نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أزمة ثقة, اليوم الخميس 29 مايو 2025 01:24 صباحاً
نشر بوساطة محمد الحمزة في الرياض يوم 29 - 05 - 2025
تبرز أزمة الثقة كأحد أبرز التحديات النفسية والاجتماعية التي يعاني منها الأفراد والمجتمعات على حد سواء، إنها ليست مجرد شعور عابر بعدم الارتياح، بل حالة نفسية عميقة قد تؤثر في قرارات الشخص، وعلاقاته، وحتى رؤيته لنفسه والعالم.
الثقة، بحسب علم النفس، هي الإيمان بقدرة الذات أو الآخرين على التصرف بطريقة يمكن التنبؤ بها والاعتماد عليها. وهي تتكون منذ الطفولة المبكرة، حيث ترتبط بنمط التعلق بين الطفل ومقدمي الرعاية، يقول عالم النفس الأميركي إريك إريكسون: إن "الثقة الأساسية تتكون في المرحلة الأولى من الحياة، وإذا فُقدت فإن الفرد ينمو بشعور دائم بعدم الأمان"، فعندما يفقد الإنسان الثقة بنفسه، تبدأ سلسلة من الآثار المدمرة في الحدوث. والشخص الذي لا يثق بذاته قد يتردد في اتخاذ قرارات مصيرية، يخشى من المبادرة، ويبالغ في نقد ذاته، أما من يفقد ثقته بالآخرين، فيصبح سجين الشك، ويعيش علاقاته الاجتماعية والمهنية في ظل خوف دائم من الخيانة أو الخذلان.
أزمة الثقة بالنفس ليست دائماً ظاهرة، فقد يعاني منها أشخاص ناجحون ظاهرياً، لكنهم يعيشون صراعاً داخلياً مستمراً، من أبرز أعراضها: التردد، والشعور بالعجز، والقلق المفرط، والميل للمقارنة السلبية بالآخرين. مثال ذلك: فتاة في العشرينات من عمرها، متفوقة أكاديمياً لكنها ترفض التقديم على فرص العمل لأنها تشك في قدراتها، رغم امتلاكها لمؤهلات ممتازة، وتقنع نفسها بأنها غير أكفاء، مما يؤدي إلى تعطيل مسيرتها المهنية. تقول الكاتبة الأميركية مايا أنجيلو: "إن أسوأ سجن يمكن أن تعيش فيه هو عدم الثقة بنفسك"، وهو وصف دقيق لما يختبره من يعاني من هذه الأزمة.
الثقة بالآخرين هي العمود الفقري لأي علاقة ناجحة، سواء كانت صداقة، زواجاً، أو شراكة عمل، وعندما تتعرض هذه الثقة للكسر، تتولد مشاعر سلبية كالغضب، الحذر المفرط، والعزلة، يقول الفيلسوف فريدريك نيتشه: "أنا لست منزعجاً لأنك كذبت علي، بل لأنني لن أستطيع تصديقك بعد الآن"، هذه العبارة تلخص كيف أن فقدان الثقة قد لا يمكن إصلاحه بسهولة، لأنه يهدم الأساس الذي بُنيت عليه العلاقة، مثال ذلك: رجل خُذل من أصدقائه في موقف حرج، فأصبح يتجنب التواصل الاجتماعي، ويرفض أي مبادرة للتقرب منه، خوفاً من تكرار التجربة.
أسباب أزمة الثقة متعددة، ومنها التجارب السلبية السابقة مثل التعرض للخيانة أو الفشل، ومنها التربية القمعية أو الناقدة، حيث لا يُسمح للطفل بالتعبير أو اتخاذ القرار، ومنها الضغوط المجتمعية والمقارنات، خصوصاً في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُمجّد الصور المثالية وتُهمل الواقع الحقيقي، علم النفس المعرفي يشير إلى أن التفكير المشوه (مثل تعميم الفشل أو تضخيم الأخطاء) هو أحد العوامل المهمة في تأصيل أزمة الثقة بالنفس.
تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من انخفاض الثقة بالنفس معرضون بشكل أكبر للاكتئاب، والقلق، واضطرابات النوم. أما على الصعيد الاجتماعي، فإن ضعف الثقة بالآخرين قد يؤدي إلى العزلة أو التوتر المزمن في العلاقات. كما تؤثر أزمة الثقة على الأداء المهني، إذ يتردد الشخص في اقتراح الأفكار أو المشاركة في المبادرات خوفاً من الرفض أو السخرية، مما يحد من إمكاناته ويقلل من فرص التقدم.
رغم أن أزمة الثقة قد تكون عميقة، إلا أن التعامل معها ممكن عبر خطوات علمية وعملية، منها العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، وذلك لمواجهة الأفكار السلبية عن الذات والآخرين، ومنها بناء تجارب إيجابية متدرجة كتحقيق إنجازات صغيرة تُعيد للمرء ثقته بنفسه، ومنها وضع حدود صحية في العلاقات، لتساعد على الشعور بالأمان دون الإفراط في الشك أو السذاجة، ومنها الكتابة والتأمل الذاتي، لفهم الجذور وتحرير المشاعر المكبوتة.
الثقة ليست ضعفًا، بل هي قوة تتطلب الشجاعة لمنحه، وهي أول خطوة نحو أي عمل عظيم، فلا تنتظر أن يُظهر لك الآخرون الطريق؛ اصنع طريقك بنفسك. والثقة بالنفس ليست ضمانًا للنجاح، لكنها بداية لا غنى عنها له، والناس الذين ينجحون هم الذين يثقون بأنفسهم حتى في الظلام، والثقة في الآخرين دليل على أنك ترى الخير في نفسك أولًا، ويجب أن تكون مدروسة، لا عمياء. والثقة بالنفس تفتح الأبواب، والثقة في الآخرين تُبقيها مفتوحة.. يقول نيلسون مانديلا: "الثقة بالنفس تصنع المعجزات، والثقة في الآخرين تُعززها".
الثقة ليست رفاهية نفسية، بل ضرورة حيوية، وهي جسرٌ نُقيمه بيننا وبين أنفسنا أولاً، ثم بيننا وبين الآخرين، وإذا اختلّ هذا الجسر، سقطنا في فوضى من الشك والخوف والتردد. تقول هيلين كيلر: "الثقة هي العدوى الوحيدة التي إذا انتشرت، أصلحت العالم"، فلنحرص على بناء هذه العدوى الإيجابية، ونبدأ أولاً بأن نثق بأنفسنا، لأن من لا يثق بنفسه، يصعب عليه أن يثق بالآخرين أو يمنحهم ثقته.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق