يعتبر مفهوم "إسرائيل الكبرى" أحد أكثر المفاهيم إثارةً للجدل في الشرق الأوسط، حيث يتضمن رؤية توسعية تستند إلى تفسيرات شخصية تزعم انها مستقاة من خلفيات دينية وتاريخية لحدود "أرض إسرائيل التوراتية". وقد عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن هذا المشروع في مناسبات متعددة، مما أثار مخاوف إقليمية واسعة حول التأثيرات المحتملة على دول المنطقة، وخاصة لبنان.
ينطلق تفسير نتنياهو لمشروع "إسرائيل الكبرى" من النصوص التوراتية، خاصة "الوعد الإلهي لإبراهيم في سفر التكوين"، والذي يحدد الأرض الموعودة "من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات". هذا التفسير المزاجي للنصوص الدينية يشكل الأساس الايديولوجي للحركات الصهيونية التي تروّج أن استعادة هذه الأراضي "واجب ديني"، ومن الطبيعي عندها ان يجد هذا المشروع دعماً قوياً بين التيارات الدينية المتشددة في إسرائيل، خاصة حركة المستوطنين الذين يعتبرون أن التوسع الجغرافي جزء من الرسالة الدينية، مما يجعل من الصعب التفاوض حوله أو التنازل عنه من منظور أنصاره، وهذا ما يزيد من خطورته.
جغرافياً، يمتد مفهوم "اسرائيل الكبرى" ليشمل أجزاء واسعة من بلدان عديدة، بما فيها لبنان وسوريا والأردن ومصر والعراق، وبمجرد ذكر أسماء هذه الدول، يظهر مدى صعوبة المشروع وتنفيذه ومخاطره على شعوب هذه الدول التي عانت من إسرائيل وتصرفاتها لعقود طويلة من الزمن، ولا تزال. كما انه، من الناحية الاستراتيجية، يهدف المشروع إلى السيطرة على موارد مائية حيوية مثل نهر الليطاني في لبنان ومياه الجولان، إضافة إلى المناطق الزراعية الخصبة في سهل البقاع وجنوب لبنان. هذا السعي للسيطرة على الموارد الطبيعية يضع المنطقة أمام تحديات أمنية واقتصادية معقدة.
ديموغرافياً، يطرح مشروع "اسرائيل الكبرى" تحدياً وجودياً للهوية الديموغرافية لدول المنطقة كافة، ولفكرة "دولة إسرائيل اليهودية"، خصوصاً وان المناطق التي سيتم ضمها تشمل كثافة سكانية عربية، فإما ان تصبح يهودية، او ان يصبح اليهود عرباً! اما الحل الثالث القاضي بنقل السكان أو فرض قيود على حقوقهم المدنية، فدونه عقبات أخلاقية وقانونية وانسانية دولية خطيرة.
وكالعادة، لا يبدو لبنان بعيداً عن هذه المخاطر، فهو يواجه تهديداً مباشراً من هذا المشروع، كما تم ذكره آنفاً، والقلق الكبير من تحويل المطامع الإسرائيلية عبر عقود من الزمن، بأرضه ومياهه، الى واقع لا يمكن اعتراضه او مواجهته. ومنهم من يرى ان الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الجنوب والانتهاكات المستمرة للاتفاقات التي حصلت، يمكن ان تفسّر كخطوات تدريجية نحو تنفيذ هذا المشروع، خصوصاً مع الإصرار على عرقلة عودة السكان الى مناطقهم وقراهم ومنازلهم المدمّرة اصلاً، لانه سيسهّل على الإسرائيليين ضمها وإعادة تشكيل هويتها وفقاً لارادتهم ورغباتهم.
اقتصادياً، يهدد هذا المشروع الاقتصاد اللبناني من خلال السيطرة على الموارد المائية والأراضي الزراعية، مما يضعف القدرة الإنتاجية للبلد ويزيد من اعتماده على الخارج، كما أن الوضع الأمني المتدهور يؤثر سلباً على السياحة والاستثمارات.
مشروع "اسرائيل الكبرى" يمثل، من دون شك، تحدياً استراتيجياً طويل المدى للمنطقة، كما انه يشكل، بالنسبة الى لبنان، تهديداً وجودياً يتطلب استراتيجية دفاعية شاملة تجمع بين البُعد العسكري والدبلوماسي والاقتصادي وحتى الديني. والشرط الأساسي لهذا النجاح يقوم على تضافر الجهود اللبنانية اولاً، والعربية والإقليمية والدولية ثانياً، ووضع حد لجنون بنيامين نتنياهو وجنوحه نحو السيطرة على المنطقة ككل، حيث وضع حجر الأساس لهذا المشروع عبر الترويج والعمل الفعلي على تهجير سكان غزة تمهيداً للسيطرة عليها بموافقة دولية ووسط شلل عربي تام يرقى الى حد العجز.
والتحذير الأهم يبقى في ان ينجح نتنياهو في خطته هذه، لانه عندها سيكون من شبه المستحيل إيقاف مشروعه ورؤيته وتفسيره الخاص للنصوص الدينية حول "إسرائيل الكبرى".
0 تعليق