إن المقالات المنشورة في خانة "مقالات وآراء" في "النشرة" تعبّر عن رأي كاتبها، وقد نشرت بناء على طلبه.
وقال الله ليكن نور (سفر التكوين). ازرع حبا حيث تمر، انثر عطرا حيث تمر، انشر خيرا حيث تمر، أفِضْ كرما حيث تمر، ازرع طيبا حيث تمر، كن كالصندل اذا ضربتك الفأس تركت عليك عطرا، واذا وقعت عليها فاحت رائحة العطر منك.
عابر أنت على دروب الحياة، كائن الرحيل انت والغياب والعبور، فاترك عطرا حيث تمر، واترك اثرا طيبا حيث تمر، وقبل ان ترحل كن ناعما حنونا كالمغيب، وخيرا ونبع فرح، ونور كشروق الشمس والقمر.
عابر انت على دروب الحياة، لن يبقى الا الخير الذي صنعته والحب الذي اعطيناه، كل شيء سينتهي يوما. انها انتروبولوجيا معطوبية الرحيل والعبور ووجودية الفناء والزوال.
اترك عطرا حيث تمرّ، ازرع سلاماً حيث تمرّ، أنشر حباً حيث تمرّ، إنضح طيباً حيث تمرّ، أنثر فرحاً حيث تمرّ. معطوبيتنا تحمل في طياتها نهائيتنا وكما يقول الفيلسوف هيدن، ان الانسان جاهز للموت باللحظة التي يولد فيها. إنها انتربولوجيا المعطوبيّة الوجودية La précarité existentielle.
نحن نعيش كما يقول الفيلسوف الفرنسي اوغوست كونت نعيش أكثر مع الاموات اكثر مما نعيش مع الاحياء، فالانسان ليس هو فقط كائن النسيان بل هو ايضا كائن الذكريات التاريخية Historicité والتزامنية اي الوجود في الزمن، اي الوعي بالحضور في التاريخ: الماضي الحاضر والمستقبل.
جرحنا الوجودي لا شفاء لنا منه بالرغم من الغربة والكآبة، الا بلقاء الوحيد الازلي المطلق الذي هو الله العاطي معنى لوجودنا، وهو ارتواء لظمئنا الكياني ولعطشنا الدائم الى ازليته، التي لا تهدئ قلق فنائنا. وحده الرجاء المسيحي هو الدواء والشفاء ونور حياتنا المصلوبة على الوجع والمرض والفشل والخوف من الموت التي تمحوها كل ظلام الدنيا. والخروج من الكابة والغربة والشعور باليأس وعدم الاطمئان لذلك النور الحقيقي يأتينا من الايمان بالله والاتكال عليه وعلى محبته وعنايته، فترفع الانتروبولوجيا الانسانية الوجودية الى النوارنية التيولوجية الالهية نبع الاستقرار والسكينة.
0 تعليق