دينا مجدي تكتب: كيف يعزز القطاع المصرفي جهوده في العام الدراسي الجديد؟

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

أطلق البنك المركزي المصري، بداية أغسطس الحالي، برنامج “بكالوريوس العلوم المصرفية”، بالشراكة بين المعهد المصرفي الذراع التدريبية الرسمية للبنك ، والمجلس الأعلى للجامعات، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

ومن المقرر أن يلتحق الطلاب الدارسون بالبرنامج، خلال العام الدراسي الجديد 2025/ 2026، والذي يبدأ خلال أسابيع.

و”بكالوريوس العلوم المصرفية” ليس مجرد برنامج أكاديمي جديد أو خطوة عابرة في ملف التعليم .. بل هو تحول نوعي يعكس إدراك الدولة والقطاع المصرفي أن المستقبل لا يُبنى إلا بالكفاءات.

ويعد البرنامج مشروعا وطنيا عميقا يستهدف إعادة تشكيل البنية الذهنية للعاملين بالقطاع المالي والمصرفي لعقود مقبلة.

ويُصقل البرنامج التعليمي الأكاديمي المهني الجديد، طلابه ، إذ يتميّز باعتماده محليًا من جامعات حكومية، وعالميًا من خلال شراكات مع جامعات ومؤسسات تعليمية دولية، ما يمنح الخريج فرصة بتنوع الاختيارات العملية له بعد التخرج وقت اختيار الوظيفة المناسبة.

وبذلك، يصبح لدينا، لأول مرة، مسار تعليمي يجمع بين التأهيل الأكاديمي المتعمق والخبرة العملية المباشرة داخل البنوك.

وتكسر هذه الصيغة المبتكرة، الحاجز التقليدي بين الدراسة النظرية وسوق العمل، إذ ظل الخريجون يعانون لسنوات من فجوة واسعة بين ما يتعلمونه أكاديميًا، وما يتطلبه الواقع المصرفي من مهارات عملية دقيقة.

ومن هنا جاءت هذه المبادرة لتسد واحدة من أخطر الفجوات التي عانت منها مصر لسنوات طويلة، وهي الفجوة بين قاعات الدرس ومتطلبات السوق.

وتعني الخطوة الجديدة أن الطالب سيصبح جاهزًا للعمل منذ اليوم الأول للدراسة، مزودًا بخلفية أكاديمية رصينة، وفهم تطبيقي حقيقي للعمليات المصرفية، والتقنيات المالية الحديثة، ومعايير الامتثال، وإدارة المخاطر.

وهكذا يسعى البنك المركزي، لصياغة جيل مصرفي يفكر بعقل أكاديمي، وينفذ بخبرة عملية.

ولا يتوقف الأثر المتوقع عند حدود البنوك فقط، بل يمتد ليشكل رافعة أساسية للاقتصاد الوطني.

فالمصارف ليست فقط مؤسسات مالية تدير ودائع وتمنح قروضًا، بل هي قلب الاقتصاد النابض، وحين يتغير قلب الاقتصاد تتغير قدرته على ضخ الدماء في شرايين التنمية.

ولا يكتفي البرنامج بتخريج موظفين، بل يهدف إلى صناعة عقول مصرفية قادرة على التفكير النقدي والابتكار، تجمع بين الصرامة الأكاديمية والخبرة العملية.

ووجود كوادر مصرفية مؤهلة وفق أعلى المعايير يعزز كفاءة الإقراض، ويرفع مستوى إدارة المخاطر، ويفتح الباب أمام ابتكار منتجات مالية تنافس عالميًا.

ولن يدرس الطالب فقط مبادئ التمويل والمحاسبة، بل سيُدمج منذ البداية في بيئة تدريب حقيقية، ليتعامل مع ملفات عدة منها المخاطر، والتحول الرقمي، وابتكار منتجات مالية، والتمويل المستدام، والتشريعات الدولية مثل “بازل 3 ” ومعايير مكافحة غسل الأموال، و أداة مباشرة لتأمين استقرار الأسواق وتعزيز النمو.

كما يصبح قادرًا على ابتكار أدوات تمويل محلية، وتقليص الاعتماد على الاستشارات الأجنبية، وزيادة قدرة البنوك المصرية على المنافسة إقليميًا وعالميًا.

وهكذا يتبنى “المركزي” مشروعا لإعادة هندسة العنصر البشري، الذي يمثل المحرك الحقيقي لأي نظام مالي.

وتعكس هذه المبادرة رؤية استباقية للبنك المركزي، تؤكد أن الاستثمار في التعليم المصرفي المتخصص هو استثمار في استقرار وقوة الاقتصاد نفسه.

وإذا ما كُتب لهذا البرنامج النجاح والانتشار، فسيصبح نموذجًا يُحتذى به في المنطقة، وربما بداية لمدرسة مصرية جديدة في تعليم وعلوم المال والمصارف، وتأكيدًا بأن مصر اختارت أن تستثمر في أثمن ما تملكه وهو عقول شبابها.

كما من المحتمل أن يتحول البرنامج إلى نهج تعليمي رائد، إذا جرى تطويره في مسارات مستقبلية، من خلال التوسع نحو الدراسات العليا، وشراكات إقليمية ودولية مع جامعات عالمية وبنوك إقليمية بما يخلق شبكة عربية إفريقية لإعداد قيادات مصرفية.

وكذلك يمكن الاندماج مع مبادرات التحول الرقمي ليتحول إلى ذراع حقيقية للتنمية الاقتصادية.

ومن المتوقع تصدير التجربة للخارج من خلال استقبال طلاب من أفريقيا والشرق الأوسط، بما يعزز قوتها الناعمة ويضعها في قلب صناعة الكوادر المالية إقليميًا.

وإذا نظرنا إلى التجارب الدولية، نجد أن سنغافورة وضعت قبل عقدين برنامجًا مشتركًا بين جامعاتها والبنوك الكبرى لتخريج متخصصين في التمويل الإسلامي وإدارة المخاطر، ما جعلها مركزًا ماليًا عالميًا.

وفي الإمارات، تعاونت كبرى الجامعات مع البنوك لإطلاق درجات أكاديمية متخصصة في التحول الرقمي المصرفي، ما ساعدها على أن تصبح واحدة من أسرع الأسواق نموًا في مجال التكنولوجيا المالية FinTech.

أما المملكة المتحدة، فتعتمد منذ سنوات على دمج التدريب العملي داخل البنوك في برامج البكالوريوس والدراسات العليا، وهو ما أسهم في احتفاظ لندن بمكانتها كعاصمة مالية عالمية.

وما يميز التجربة المصرية أنها تأتي في توقيت بالغ الحساسية، إذ يمر الاقتصاد المحلي بمرحلة إصلاحات عميقة وتحديات خارجية كبرى، وهو ما يجعل الاستثمار في الكوادر الوطنية أداة دفاع وهجوم في آن واحد، أي دفاع عن استقرار النظام المالي، وهجوم عبر إطلاق منتجات مبتكرة تعزز قدرة مصر على جذب الاستثمارات والمنافسة في الأسواق العالمية.

وها نحن بصدد أن نرى  نهجًا جديدًا من المؤسسات الاقتصادية الأخرى في شتى المجالات، لتطبيق سريع مماثل لما فعل “المركزي”، ما قد يعكس نقلا جيدا لتجارب ناجحة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق