باراك بين بيروت وتل أبيب: هل اقترب زمن الانسحاب أم دخلنا نفق الابتزاز السياسي؟

الفن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

رغم الطابع الدبلوماسي الذي أحاط بزيارة الموفد الأميركي توم باراك إلى ​لبنان​ ولقاءاته مع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، فإن ما رشح من هذه الجولة لا يخرج عن إطار جسّ النبض واستطلاع المواقف، فالأجواء السياسية في بيروت ظلت مشوبة بالحذر، ومرهونة بما ستؤول إليه نتائج الشقّ الإسرائيلي من الجولة، أي لقاءات باراك مع مسؤولي تل أبيب، والتي بدأت في باريس، والتي ستحدد الوجهة الفعلية للورقة الأميركية، ومدى جديّتها.

الموفد الأميركي، ووفقاً لما تسرب من اللقاءات، نوّه بموقف لبنان وقرارات حكومته الأخيرة، وذهب إلى حد اعتبار أن "لبنان قدم أكثر مما كان مطلوباً منه"، عبارة قد تبدو في ظاهرها إيجابيّة، لكنها في مضمونها تفتح باب التساؤلات حول السقف الحقيقي للمطالب الأميركية والإسرائيليّة، وما إذا كانت هذه التنازلات ستقابل بخطوات مقابلة أم سيتم توظيفها كورقة ضغط إضافية على لبنان.

بحسب مصادر سياسية متابعة، فقد قدّم لبنان في الأسابيع الماضية حزمة من الإجراءات، من ضبط الحدود جنوباً، إلى مواقف سياسية مرنة تجاه مقترحات التهدئة، غير أن الجانب الأميركي، ومعه الإسرائيلي ضمناً، يواصل الحديث عن "المزيد المطلوب". فماذا يعني هذا "المزيد"؟.

تشير المصادر عبر "النشرة" الى ان اللافت في ​زيارة باراك​ أنه لم يتطرق مطولاً إلى الشق السوري في الورقة الأميركية، رغم أنه أشار إلى "اهتمامه" بالملف. وهذا التجاهل لا يبدو عفوياً، بل يعبّر عن نهج أميركي متعمد يهدف إلى تقسيم الملفات وتجزئتها، بحيث يتم التعامل مع كل محور على حدة، مما يضعف قدرة الأطراف المتعددة (لبنان، سوريا، فلسطين) على التنسيق أو فرض شروط مشتركة.

إسرائيل، من جهتها، تتعامل مع الورقة الأميركية كمسار تفاوضي على قاعدة "خذ واطلب أكثر"، فهي وإن أبدت بعض الانفتاح التكتيكي، إلا أنها لم تلوّح حتى الآن بأي نية حقيقية للانسحاب من الاراضي المحتلة أو وقف العدوان، بل إن معظم الرسائل الإسرائيلية العلنية وغير العلنية تشير إلى استعداد للتهدئة فقط إذا ضُمّنت شروطها الأمنية والسياسية بالكامل.

من وجهة النظر الإسرائيلية، المطلوب من لبنان ليس فقط خطوات ميدانية في الجنوب، بل مقاربة استراتيجية مختلفة للمشهد الإقليمي. أي أن تتحول الدولة اللبنانية إلى ضامن فعلي لعدم استخدام أراضيها كجبهة مقاومة، وهذا يعني عملياً الدخول في صدام داخلي مع "​حزب الله​"، وهو أمر لا يملك لبنان ترف الخوض فيه في هذا التوقيت الحرج.

بعبارة أوضح، تريد إسرائيل من لبنان أن يكون نسخة أخرى من دول جارة لفلسطين المحتلة بلا تهديد أمني، حتى لو كان ذلك على حساب توازناته الداخلية.

ترى المصادر ان المرحلة المقبلة ستكون حاسمة، لكن بطيئة. فالجانب الأميركي، بحال لم تحصل مفاجآت جوهرية سيعود الاسبوع المقبل حاملاً ملاحظات وشروطاً إسرائيلية قد تكون أكثر تشدداً مما يتوقعه لبنان، وسيتحوّل المسار التفاوضي من ساحة سياسية إلى لعبة أعصاب، يتم فيها اختبار قدرة بيروت على الصمود من جهة، وقدرة الأميركيين على إقناع تل ابيب بتقديم "شيء ما" للبنانيين من جهة أخرى، علما أن إسرائيل قد تقدم شيئا يتعلق بالعمليات العسكرية لكي يستكمل لبنان مسألة الضغط على السلاح.

لكن إن لم تتبلور مبادرة واضحة المعالم توازن بين ​السيادة اللبنانية​ والمصالح الأميركية-الإسرائيلية، فسنكون أمام حلقة جديدة من الدوران في الفراغ، أو ما يمكن تسميته بـ"الحل المؤجل"، الذي لا يشبه السلام ولا الحرب، بل حالة من الترقب الدائم، انما على حساب لبنان.

تختم المصادر أن زيارة باراك لم تغيّر المعادلة لكنها أضاءت على عمق الفجوة بين ما يقدمه لبنان وما تنتظره إسرائيل، وما ينتظره لبنان بالمقابل وما يجب على إسرائيل أن تقدمه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق