مرت اقتصادات أمريكا اللاتينية، بتجارب اقتصادية، كان أكثرها في البرازيل، وأكثرها ضبابية في الأرجنتين، لكن ثمة أوجه تشابه بين مصر والبرازيل، تبشر بتكرار التجربة الناجحة.
فمصر هي أكبر اقتصاد في أفريقيا، بينما البرازيل هي أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، أما الموارد، فهي تتنوع بين النفط والغاز الطبيعي والزراعة والسياحة في مصر، مقابل المعادن والأراضي الزراعية والغابات في البرازيل.
ولعل الفجوة الضخمة بين الناتج المحلي البرازيلي وقيمته 2.3 تريليون دولار، والناتج المحلي المصري وقيمته 389.1 مليار دولار، تكشف أن التجربة البرازيلية ربما تكون ذات جوانب ملهمة ومحفزة على النجاح، خصوصا أنها مرت بسنوات مؤلمة أصعب من مصر.
ففي عام 1990 وصل التضخم في البرازيل إلى مستويات جنونية مسجلا 2948%، وليستمر منحناه الصاعد عام 1994 مسجلا 2076%.
كان 2002، مفصليا، إذ هدد صندوق النقد الدولي بإعلان البرازيل “دولة مفلسة” في حالة عدم سداد قروضها للصندوق، وامتنع عن إقراضها أو تقديم أي تسهيلات إضافية.
ووصل سعر صرف العملة البرازيلية آنذاك إلى متوسطات 11 ألف كروزيرو (الريال البرازيلي حاليًا ) مقابل الدولار الواحد.
وبدأت البرازيل تنجرف أكثر نحو الإفلاس، مع انهيار العملة وهروب المستثمرين.
لكن اعتبارا من عام 2003، بدأت فترة لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ، الرئيس الخامس والثلاثون للبرازيل، الذي انتشل دولته من قاع الأزمات الاقتصادية المستفحلة.
لم يضع سيلفا، منهجًا احتياطيًا لاستعادة عافية البرازيل، بل كان منهجًا متوازنًا يشمل البرامج الاجتماعية منها برنامج “بولسا فاميليا”، وهو دعم نقدي مباشر للأسر الفقيرة بشرط تعليم الأطفال وتطعيمهم مما رفع القوة الشرائية وحسن رأس المال البشري.
كما وجه سيلفا، اهتمامه نحو تعزيز التصنيع والتصدير ودعم المستثمرين وتقديم التسهيلات تمهيدًا للاستثمار في سفينة البرازيل التي ظن العالم أنها غرقت بالفعل.
أيضا ركز على سياسة الانضباط المالي ومحاولة كبح التضخم، وخفض الدين تدريجيًا عن طريق خلق فوائض أولية في الموازنة، واستطاع إخراج 20 مليون شخص من تحت خط الفقر.
الآن.. تتصدر البرازيل، قائمة أغنى 5 دول في أمريكا الجنوبية من حيث الناتج المحلي الإجمالي، إذ سجلت نحو 2.3 تريليون دولار، تليها الأرجنتين 574 مليار دولار، ثم كولومبيا 419 مليار دولار، وتشيلي 362 مليار دولار، وبيرو 294 مليار دولار.
وبالنسبة لتجربة الأرجنتين، فقد عانت العقد الماضي من أزمة اقتصادية خانقة تمثلت في تضخم مرتفع، عجز مالي مزمن، وانكماش متكرر، ومع ضغوط صندوق النقد، لجأت الحكومة إلى حزمة تقشفية تضمنت خفض الدعم ورفع الضرائب وتجميد الأجور، ومحاولة خفض النفقات عبر دمج الوزارات والهيئات الحكومية لتقليل البيروقراطية وتقليص المخصصات الإدارية.
لكن هذه السياسات لم تحقق النتائج المرجوة، إذ أدى التقشف إلى تراجع النمو وارتفاع البطالة والفقر، فيما لم ينجح دمج الوزارات في معالجة جوهر المشكلة وهو سوء الحوكمة وضعف الكفاءة في إدارة المالية.
وبذلك أصبحت تجربة الأرجنتين مثالًا على أن الإصلاح المالي لا يقوم فقط على إجراءات شكلية مثل دمج الوزارات أو تقليص عددها، بل على إدارة رشيدة للإنفاق العام وسياسات تحفز النمو إلى جانب الانضباط المالي.
أما في مصر، فقد ظل التضخم يسجل معدلات متباينة إذ بلغت في 2013 نحو 9.5%، ارتفعت إلى 14.4% في 2018، ثم سنة الذروة 2023 متجاوزا 40% ، وليهبط في 2024 إلى 28% .
وبالتوازي، قفز سعر صرف الجنيه أمام الدولار من 5 جنيهات و80 قرشا عام 2010، إلى 70 جنيها في السوق السوداء مطلع 2024، قبل أن يشهد تعويما جديدا هبط به حاليا عن مستويات 48 جنيها للدولار.
ونجحت مصر في تسجيل فائض أولي بلغ 13.03 مليار دولار السنة المالية 2024-2025؛ أي ما يعادل 3.6% من الناتج المحلي بنمو 80% مقارنة بالعام المالي 2023-2024، مما يشير إلى سير الدولة المصرية في نهج الإصلاح والنمو الاقتصادي.
فهل تسير مصر في طريق النمو البرازيلي؟ وكيف تستفيد من التجارب الاقتصادية في أمريكا اللاتينية؟
عبدالحكيم: الدولة تنفذ برامج دعم اجتماعي مشابهة لتجربة “لولا دا سيلفا”
قال محمد عبد الحكيم، محلل اقتصادي ورئيس قسم البحوث بشركة أسطول لتداول الأوراق المالية ، إن المقارنة بين التجارب الاقتصادية للدول أمر ضروري للاستفادة، ولكن يجب دائمًا أخذ السياق التاريخي والظروف المحلية لكل دولة في الاعتبار.
أضاف أن تجربة البرازيل كانت نموذجًا ملهمًا، إذ قامت على الاستقرار المالي والعدالة الاجتماعية، بعد أن ورث سيلفا اقتصادًا يعاني من تضخم عالٍ وديون ضخمة، وتمكن من تحقيق طفرة اقتصادية.
أكد عبدالحكيم، أنه عند النظر إلى الوضع المصري الحالي، نجد أن الدولة بالفعل تسير في مسار يتقاطع في بعض جوانبه مع النهج البرازيلي، كمبادرات “تكافل وكرامة” و”حياة كريمة”، والتي تشبه برامج الدعم الاجتماعي التي طبقها دي سيلفا، وتهدف إلى حماية الفقراء وتعزيز العدالة الاجتماعية.
وشهدت الأشهر التسعة المنتهية في مارس 2025 تركيز الحكومة على زيادة مخصصات المواطنين من حزم الحماية الاجتماعية، ومنها برامج “تكافل وكرامة” والتي نمت 24% لتصل إلى 30.4 مليار جنيه نهاية الأشهر التسعة المنتهية في مارس الماضي، وتم توفير 15.8 مليار جنيه في نفس الفترة لدعم الأدوية بنمو 41% عن نفس الفترة من العام الماضي.
كما زادت مخصصات دعم السلع التموينية إلى 95 مليار جنيه بنمو 37% عن الفترة المقابلة من العام الماضي.
أكد عبد الحكيم، أن مصر بالفعل تطبق سياسات ترشيد الإنفاق، وهو ما يمكن وصفه بـ “التقشف الرشيد” أو “إعادة ترتيب الأولويات”، وهو لا يعني توقف التنمية، بل توجيه الموارد نحو القطاعات الأكثر إنتاجية.
