نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
صورة زيلينسكي بين قرارين, اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025 01:28 مساءً
في صباح الرابع والعشرين من فبراير 2022، حين اجتاحت الدبابات الروسية أطراف كييف، اتخذ فولوديمير زيلينسكي القرار الذي غيّر مسار حياته وبلاده: رفض عروض الخروج إلى المنفى، وأصرّ أن يبقى في العاصمة مقاوماً. حينها ردّد عبارته الشهيرة: «أحتاج إلى وسيلة قتال وليس وسيلة نقل». تلك اللحظة صنعت منه رمزاً عالمياً للصمود.
اليوم، وبعد أكثر من ثلاث سنوات من حرب اودت بحياة مئات الآلاف وأرهقت أوصال الدولة الأوكرانية، يقف الرئيس نفسه أمام مفترق لا يقل خطورة. لكنه هذه المرة لا يواجه قراراً لحظياً تحكمه غريزة القائد الوطني المقاتل، بل معادلة سياسية وعسكرية وجيوسياسية شديدة التعقيد: هل يواصل القتال حتى آخر جندي، أم يغامر بقبول هدنة تُجمّد الصراع دون أن تنهيه؟
تبدّل ميزان الحرب
الوقائع على الأرض تميل ضد كييف. روسيا ثبّتت سيطرتها على القرم وأجزاء واسعة من دونباس، فيما تعاني أوكرانيا نقصاً في المقاتلين وتراجعاً في إمدادات السلاح الغربي. أوروبا، التي كانت في البداية شريكاً سياسياً، وجدت نفسها اليوم المموّل الأكبر للمعركة، بينما شعار "استعادة حدود 1991" يبدو أبعد من أي وقت مضى.
وسط هذا الانهاك، برزت دبلوماسية سريعة الإيقاع: دونالد ترامب استقبل فلاديمير بوتين في ألاسكا، ثم اجتمع مع زيلينسكي وزعماء أوروبيين في البيت الأبيض، وبدأ يطرح علناً فكرة حوار مباشر بين الرئيسين الروسي والأوكراني.
صورة جديدة: ترامب في دور الوسيط، الأوروبيون يطالبون بضمانات، وزيلينسكي عالق بين خسائر الجبهة وضغوط التفاوض.
معضلة الضمانات الأمنية
السؤال الجوهري في كل لقاء: أي حماية ستحصل عليها أوكرانيا إذا أوقفت القتال؟ الأوروبيون يريدون تعهداً شبيهاً بالمادة الخامسة في ميثاق الناتو، بينما يكتفي ترامب بوعود غامضة عن "أمن جيد جداً". زيلينسكي، بواقعية قاسية، يجيب بكلمة واحدة: "كل شيء".
الالتباس مقصود: أوكرانيا ترى أن أي تنازل إقليمي من دون مظلة أميركية ملزمة هو انتحار، روسيا تعتبر تلك الضمانات خطاً أحمر، أما ترامب فيوازن بين إرث "صانع السلام" وبين حدود التزامه العسكري.
الهدنة كخيار واقعي
كثير من الدبلوماسيين المخضرمين يحذّرون من الذهاب مباشرة نحو "تسوية نهائية" تشمل تنازلات في الأرض، لأن ذلك يكافئ المعتدي ويفتح الباب لتغييرات حدودية بالقوة. البديل الأكثر واقعية، برأيهم، هو وقف لإطلاق النار.
تجارب التاريخ ليست بعيدة: قبرص وكوريا منقسمتان منذ عقود، لكن وقف القتال هناك منع المزيد من الدماء. مثل هذا الترتيب لا يمنح الشرعية لموسكو، ولا يسقط حق كييف القانوني بأرضها، لكنه يوقف النزيف ويفتح ثغرة للحياة الطبيعية، فيما تبقى العقوبات ورقة ضغط بانتظار تسوية أبعد مدى قد لا تأتي إلا بعد رحيل بوتين نفسه.
معضلة ترامب
ترامب يطرح نفسه كعرّاب الهدنة، لكنه لم ينجز ما يراه الخبراء شرطاً أساسياً: تغيير حسابات بوتين. من دون استمرار الدعم العسكري والاستخباري الأميركي لأوكرانيا، ومن دون بقاء العقوبات، لا يرى الكرملين سبباً للتنازل.
هنا تكمن المفارقة: الرئيس الأميركي قد ينسف هدفه بنفسه، إذ يقدّم دبلوماسية بلا قوة ضغط، فيمنح بوتين الوقت بدل أن يفرض عليه المساومة.
إرث زيلينسكي
القرار بالنسبة لزيلينسكي وجودي. في 2022 خاطر بكل شيء حين اختار البقاء. اليوم المخاطرة قد تكون في قبول هدنة يراها كثير من الأوكرانيين استسلاماً مؤجلاً. استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية تريد نهاية للحرب، لكن عبارة "الأرض مقابل السلام" ما زالت تنقسم حولها البلاد.
قد يجادل الرئيس بأن بقاء كييف وخاركيف وأوديسا تحت السيادة الأوكرانية كافٍ لضمان بقاء الدولة نفسها، وأن هدنة مدعومة بأفق أوروبي قد تكون أقل قسوة من حرب مفتوحة إلى ما لا نهاية. لكن ذاكرة التضحيات ستظل ثقيلة، وأي توقيع على هدنة سيبقى محكوماً بتهمة "خيانة الدماء".
من رمز المقاومة إلى صانع البقاء
رحلة زيلينسكي تبدو مفارقة تاريخية: أول قراراته العظمى كان القتال حيث كان الاستسلام هو الخيار الأسهل. وقراره الثاني ربما يكون وقف القتال حيث يبدو الاستمرار أكثر بطولة. كلاهما مصيري، وكلاهما يحمل وزنه في كتب التاريخ.
ما بين واشنطن وموسكو والعواصم الأوروبية، لن يُقاس مستقبل أوكرانيا فقط بعدد الكيلومترات المستعادة أو المفقودة، بل بقدرة رئيسها على اتخاذ قرار آخر، لا يقل خطورة عن ذاك الذي اتخذه تحت القصف قبل ثلاث سنوات.
السيطرة على الأرض
حتى أمس الخميس، تقدر المساحة التي يسيطر عليها الجيش الروسي من الأراضي الأوكراني بحوالي 114,493 كيلومترا مربعا من الأراضي الأوكرانية، البالغة مساحتها 603,628 كيلومترا مربعا، أي نحو 20 % من إجمالي مساحة أوكرانيا أو خُمس الأراضي الأوكرانية.
وتسيطر القوات الروسية على معظم أراضي إقليم دونباس، الذي يشدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة احتفاظ روسيا به.
ووفقا للخريطة التي كشف عنها ترامب في المكتب البيضاوي، تسيطر القوات الروسية على كل مقاطعة لوغانسك تقريبا (99% من مساحة المقاطعة) ونحو 76% من أراضي مقاطعة دونيتسك، وهما المقاطعتان اللتان تشكلان إقليم دونباس، وهذا يعني أن القوات الروسية تسيطر على نحو 88% من مساحة دونباس.
الخسائر البشرية
وفقا لتقارير، فقد أدت المعارك بين القوات الروسية والأوكرانية إلى مقتل ما يصل إلى 1.7 مليون عسكري أوكراني، بحسب وثائق أوكرانية حساسة حصلت عليها مجموعة قرصنة روسية.
بالمقابل تقول كييف إن عدد القتلى من أفراد الجيش الروسي تفوق المليون عسكري، حيث أعلن الجيش الأوكراني، أمس الخميس، إن عدد قتلى الجيش الروسي بلغ 1.073 مليون عسكري.
0 تعليق