التفاؤل يعود للموانئ المصرية

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

تسيطر حالة من التفاؤل على خبراء النقل البحرى، إثر نجاح هيئة ميناء الإسكندرية فى تحقيق طفرة بمعدلات تداول البضائع وتردد السفن العام المالى الماضى.

وتحتل هيئة ميناء الاسكندرية موقع الريادة بين موانئ مصر من حيث حجم الحركة التجارية؛ إذ تتداول عبرها 60% تقريباً من حجم الصادرات والواردات المصرية.

وسجل ميناءا الإسكندرية والدخيلة، خلال 2024 – 2025 حجم تداول بلغ 74.8 مليون طن بضائع بنسبة زيادة 14% وبفارق 9.2 مليون طن، عن العام المالى الأسبق. كما ارتفعت نسبة الصادرات بأكثر من 17%.

أمَّا الموانئ المطلة على البحر الأحمر، فقد أظهرت صموداً نسبياً؛ بل وسجلت نمواً مدفوعاً باستثمارات حكومية وتوجهٍ نحو تطوير البنية التحتية، على الرغم من أنها تضررت بفعل انسحاب خطوط ملاحية كبرى إثر هجمات الحوثيين.

«على»: مشروعات البنية الفوقية تقفز بالطاقة الاستيعابية لـ25 مليون حاوية سنوياً

قال الدكتور محمد على، مستشار وزير النقل السابق، مؤسس كلية النقل الدولى واللوجستيات بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، إنَّ الموانئ المصرية لم تشهد تراجعاً كبيراً فى معدلات الأداء كما حدث فى حركة الممر الملاحى لقناة السويس، مرجعاً ذلك إلى النشاط المتواصل لحركة التجارة الخارجية بالموانئ المطلة على البحر المتوسط.

أضاف أن الموانئ المطلة على البحر الأحمر، وعلى رأسها ميناءا السويس والسخنة، كانت الأكثر تضرراً من تداعيات أزمة البحر الأحمر والحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية، خصوصاً فى حركة التجارة الواردة من جنوب شرق آسيا.

وأكد ضرورة النظر إلى حجم واردات كل ميناء، ومراجعة معدل التداول السنوى، والتأكد من أن عدم وجود ميناء يؤثر على أداء ونشاط ميناء آخر.

كما ينبغى مقارنة معدلات النمو فى جميع الموانئ المصرية بما تحقق فى السنوات السابقة؛ حتى لا تكون الزيادة محصورة فى ميناء واحد أو اثنين فقط، بينما تعانى موانئ أخرى ضعفاً فى معدلات التداول.

وأشار «على»، إلى ضرورة التركيز على إيرادات الموانئ المصرية بعد الاستثمارات الضخمة التى ضختها الدولة مؤخراً فى البنية الفوقية بالموانئ، مؤكداً أن التحدى الحقيقى يكمن فى قدرة تلك الموانئ على الاستفادة من هذه الاستثمارات، ورفع تصنيفها على خريطة الموانئ العالمية.

اقرأ أيضا: تراجع هجمات الحوثيين يدعم خفض رسوم التأمين البحري

وأوضح أن مشروعات التطوير الأخيرة للبنية الفوقية عززت الطاقة الاستيعابية للحاويات، لترتفع إلى نحو 25 مليون حاوية سنوياً، مع خطة لزيادتها إلى 40 مليون حاوية بحلول 2030، مؤكداً أن هذه القدرات تفوق حجم التجارة الداخلية لمصر، ما يستدعى استغلالها فى تجارة «الترانزيت» وعدم الاكتفاء بالتجارة المحلية.

ولفت إلى أن تطوير البنية التحتية للموانئ يمثل خطوة إيجابية، لكنه شدد على أن المرحلة المقبلة تتطلب إعادة ترتيب البنية الفوقية وتحويل الموانئ إلى موانئ ذكية، قادرة على مواكبة التطور العالمى فى منظومة النقل البحرى.

كما دعا إلى تقديم حزم تسهيلات لاستقطاب خطوط ملاحية جديدة، وتوطين تجارة الترانزيت عبر إنشاء مخازن كافية وتوفير خدمات القيمة المضافة والعمليات اللوجستية المتكاملة داخل الموانئ، بما يضمن تحقيق عوائد مجزية، بدلاً من الاكتفاء برسوم الموانئ وخدمات الشحن والتفريغ.

«صابر»: خفض رسوم الدخول ورسوم التراكى لجذب مزيد من الخطوط الملاحية

وقال الدكتور أحمد سالم صابر، خبير النقل الدولى، استشارى سلاسل الإمداد، إنَّ موانئ البحر الأحمر، وعلى رأسها ميناء شرق التفريعة ببورسعيد وميناء العين السخنة، كانت الأكثر تأثراً بالتوترات الجيوسياسية.

وأشار إلى أن حجم التجارة المنتظمة المعتمدة على الحاويات المنقولة عبر البحر الأحمر تأثر بشكل واضح، عكس الحاويات المنقولة عبر البحر المتوسط التى شهدت استقراراً طوال العام الماضى لبُعدها عن بؤر التوتر والصراعات.

وتوقع «صابر» أن تشهد حركة تداول الحاويات بالموانئ المصرية المطلة على البحر المتوسط نمواً خلال العام المالى الحالي، مدفوعة بتطوير الخدمات الإلكترونية وتحسين كفاءة الأداء داخل تلك الموانئ.

وأكد أن تقييم أداء الموانئ لا يجب أن يقتصر على حجم البضائع المتداولة فقط؛ بل من الضرورى إضافة ثلاثة معايير أخرى، أولها معيار الخدمة، ويشمل مدة بقاء السفن فى الميناء، وتقليل فترات الانتظار خارج الأرصفة إلى أقل من 6 ساعات.

وثانياً معيار التشغيل، ويتمثل فى رفع كفاءة العمل على الأرصفة عبر زيادة ورديات العمال وتقليص زمن الشحن والتفريغ.

والمعيار الثالث هو الاستغلال الأمثل للأرصفة، بحيث يتراوح معدل استغلال الأرصفة داخل الموانئ المصرية بين 75% و80% على الأقل.

أضاف أن المعايير التى تم ذكرها سابقاً لا بد أن تصب فى النهاية فى رفع معدلات الإنتاجية للميناء.. لذلك من الضرورى حساب التكاليف الثابتة من البنية التحتية للميناء والتكاليف المتغيرة نتيجة التشغيل حتى نستطيع معرفة حجم البضائع التى تم تداولها بالميناء، ومدة بقاء السفينة، وعوامل الجذب التى يضعها الميناء لتنشيط وزيادة تجارة الترانزيت؛ كى نستطيع جنى الأرباح.

اقرأ أيضا: خطوط “الرورو”.. رهان مصري جديد لتعظيم الصادرات

وأوضح «صابر» أن التركيز خلال العام المالى الحالى، ينبغى أن يكون على معيار الخدمة بجانب معيار التداول، باعتبارهما أهم العناصر الجاذبة لملاك السفن، ما سينعكس إيجاباً على معدلات الأداء وحجم التداول.

أمَّا بالنسبة للموانئ المطلة على البحر الأحمر، فيرى «صابر» أنه يصعب التنبؤ بانتعاش نشاطها فى المدى القريب؛ نظراً إلى ارتباطها بالقرارات السياسية، وموعد توقف هجمات الحوثيين، مضيفاً أن الخطوط الملاحية وملاك السفن لن يعودوا فوراً إلى جداولهم المعتادة حتى بعد الإعلان عن وقف العمليات، إلا بعد التأكد من استقرار الأوضاع الأمنية، خاصة مع ارتفاع تكاليف التأمين البحرى.

وشدد على ضرورة خفض رسوم الدخول، ورسوم التراكى بالموانئ، إلى جانب تقديم أسعار تنافسية للخدمات، مثل التخزين والقطر والإرشاد، بما يشجع الخطوط الملاحية على العودة بقوة الموانئ المصرية المطلة على البحر الأحمر.