وتابع :”الهدف ليس تقليل الإنفاق بشكل مطلق، بل توجيهه نحو المشروعات ذات العائد المرتفع والإنفاق على البنية التحتية الأساسية التي تخدم الاقتصاد على المدى الطويل”.
وأضاف عبدالحكيم، أن أزمة الدين المصري تشكل تحديًا، ولكن يمكن لمصر أن تستفيد من التجربة البرازيلية في معالجتها، وأهم خطوة هي زيادة الإيرادات العامة وضبط الإنفاق.
وأوضحت بيانات الموازنة ارتفاع مدفوعات فوائد الديون إلى 2.29 تريليون جنيه في مشروع موازنة 2025/2026، من 1.91 تريليون جنيه في تقديرات موازنة 2024/2025، ومقارنة بموازنة 2015/2016، دفعت مصر 243.6 مليار جنيه مدفوعات فوائد، والتي أخذت بالنمو حتى مشروع موازنة 2025/2026.
لكن البيانات أشارت إلى انخفاض دين أجهزة الموازنة نسبة للناتج المحلي من 95.7% في يونيو 2023 إلى 89% من الناتج المحلي في يونيو 2024، ومن المتوقع انخفاضه إلى مستويات بين 85% و86% في يونيو 2025، ويستهدف مشروع موازنة العام المالي 2025/2026 توجيه الانخفاض إلى 81% من نسبة الناتج المحلي.
أضاف أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير القطاعات ذات الإيراد الدولاري المرتفع مثل السياحة، وتصدير الغاز، وقناة السويس، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتقليل الاعتماد على الديون.
أكد عبدالحكيم، أن إعادة هيكلة بعض الديون الخارجية بفوائد أقل وآجال سداد أطول يمكن أن يخفف من عبء الدين بشكل كبير.
وطبقًا لأحدث بيانات، ارتفع الدين الخارجي لمصر 1.6 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الحالي ليسجل 156.7 مليار دولار مقابل 155.1 مليار دولار بنهاية 2024.
وتابع أن مصر في مسار صحيح نحو الإصلاح الاقتصادي، ولكن النجاح يعتمد على الاستمرار في ترشيد الإنفاق، وتشجيع الاستثمار، وزيادة الصادرات، والاستمرار في شبكات الحماية الاجتماعية، مع التركيز بشكل خاص على التعليم والبحث العلمي.
وأوضح أن دعم الطاقة والسلع غالبًا ما يكون مكلفًا على ميزانية الدولة، ويستفيد منه الأغنياء أكثر، وإعادة هيكلته لا تعني إلغاؤه، بل تعني تحويل الدعم العيني إلى نقدي، فبدلاً من دعم الوقود مثلاً، يمكن توفير دعم نقدي مباشر للأسر الأكثر احتياجًا، مما يضمن وصول الدعم لمن يستحقه.
بالإضافة إلى الاستخدام الأمثل للموارد، فعندما يتم تسعير الطاقة بشكل عادل، يقل الهدر في استهلاكها، مما يوفر موارد يمكن استغلالها في قطاعات أخرى.
وقد تم توفير 9.5 مليار جنيه كدعم للغذاء في الأشهر التسعة المنتهية في مارس 2025 بنمو 8% عن الفترة نفسها من العام الماضي، وزادت مخصصات العلاج على نفقة الدولة لتصل إلى 11 مليار جنيه بنمو 35%.
نجلة: مصر تواجه هيكلًا اقتصاديًا أكثر تعقيدًا بفعل واردات القمح والوقود والدين الخارجي
وقال محمود نجلة، المحلل الاقتصادي والمدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت في شركة الأهلي لإدارة الاستثمارات المالية، إن التجربة المصرية تختلف في ملامحها عن التجربة البرازيلية، موضحًا أن البرازيل حققت “طفرة سلعية” عن طريق تعزيز صادراتها وزيادة مواردها،
بينما تواجه مصر هيكلًا اقتصاديًا أكثر تعقيدًا بفعل ارتفاع وارداتها من القمح والوقود، وتزايد أعباء الدين الخارجي، فضلًا عن الاحتياجات الكبيرة للإنفاق الاجتماعي.
وأشار إلى أنه يمكن لمصر الاستفادة من التجربة البرازيلية رغم اختلاف الظروف، أبرزها الاستثمار في التعليم والصحة باعتبارهما ركيزة لبناء قوة عاملة منتجة، وهو ما كان أحد مفاتيح نجاح البرازيل.
وتشهد مصر نموًا ملحوظًا في الإنفاق على قطاع الصحة، إذ أظهرت بيانات الموازنة أن معدل الإنفاق نمى 27.1% في الأشهر التسعة المنتهية في مارس 2025، حيث بلغ 158.6 مليار جنيه، مقابل 124.8 مليار جنيه نفس الفترة من العام الماضي.
ويعتبر الاستثمار في الصحة جزء لا يتجزأ من الإنفاق، إذ نمى الاستثمار 51.7% مسجلًا 22.3 مليار جنيه في نهاية الأشهر التسعة المنتهية في مارس 2025، مقابل 14.7 مليار جنيه في نفس الفترة من العام الماضي، وهذا يشير إلى اتجاه الدولة تعزيز الاستثمار في الصحة.
وبالنسبة لقطاع التعليم، أظهرت بيانات الموازنة أن الدولة أنفقت إجمالي 221.2 مليار جنيه على التعليم في الأشهر التسعة المنتهية في مارس 2025 مقابل 179.6 مليار جنيه في نفس الفترة من العام الماضي بنمو 23.2%.
ورغم استحواذ الأجور وتعويضات العاملين على معظم الإنفاق، إلا أن النمو في الاستثمارات كان الأعلى بنسبة 61.4%.
أضاف نجلة أن توجيه الدعم للفقراء يجب أن يكون بشكل نقدي مشروط، على غرار برامج “تكافل وكرامة”، بدلًا من الدعم العيني، لما له من أثر مباشر في رفع القوة الشرائية وتحفيز النمو.
وأضاف أن إصلاح المالية العامة يظل شرطًا أساسيًا، من خلال تحقيق فائض أولي مستدام وتوجيهه نحو خفض الدين، بدلًا من التوسع في الإنفاق الاستهلاكي، مع ضرورة تبني “انضباط مالي ذكي” يقوم على ترشيد النفقات غير الضرورية، وإعادة هيكلة دعم الطاقة والسلع، وتقليل الهدر الإداري عبر دمج بعض الهيئات المتشابهة، إلى جانب زيادة الإيرادات عبر توسيع القاعدة الضريبية دون رفع الضرائب.
وبلغت الإيرادات الضريبية 1.44 تريليون جنيه في الفترة بين يوليو 2024 وحتى مارس 2025، مقارنة بـ 1.04 تريليون جنيه في نفس الفترة من العام السابق وذلك بنمو 37.8%.
وأظهرت البيانات أن إيرادات الضرائب زادت إلى 8.3% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في الأشهر التسعة المنتهية مارس 2025، مقارنة بـ 7.5% في فترة المقارنة من 2024.
وأكد نجلة أن نجاح مصر يحتاج إلى “مزيج خاص” يراعي اختلاف الموارد والسكان والموقع الجغرافي، ويجب أن تعتمد على تقليل مخاطر الدين والسيولة الدولارية عبر خفض الفائدة وتمديد آجال السداد وحماية الاحتياطي النقدي.
أضاف أنه يجب إعادة ترتيب الإنفاق العام بما يضمن تحقيق فائض أولي مستدام دون إجراءات تقشفية قاسية على الفئات الأضعف، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الاستيراد، لكن بصورة انتقائية وموجهة نحو تعزيز الإنتاج المحلي، لتجنب القيود التي قد تضر بمدخلات الصناعة وتؤدي إلى الندرة وارتفاع الأسعار.
متولي: نجاح البرازيل لم يكن في اختفاء الدين العام.. بل تحقيق فوائض أولية لسنوات طويلة
وقال علي متولي، محلل اقتصادي واستشاري لدى IBIS للاستشارات، إن المقارنة بين مصر وتجارب مثل البرازيل تحتاج إلى قدر كبير من الدقة، لأن السياق مختلف، إذ إن البرازيل استفادت من طفرة سلعية في الحديد والصويا والبترول رفعت صادراتها وإيراداتها الضريبية، بينما يعتمد الاقتصاد المصري على السياحة وقناة السويس والتحويلات الخارجية، إلى جانب كونه مستوردًا صافياً للغذاء والطاقة.
وأوضح أن نجاح البرازيل لم يكن في اختفاء الدين العام كما يُشاع، بل في قدرتها على تحقيق فوائض أولية لسنوات طويلة، وسداد قرض صندوق النقد، وبناء احتياطيات عززت الثقة وخفضت علاوة المخاطر.
وكشفت بيانات صادرة عن البنك الدولي أن مصر ستسدد 20.3 مليار دولار النصف الثاني من العام الحالي، وتشمل 4.6 مليار دولار ودائع معظمها لصالح دول خليجية.
أضاف متولي، أن درس البرازيل الأساسي هو الانضباط المالي الذكي المصحوب بسياسات اجتماعية موجهة ونمو في الصادرات، وليس حلولاً سحرية .
وأشار إلى أن خريطة الطريق الواقعية لمصر تقوم على فائض أولي يفوق 2% لثلاث سنوات متتالية، وطروحات بقيمة 3-5 مليارات دولار سنويًا يوجه معظمها لسداد الديون بالعملة الصعبة، وحوكمة للمشتريات العامة توفر نحو 1% من الناتج، وتحوط ذكي لمخاطر الطاقة، وبرامج مهارات مرتبطة بالاستثمارات الجديدة.
وشدد على أهمية إدارة نشطة للديون عبر إطالة آجالها، وتنويع أدوات التمويل مثل الصكوك والسندات الخضراء، والتحوط من تقلبات الدولار من خلال اتفاقيات تبادل العملات، وتعميق سوق الدين المحلي وتقليل الاعتماد على الأموال الساخنة.
وفيما يتعلق بالسياسات الاجتماعية، أوضح أن برامج الدعم النقدي المشروط أكثر فاعلية من الدعم السلعي، شرط ربطها بالتعليم والتطعيم والتدريب المهني، بما يحول الدعم إلى استثمار في رأس المال البشري ويعزز الإنتاجية على المدى الطويل، على غرار التجربة البرازيلية.
ولفت إلى أن إصلاح شركات الدولة وهيكلة الأصول أكثر جدوى من مجرد دمج وزارات لتقليل النفقات على الورق. فالإصلاح يقوم على الحوكمة، وإعداد موازنات للبرامج الحكومية، وتعزيز الشفافية في المشتريات، والتحول إلى نظم الشراء المركزي الرقمي، وهو ما يوفر وفرًا ماليًا ملموسًا.
وتابع أن هذه العناصر مجتمعة كفيلة بخفض خدمة الدين تدريجيًا، وتعزيز الثقة، ودعم نمو مستدام لا يرهق الاقتصاد أو يحمّل المواطنين فاتورة دين غير محتملة.
قال متولي، إن مصر لا تحتاج إلى تقشف خشن كالأرجنتين، والذي أدى إلى الركود، وارتفاع البطالة والفقر، وإنما إلى انضباط انتقائي يقوم على ترشيد الإنفاق التشغيلي، وتجميد التعيينات الحكومية خارج القطاعات الأساسية، وتأجيل المشروعات ضعيفة العائد، مقابل الحفاظ على الإنفاق الرأسمالي المنتج في البنية التحتية والطاقة المتجددة والتعليم الفني.
وشدد على أن مصر أفضل حالًا من الأرجنتين وتركيا في إدارة العملة، حيث يحافظ البنك المركزي على استقرار نسبي، لكن تعزيز الجنيه يتطلب انضباطًا ماليًا، ومسار تضخم هبوطي، وتوسيع الصادرات.
أضاف أن استقرار السوق يرتبط باستدامة الفائض الأولي وزيادة الاحتياطيات، لا بالتدخلات المفاجئة.
أكد عبد الحكيم أن تجربة الأرجنتين تجعلنا نستنتج أن التقشف المفرط قد يؤدي إلى انكماش اقتصادي واضطرابات اجتماعية إذا لم يتم تطبيقه بحكمة.
وبخصوص ضم الوزارات أو إحالة أعمالها، أوضح عبد الحكيم أن تقليل المصروفات على بعض الوزارات أو دمجها ليس غاية، بل وسيلة لتحقيق الكفاءة الحكومية، وإذا كان سيؤدي إلى تقليل البيروقراطية وتحسين الخدمات، فهو إجراء إيجابي.
وتابع أن الهدر الإداري هو أحد أكبر مصادر فقدان الأموال والجهد، فدمج الهيئات والوزارات المتشابهة هو خطوة إيجابية لأنها تقلل التكاليف وتخفض النفقات التشغيلية والرواتب، وتحسن الكفاءة، بالقضاء على الازدواجية والتضارب في الاختصاصات بين الهيئات.
بالإضافة إلى تبسيط الإجراءات، والتسهيل على المستثمرين في التعامل مع الجهات الحكومية، مما يشجع على تحسين بيئة الأعمال.
أضاف نجلة أن تجربة بوينس آيرس التقشفية وضم الوزارات بعيدة تمامًا عن مصر، إذ إن السياسات المالية القاسية التي انتهجتها تمثل خطورة بالغة لو طُبقت في القاهرة، لأنها قد تضغط على الفقراء وتؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.
وأشار إلى أن تجربة الأرجنتين تمثل تحذيرًا أكثر منها نموذجًا، خاصة أن الإفراط في التقشف والتوسع في الديون كانا سببًا مباشرًا في الانهيارات المتكررة.
واقترح نجلة إعادة هيكلة بعض الوزارات في مصر، مثل ضم وزارة قطاع الأعمال العام إلى وزارة المالية أو الصندوق السيادي مع نقل الشق التنفيذي إلى وزارة التجارة والصناعة، ودمج وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج مع وزارة الخارجية عبر وحدة متخصصة بالمغتربين.
بالإضافة إلى دمج التعاون الدولي مع وزارتي التخطيط أو المالية، نظرًا لارتباط التمويل الخارجي بالسياسات المالية.
أضاف أنه يمكن تحويل وزارة البيئة إلى هيئة مستقلة ضمن وزارة الإسكان والموارد المائية مع الاحتفاظ بجهاز رقابي بيئي، وضم وزارة الطيران المدني إلى وزارة النقل كهيئة تنظيمية، على أن تظل الأنشطة التجارية تحت إدارة شركة مصر للطيران.
وأكد أن مثل هذه الاندماجات لا تحقق فقط وفورات في النفقات الإدارية، بل تسهم في تسريع اتخاذ القرار وتعزيز المحاسبة والشفافية، إلى جانب إعطاء انطباع إيجابي لصندوق النقد والمستثمرين بشأن جدية الإصلاح الإداري والمؤسسي.
وحذر نجلة من تكرار سيناريو الأرجنتين التي قلصت وزاراتها فجأة من 18 وزارة إلى 9 وزارات خلال عام 2023، مما أدى إلى صدمة إدارية وارتباك في عمل المؤسسات، إذ إن أي عملية دمج في مصر يجب أن تتم تدريجيًا وبخطط انتقالية واضحة تضمن استمرارية الخدمات وجودتها.
0 تعليق