة” دعم المقاومة وتمرير السلاح الكاسر للتوازن لها، وأن ما دمرته هو خوف من “سوريا القوية” النامية عقب التغيير، متجاهلين في ذلك دور “إسرائيل” الأصيل في نطفة التغيير، بل متناسين أن سوريا أحد ساحات “الشـرق الأوسـط الجديـد”، وأن إسرائيل تحتلُّ أجزاءً مضاعفةً من أراضيهم، وأنها لا تعترف باتفاق فض الاشتباك الذي دخل لخطاب الإدارة الجديدة الواعدة بأن لا تكون “مصدر تهديد لأحد”، بينما هي ذاتها ما تزال في إطار تهديد الغير وجس النبض، وهي حققت سلفاً الكثير من خطوات القُرب لاستحصال شرعيتها من أمريكا، ومن هذه الخطوات، منع نشاط الفصائل الفلسطينية المسلحة، وتسلّم أسلحتها حتى الفردية منها، والشروع لتوجيه الفلسطينيين نحو العمل الإغاثي – الاجتماعي، دون معرفة مصير جذوة روح حق العودة فيهم!!
يتقارب ما يحصل في لبنان وسوريا في أنه ينطلق من ضغوط أمريكية قصوى، أوضح ما نراها في لبنان على شكل نقل مطالبها من إعلام الوصاية وممن لهم حتى الأمس القريب تاريخ غير مشرّف تجود به الحقائق الماثلة، وكليشة المطالبة بردم المقاومة والتعويل على صداع الضربة في أنه انهاها، بينما في سوريا ليست ضغوطاً فحسب؛ بل قائمة شروط تصبّ في خدمة نفس الطرف الذي يدعو المقاومة لرمي سلاحها والتخلي عن خيارها. وللمفارقة ربما هي المرة الأولى التي يتفق معها أبناء الفريق المعادي للمقاومة، مع سوريا على إيقاع التغيير الكبير!
والذي يجمع كلا الطرفين، هو عدم قدرتهم على تقديم إجابة واضحة عن مشروع رفض “إسرائيل” ولا سبل مواجهتها، إن وجد مشروع طبعاً، بل حالما يُناب الأمر للرسائل الدبلوماسية والمجتمع الدولي، وممارسة الضغوط الدولية على الاحتلال، الذي ورغم توقف جبهة الإسناد اللبنانية ما يزال مستمراً، مسجّلاً 2970 خرقاً منذ اتفاق وقف إطلاق النار، والغريب المتجدد هو عدم قدرة أولئك على أن يقولوا لنا: ما الذي يملكونه ليوقفوا الاعتداءات، وما مصيرهم أصلاً وهم لا يملكون سلاحاً يوازن قوة العدو، ثم هل أن أمريكا ستسمح لهم في حال استحوزوا على سلاح المقاومة أن يقتنوه ؟ وكيف يقيسون ابتداءً مصالح بلادهم دون العصا الأمريكية ؟
بالطبع، ستتأخر الإجابة وقد لا تنوجد، ما دام ذاك البعض الراكب للموجة، يتقلّد تجارب دول أناخت للعدو وبات مسار قرارها في يده، وهذا مؤلم. لكن الأكثر إيلاماً إن كانوا يعرفون، لكن يوهمونا بغير ذلك!
المصدر: موقع المنار
0 تعليق