يساهم الذكاء الاصطناعي بطرق غير مسبوقة في تطوير مجال دراسة الحضارات القديمة وعلم الآثار. فلطالما كانت الدراسات الأثرية وتحليل النصوص القديمة يستغرق وقتًا طويلًا ويتطلب جهدًا كبيرًا، لكن الذكاء الاصطناعي يساعد في تسريع هذه العمليات بنحو كبير، مما يساهم في الكشف عن المزيد من الأسرار التاريخية وفهم الحضارات القديمة.
في دراسة الحضارات القديمة تعدّ الكتابة المسمارية أقدم نظام كتابي معروف، وهو نظام ابتكره السومريون عام 3100 قبل الميلاد، كما تعود أقدم النقوش المصورة إلى عام 4400 قبل الميلاد. وهذا يعني أن هناك سجلات تاريخية ضخمة يتطلب تحليلها وفك رموزها.
وبالإضافة إلى النصوص، هناك المقابر، والتماثيل، والهياكل المعمارية التي تتضمن رموزًا مختلفة، وكل منها يحمل أسرارًا فريدة. لكن العقبات المتمثلة في قلة المواد المكتشفة وصعوبة تحليلها قد تبطئ الدراسات الأثرية، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه تسريع هذه الدراسات بمعدل يفوق التوقعات.
كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في فهم الحضارات القديمة وعلم الآثار؟
يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في دراسة الحضارات القديمة بعدة طرق، أبرزها:
المساعدة في فك رموز اللغات القديمة
يمثل فهم اللغات القديمة تحديًا كبيرًا للعلماء بسبب اختلاف المعاني باختلاف السياق. كما أن فك رموز النصوص القديمة يستغرق وقتًا طويلًا، لكن باستخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP)، يمكن تحليل الجمل وتعرّف الأنماط اللغوية في النصوص القديمة، مما يساهم في تسريع عملية الترجمة وفهم النصوص المختلفة.
المساعدة في تحديد المواقع الأثرية
استخدم باحثون من جامعة خليفة في أبو ظبي الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأقمار الصناعية للكشف عن آثار مدفونة في صحراء الربع الخالي. وبفضل هذه التقنية، أصبح بالإمكان تحديد المواقع الأثرية بدقة تصل إلى 50 سنتيمترًا، وهو إنجاز غير مسبوق في علم الآثار.
تحليل النصوص التاريخية
يقترح علماء مثل Michael Varnum – رئيس قسم علم النفس وأستاذ مشارك في جامعة ولاية أريزونا – استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحليل النصوص التاريخية لاستنباط القيم والمشاعر السائدة آنذاك في المجتمعات القديمة. ومع أن هذه الطريقة قد تعطي نتائج محدودة بسبب الاعتماد على نصوص كتبتها فئات محددة؛ لأن الكتابة كانت مقتصرة على الفئات المتعلمة، فإنها توفر نظرة أعمق إلى طريقة تفكير الشعوب القديمة.
تعرّف العادات القديمة
في سبعينيات القرن العشرين، عُثر في مقبرة من العصر البرونزي في مدينة شهر سوخته الإيرانية على قطعة أثرية بجوار جمجمة بشرية، وهي أقدم لعبة لوحية كاملة اكتُشفت على الإطلاق، ويبلغ عمرها قرابة 4500 عام، وتتكون من لوحة تتضمن 20 مساحة دائرية، وأربع قطع نرد، و27 قطعة ذات أشكال هندسية.
يمكن للذكاء الاصطناعي إعادة صياغة القواعد للألعاب القديمة، ويقوم مشروع Digital Ludeme بذلك تمامًا. فهو مصمم لإعادة بناء قواعد الألعاب القديمة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، وقد تمكن الفريق من إعادة بناء قرابة 1000 لعبة لتصبح قابلة للعب مرة أخرى.
تتضمن هذه العملية ملء الفراغات في القواعد باستخدام المعلومات التاريخية واختبارها باستخدام الذكاء الاصطناعي. ويركز المشروع في تطوير الألعاب القديمة وإتاحتها عبر الإنترنت، وذلك بسبب أهميتها الثقافية التي تساعد في فهم الحياة اليومية للمجتمعات القديمة.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في علم الآثار
يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على فك رموز النصوص القديمة، وتحديد المواقع الأثرية، وإعادة بناء تفاصيل الحياة اليومية للحضارات القديمة. ومع أن هناك تقدم سريع في هذا المجال، ما تزال هناك تحديات تتعلق بالتحيزات والافتراضات الخاطئة. لذلك، فإن الجمع بين الذكاء الاصطناعي والإشراف البشري سيضمن دقة الاكتشافات، مما يساعد في تطوير علم الآثار وفهم الحضارات القديمة بطرق لم تكن ممكنة من قبل.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
0 تعليق