واختتم «صابر» بالتأكيد على أهمية تحويل الموانئ المصرية إلى موانئ ذكية وصديقة للبيئة، تماشياً مع توجهات المنظمة البحرية الدولية لتقليل الانبعاثات الكربونية سواء من الوقود المستخدم فى السفن أو المعدات والأوناش داخل الموانئ، وهو ما سيزيد تنافسية الموانئ المصرية أمام نظيراتها فى الأسواق الإقليمية والدولية.

«كامل»: دمج النقل والصناعة يعزز التكامل اللوجستى.. ودور كبير للموانئ الجافة

وأشاد الدكتور محمد كامل، الباحث فى شئون النقل الدولى واللوجستيات والمستشار الاقتصادى لشركة «ماهونى» للملاحة، بأداء الموانئ المصرية خلال العام المالى الماضى.

وأرجع ذلك إلى عدة عوامل، فى مقدمتها اتباع نظام «الموانئ المتخصصة»، بحيث يتم تقسيم كل ميناء إلى محطات مخصصة لأنواع محددة من البضائع مثل الحاويات والحبوب والسوائل أو الأسمنت، وهو ما يتيح توجيه السفن مباشرة إلى المحطة المناسبة وتجهيزها بالمعدات الملائمة لطبيعة الشحنة.

أضاف أن الفترة الأخيرة شهدت طفرة فى تطوير معدات تداول البضائع، بما يتناسب مع طبيعتها وأحجامها، الأمر الذى انعكس إيجابياً على معدلات التداول.

وأشار إلى أن الدولة أنشأت ظهيراً خلفياً للأرصفة بغرض تخزين البضائع، ما ساعد على حل مشكلة التكدس داخل الموانئ. كما أسهم تطوير السياسات الجمركية والإجراءات الإلكترونية، وعلى رأسها نظام الإفراج المسبق، فى تسهيل حركة دخول وخروج البضائع وتقليل زمن الإفراج الجمركى، فضلاً عن افتتاح محطات جديدة دعمت مرونة تدفق السلع ورفعت كفاءة منظومة النقل البحري.

وأكد «كامل» ضرورة إعادة النظر فى تطبيق ما يعرف بـ«نظام التسليم الثابت» (Fixed Delivery Regime)، والذى يعنى توحيد مواعيد وأسعار صرف أنواع معينة من البضائع فى جميع الموانئ المصرية بشكل متزامن، مشيراً إلى أن هذا النظام مطبق فى العديد من الموانئ العالمية، ويمنح صورة إيجابية عن كفاءة الموانئ، بينما غيابه فى مصر يترك انطباعات أقل احترافية.

أضاف أن هناك قصوراً نسبياً فى الاستفادة من الموانئ الجافة والبرية، التى يفترض أن تكمل دور الموانئ البحرية. فبدلاً من أن تكون الرحلة البحرية نهايتها ميناء الإسكندرية أو دمياط أو بورسعيد فقط، يمكن مدُّها إلى الموانئ الجافة مثل السادس من أكتوبر أو العاشر من رمضان، لتطبيق ما يعرف عالمياً بمفهوم «Short Sea Shipping»، وهو ما لم يُفعّل بعد فى الموانئ المصرية.

وطالب «كامل» بتعظيم الاستفادة من الاتفاقيات التجارية التى أبرمتها مصر مع شركائها الإقليميين والدوليين، مثل اتفاقية الكوميسا ومجموعة «بريكس».

وأشاد بخطوة دمج عدد من الوزارات، موضحاً أن دمج وزارتى النقل مع وزارة التجارة والصناعة انعكس إيجابياً على أداء المنظومة ككل؛ إذ أسهم فى تعزيز التكامل بين القطاعين، وأبرز أهمية الربط المباشر بين النقل والصناعة فى تطوير الخدمات اللوجستية ورفع كفاءتها.

وأوضح «كامل» أن الدولة تسعى إلى تنشيط تجارة الترانزيت عبر إنشاء محطات متعددة الأغراض وتطوير الأرصفة. لكن تحقيق هذا الهدف يظل مرهوناً بإصلاح الإجراءات الجمركية الحالية؛ إذ إن القانون المصرى يسمح بكشف 100% من بضائع الترانزيت، وهو ما اعتبره إجراءً تعسفياً ينفّر أصحاب البضائع من المرور عبر الموانئ المصرية.

