مع إعلان أحمد كجوك وزير المالية، الأسبوع الماضي، قرب إطلاق حزمة التيسيرات الضريبية الثانية، يترقب المجتمع الضريبي الإجراءات التي يجب أن تتصدر أولويات هذه الحزمة لتحقيق نقلة نوعية فى كفاءة المنظومة الضريبية.
وفى استطلاع لـ “البورصة”، تحدث كبار خبراء الضرائب المصرية، حول الإجراءات والتدابير التي يتوقعون أن تضمها الحزمة الجديدة لتعزيز بيئة الأعمال ودفع عجلة النمو الاقتصادي.
محارم: ضرورة التجاوز عن غرامات التأخير بنسب متدرجة
قال ياسر محارم، الأمين العام لجمعية الضرائب، إن تراكم غرامات التأخير والجزاءات المالية يشكل عبئاً ثقيلاً وغير عادل على كاهل الممولين الجادين والملتزمين، الذين سارعوا لتسوية التزاماتهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
أضاف أن أسعار الفائدة المرتفعة التي سادت منذ عام 2020 أدت إلى تضخم هذه الأعباء المالية، مما حوّل موارد كان يمكن أن تُستثمر في توسيع النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل ودفع عجلة النمو، إلى مجرد التزامات لتسديد غرامات.
وطالب أمين عام جمعية الضرائب المصرية، بأن تتضمن حزمة التيسيرات الضريبية المرتقبة للمرحلة الثانية، مادة خاصة للتجاوز عن غرامات التأخير والجزاءات المالية بنسب متدرجة تحفز على السداد الفوري وإنهاء النزاعات، ما يمكن مصلحة الضرائب من غلق آلاف الملفات العالقة والمتراكمة، وتحقيق وفورات مالية للخزانة تتراوح بين 100 و150 مليار جنيه.
أكد محارم، أن حزمة التيسيرات والحوافز الضريبية الأولى استهدفت بشكل صريح غير الملتزمين، ومنحتهم مزايا غير مسبوقة تشمل إعفاءات من أصل الضريبة وتخفيضات كبيرة حال الخضوع للفحص التقديري وتجاوزاً كاملاً بنسبة 100% عن غرامات التأخير على الإقرارات غير المقدمة أو المعدلة.
وبحسب الأمين العام لجمعية الضرائب المصرية، فإن الحزمة الأولى شهدت تنازلاً كاملاً عن أصل الضريبة وغرامات التأخير والجزاءات المالية المتعلقة بضريبة التصرفات العقارية والأرباح الرأسمالية للسنوات الأقدم على خمس سنوات.
وفي المقابل، وجد الممولون الملتزمون الذين سارعوا إلى تسوية التزاماتهم وسددوا مستحقات الخزانة العامة بأنفسهم، أن هذه الحوافز الكبرى قد تجاوزتهم دون أن ينالوا منها أي نصيب، بل إنهم تحملوا أعباء مالية إضافية كان من الممكن أن تكون مؤهلة للإعفاء لو أنهم انتظروا.
دعا محارم، إلى إعادة النظر في التعديل التشريعي لقانون فرض المساهمة التكافلية، سواء بتخفيض النسبة لو فرضت على الإيرادات أو فرضها بنسبة من صافي الأرباح، وكذلك ضم جميع فئات المجتمع الضريبي لفحص المساهمة التكافلية سواء الجمعيات الأهلية أو المؤسسات التي لا تهدف إلى الربح، أو الغرف التجارية أو أي كيان اقتصادي أو تجاري أو خدمي، كتوسيع قاعدة فرض المساهمة التكافلية عليها، وكذلك العدالة في توزيعها على جميع فئات المجتمع، نظراً لاستفادة المجتمع بها مستقبلاً.
أضاف أن المجتمع الضريبي يتطلع إلى مد أجل تقديم تسويات ضريبة المرتبات لمدة أخرى، نظراً لتأخر مصلحة الضرائب المصرية في تفعيل حزمة التسهيلات الأولى فيما يخص إقرارات وتسويات ضريبة المرتبات والأجور، وتفعيلها في آخر أسبوع من شهر يوليو، ما أدى إلى عدم استفادة الممولين على مدار أكثر من 5 شهور، وتعطيل تفعيل القانون خلال تلك المدة.
ولفت إلى أن التعديلات الأخيرة على قانون الضريبة على القيمة المضافة، منحت أنشطة المقاولات حق خصم المدخلات، إلا أن عدم وجود فترة انتقالية فى تكيف المشروعات الجارية أو مستخلصات التعاقدات القائمة أربك القطاع، كما تحمل المطورون العقاريون أعباء مالية إضافية جراء فرق الضريبة، دون إجراء أى حوار مجتمعي أو مشاورات مهنية مسبقة مع أصحاب المصلحة.
وطالب بإعادة النظر فيما يخص نسبة غير المؤيد لأنشطة المقاولات وغيرها من قطاعات الزراعة والنقل والدباغة والبترول بالنسبة للتكاليف، وخاصة بعد صدور قانون التيسيرات فيما يخص المشروعات التي لا تزيد إيرادتها على 20 مليون جنيه، ومحاسبتها ضريبياً على أساس نسبة من الإيرادات وعدم الالتفات لفحص التكاليف.
وأشار إلى أنه في ظل هذه التعديلات، غاب مبدأ العدالة الضريبية؛ إذ تم استثناء المهنيين من النظام الجديد، ولم يُمنحوا الحق في الخصم الضريبي للمدخلات أسوة بقطاع المقاولات، بينما ظلوا خاضعين لضريبة الجدول القديمة.
وطالب محارم، بإعادة صياغة وتحديث قانون الضريبة على الدخل 91 لسنة 2005 وتعديلاته بعد أكثر من 70 تعديلا لمواد القانون 91 لسنة 2005، وإلغاء العديد من المواد لنقلها إلى قانون الاجراءات الضريبية الموحدة، فضلاً عن التضارب بين بعض المواد والتشوهات التي لحقت به على مدار السنوات السابقة، وأن تتم صياغة مشروع قانون يتواكب مع متطلبات العصر والأنشطة المستحدثة ويواكب الأحداث العالمية، ويتسم بالعدالة الضريبية والوضوح في صياغة مواده، والوضوح في المعالجات الضريبية غير المعقدة لضمان حقوق المستثمر وتوضيح مسئولياته.
هيبة: يجب إنهاء التمييز بين بيع حصص الشركات والأوراق المالية غير المقيدة
وطالب الخبير الضريبي حمدى هيبة، بإجراء تيسيرات للذين باعوا حصصهم فى رؤوس أموال الشركات ذات المسئولية وشركات الأشخاص أسوة بالتيسير الخاص بالتصرف فى الأوراق المالية غير المقيدة بالبورصة، والتى تقضى بأنه إذا تصرف الشخص الطبيعى فى أوراق مالية غير مقيدة خلال السنوات الخمس السابقة على صدور القانون 5 لسنة 2025 طلب المحاسبة عن الضريبة على التصرف خلال 6 أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون مقابل التجاوز عن 100% من مقابل التأخير.
وأشار هيبة إلى أن المعاملة الضريبية لأرباح التصرف فى الأوراق المالية غير المقيدة هى نفس المعاملة الضريبية لأرباح التصرف فى الحصص بحسب قانون الدخل.
وفيما يخص الضريبة على الأرباح الرأسمالية للأسهم المقيدة بالبورصة، اقترح هيبة فرض ضريبة قطعية بسعر مخفف واحد فى الألف أو 2 فى الألف من قيمة التعامل يتحملها البائع والمشتري.
يذكر أن الضريبة المذكورة تم تشريعها فى 2014، ولكن تم تأجيل فرضها عدة مرات، حتى اتجهت “المالية” لاستبدالها بضريبة “الدمغة” على تعاملات الأوراق المقيدة بالبورصة.
لفت هيبة إلى أهمية صدور تعليمات تنفيذية فيما يخص عدم تجاوز مقابل التأخير أو الضريبة الإضافية نسبة 100% من أصل الضريبة المستحقة، بسبب قيام بعض المأموريات بعدم تطبيق النص بدعوى أن عبء الضريبة يقع على عاتق شخص غير مقيم وإن كان من يستقطعها ويوردها شخص مقيم، مشيراً إلى أن نص القانون جاء عاماً وواضحاً فى عبارة “فى تطبيق أحكام القوانين الضريبية”.
شوقى: تفعيل آلية مبسطة لمحاسبة الأرباح الرأسمالية للأسهم غير المقيدة
وطالب شريف شوقي الشريك الرئيسي لقطاع الضرائب بمكتب “برايس ووتر هاوس كوبرز”، بتفعيل آلية مبسطة لمحاسبة الأرباح الرأسمالية للأسهم غير المقيدة بالبورصة، لافتاً إلى أن مأموريات الضرائب المختلفة تتعامل في المحاسبة الضريبية للأرباح الرأسمالية للأسهم غير المقيدة بالبورصة بأساليب مختلفة وتقديرية، إذ لم تصدر مصلحة الضرائب المصرية تعديلات تشريعية لطريقة المحاسبة، ولم تتضمن القرارات الوزارية إصدار دليل القواعد والتعليمات الخاصة بالمعالجة الضريبية في الأوراق المالية، الأسلوب الأمثل للتقييم، خاصة فيما يخص الكيانات الصغيرة والمتوسطة.
أضاف أن المصلحة تلجأ لعدم الاعتداد بالقيمة البيعية للسهم واللجوء إلى إعادة التقدير، وكذلك تكلفة الاقتناء، فضلاً عن أن القانون لم يتضمن اعتماد أي تكاليف مرتبطة بعمليات البيع فيما يخص الأتعاب والمصاريف الخاصة بإعادة التقييم والدراسات والأتعاب القانونية لكتابة العقود والأتعاب المهنية لجميع من اشترك في العملية لإنهاء عملية البيع وتولد الأرباح الخاضعة للضريبة.
العادلى: تفعيل “المقاصة التلقائية” لوقف تراكم الغرامات
وطالب عبدالله العادلي عضو الجمعية العلمية للتشريع الضريبى بتعديل أساس التجاوز عن الغرامات ليشمل التجاوز عن 100% من غرامات الوعاء الضريبي المتفق عليه بين المصلحة والممول، وليس الوعاء الناتج عن الفحص من وجهة نظر المصلحة فقط، لضمان تحقيق التوازن والعدالة.
بالإضافة إلى تعميم مبدأ الاتفاق على الأوعية الضريبية المطبق على الحالات التقديرية ليشمل أيضًا حالات الدفاتر المنتظمة، مما يحفز الجميع على الانتظام ويُنهي التمييز بين الأنظمة.
كما شدد على إلغاء الغرامات كاملةً في جميع الحالات التي تم سداد جزء أو كل من الضريبة الأصلية فيها، أسوة بالمعاملة الممنوحة للحالات التي لم يُبت في خلافها بعد، كمكافأة على حسن النية والالتزام بالسداد.
وطالب العادلي، بوقف تراكم الغرامات تلقائياً بالمقاصة تطبيقاً للمادة 50 من قانون الضريبة على الدخل، بحيث يتم إيقاف احتساب الغرامات فوراً وبقوة القانون عندما يظهر رصيد دائن للممول من أحد أنواع الضرائب، مع تطبيق نظام المقاصة التلقائي لمنع تراكم أعباء مالية غير عادلة.
كما لفت إلى أهمية قبول الإقرارات المعدلة بموجب القانون 5 لسنة 2025، بحيث يُسمح بقبول الإقرارات الضريبية المعدلة وفقاً لقانون التيسيرات الجديد حتى في الحالات التي تم البدء في فحصها قبل صدور القانون، لضمان شمولية التيسير لجميع الممولين دون استثناء.
نصر: تدشين وحدة رصد للحد من التفسيرات الخاطئة
وطالب حسام نصر شريك الضرائب بمكتب إرنست آند يونج، بتدشين وحدة متابعة متخصصة مهمتها الأساسية الرصد والمتابعة المستمرة لمدى تفعيل القوانين الضريبية والتعليمات التنفيذية على أرض الواقع، ما يعزز بيئة الأعمال وضمان عدالة وشفافية النظام الضريبي، إذ تقوم الوحدة الجديدة برصد أي معوقات في التطبيق أو تفاوت في تفسير النصوص بين المكاتب الضريبية المختلفة، مما يسهم في معالجة الثغرات ووضع حلول عملية لها، وكذا توحيد آليات العمل وتقليل مساحة الاجتهادات الفردية التي قد تؤدي إلى لبس أو شكاوى من الممولين.
ونوه إلى ضرورة وجود آلية توضح الفترات الزمنية المطلوبة لإنهاء الإجراءات مثل الرد على طلب الاسترداد، ولفحص إقرار معين، ما يخلق مسائلة داخلية ويجعل توقعات الممول واقعية.
النفراوي: إعفاء الشركات القابضة المصرية من تقديم “الملف الرئيسي والمحلي”
وطالب محمد النفراوي الأمين العام للجمعية المصرية للمالية العامة والضرائب، باستثناء الشركات القابضة والأم ذات الأطراف المرتبطة والتى مقرها مصر، من تقديم الملف الرئيسي والمحلى، مع الاكتفاء بذكر المعاملات عند تقديم الإقرار الضريبي.
ولفت إلى أن القانون الحالي يفرض غرامات مالية حال عدم تقديم الملفات للأشخاص المرتبطة، ما يسبب عبئا إداريا على مصلحة الضرائب، بالإضافة إلى زيادة تكاليف الامتثال الضريبي للشركات الأم.
أشار النفراوي، إلى ضرورة عمل دراسة حقيقية للآثار المترتبة على إصدار قوانين حزمة التيسيرات الأولى لمعالجة الآثار السلبية والمعوقات التى تسببت فى عدم انجاز بعض الأهداف.
كما طالب بتعديل المادة الثالثة من القانون 30 لسنة 2023 بحيث تشمل الفترات المالية حتى نهاية 2024 لسد الفراغ التشريعى، مما ينتج عنه حل لكثير من المنازعات بجميع المأموريات، وذلك خلال برنامج زمنى محدد
وتابع: “يجب فتح الباب أمام قبول الطعون المرفوعة على المنظومة الضريبية (ساب ) لمدة 6 أشهر من تاريخ صدور القانون حتى تستطيع اللجان حل الخلافات والمنازعات ما يعود على المصلحة والممولين”.
أبوزهرة: إطلاق وحدة بيانات داخلية بالمصلحة لتسعير المعاملات
وطالب خالد أبوزهرة رئيس لجنة الضرائب بمجلس الأعمال المصري الكندي، بإنشاء قاعدة بيانات داخل مصلحة الضرائب لتسعير المعاملات بين الأطراف المرتبطة، تكون مرجعًا رسميًا للجهات الضريبية والشركات العاملة في السوق، خصوصًا الشركات متعددة الجنسيات والشركات القابضة المحلية.
وأوضح أن هذه القاعدة ستسهم في تعزيز الشفافية والعدالة الضريبية، من خلال توحيد أسس التسعير وتوفير بيانات موثوقة يمكن الرجوع إليها عند تحديد أسعار السلع والخدمات بين الكيانات المرتبطة داخل نفس المجموعة.
واقترح إتاحة هذه القاعدة من الكيانات التجارية الكبرى من خلال نظام اشتراكات رسمية، يتيح لها الوصول إلى بيانات محدثة ومبنية على مؤشرات السوق الفعلية، مما يساعدها في الالتزام باللوائح الضريبية وتفادي المخاطر المحتملة عند الفحص الضريبي.
وهذه الخطوة ستدعم جهود مصلحة الضرائب في مكافحة التلاعب بالتسعير وتحسين الامتثال الضريبي بشكل عام، إذ تقوم المنصة بجمع وتنقية البيانات من مصادر متعددة مثل أسعار السوق، وبيانات المخاطر، وتكلفة رأس المال، والسيولة، والبيانات الاقتصادية الكلية.
وفى الختام يبرز سؤال جوهري: هل ستتحول هذه الحزمة إلى نقطة تحول حقيقية في مسيرة الإصلاح الضريبي؟
0 تعليق