ولفت إلى أن المنظومة مازالت تعانى غياب خطة شاملة لتأمين البضائع على الطرق الداخلية، وهو ما يعرقل نمو تجارة الترانزيت، مشدداً فى الوقت نفسه على أهمية تفعيل الاتفاقيات المطبقة مثل اتفاقية «TRI» وتطبيق بنودها بكفاءة.

كما دعا إلى إعادة النظر فى الرسوم المفروضة مقابل الخدمات داخل الموانئ، بحيث تكون أكثر دقة وتنافسية مقارنة بالدول المنافسة فى مجال الترانزيت، فضلاً عن معالجة التشوهات القائمة فى تعريفة الموانئ المصرية التى تؤثر سلباً على حجم النشاط.

وأشار «كامل»، إلى أن مصر لا تزال تمتلك قدرات تصديرية أكبر بكثير مما تحقق، سواء من حيث الكميات المنتجة أو الأسواق القابلة للاختراق، موضحاً أن الاعتماد الحالى ينحصر على السوقين الأوروبى والأمريكى، فى حين لم يتم حتى الآن التوسع بشكل فعال فى السوق الأفريقى ولا فى أسواق الشرق الأوسط والأدنى.

«كحلة»: تطوير الأنظمة الإلكترونية فى «دمياط» لتسهيل إجراءات الشحن والتفريغ

وقال علاء كحلة، رئيس الإدارة المركزية لنظم المعلومات والتحول الرقمى بميناء دمياط، إنَّ أداء حركة التداول بميناء دمياط، خلال العام المالى الماضى، شهدت ارتفاعاً فى تداول سفن البضائع العامة بنسبة 20%، مقارنة بالعام المالى 2023 ـ 2024.

وأضاف لـ«البورصة»، أن بعض السفن الأخرى شهدت انخفاضات طفيفة؛ إذ سجلت سفن الصب الجاف تراجعاً بنسبة 10% وسفن الصب السائل 4% والحاويات انخفضت 8% والخدمات بنسبة 19%.

وأوضح أن الهيئة تستهدف بنهاية العام المالى الحالى الانتهاء من تطوير الميناء وتوسيع الأرصفة وزيادة الطاقة الاستيعابية، مشيراً إلى توسيع الأرصفة المخصصة للبضائع العامة والحاويات، ما يسهم فى زيادة قدرة الميناء على استقبال السفن الكبيرة والتعامل مع حجم أكبر من الحاويات.

وأشار «كحلة»، إلى أنه من المستهدف إنشاء أرصفة جديدة، وتجديد الأرصفة الحالية بالإضافة لتطوير الأنظمة الإلكترونية فى الميناء لتسهيل إجراءات التفريغ والشحن، بالإضافة إلى تعزيز إجراءات الأمان والسلامة البحرية، ويشمل ذلك استخدام الأنظمة الرقمية لإدارة الحاويات وتتبعها بشكل أكثر فاعلية.

كما تم إنشاء مناطق تخزين حديثة ومرافق لوجستية متطورة لتسهيل عمليات المناولة والتوزيع، ما يسهم فى تقليل الوقت المستغرق فى عمليات التخزين والتوزيع، ويعزز كفاءة الميناء، وتعظيم معدلات التداول الأرباح والإيرادات السنوية.

قال «كحلة»، إنَّ مشروع محطة الحاويات «تحيا مصر 1» بميناء دمياط سيسهم فى توفير بيئة استثمارية جاذبة ومستدامة، ويضاعف قدرة موقع مصر الإستراتيجى على تقليل تكلفة النقل؛ حيث تمتد أرصفة المحطة بطول 1970 متراً وعمق 18 متراً، وتغطى ساحة خلفية تبلغ مساحتها 922 ألف متر مربع بقدرة تداول تصل إلى 3.5 مليون حاوية مكافئة سنوياً.

وأشار إلى أهمية الشراكات مع الكيانات العالمية فى مجال تطوير الموانئ والأرصفة البحرية، موضحاً أن الشراكة مع جميع المؤسسات الدولية والشركات العالمية تساعد فى تسريع وتيرة إنتاج الوقود الأخضر وتصديره إلى الأسواق الأوروبية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق