تعمّق مشكلة المياه والجفاف أزمة الغذاء في اليمن، وسط تحذيرات أممية من تدهور واسع في الإنتاج الزراعي، نتيجة شح المياه واستمرار الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، ما يُنذر بتداعيات خطيرة على الأمن الغذائي والزراعة في البلاد.
لم تتوقف تأثيرات أزمة المياه عند حدود تدهور قطاعات اقتصادية حيوية، وتراجع إنتاج الحبوب والبن وعديد المحاصيل الغذائية، بل وصلت إلى مستوى انعدامها للشرب والاستخدامات اليومية في ظل تفجر أزمات وصراعات واحتجاجات شعبية مرشحة للتصاعد خلال الفترة القادمة.
الخبير المتخصص في المياه والتنمية المستدامة، نوري جمال داود، مدير إدارة المتابعة والتنسيق في وزارة المياه والبيئة بصنعاء، يعزو في تصريح لـ"العربي الجديد"، السبب الرئيسي لتفاقم أزمة المياه في اليمن إلى ارتفاع درجة الحرارة التي كانت شديدة في بعض المناطق والمدن الرئيسية مثل صنعاء وتعز وغيرها، مضيفاً: "تابعت فرق من قبلنا حركة الطيور، وكان واضحاً كيف كانت تتساقط بسبب ارتفاع درجة الحرارة التي يقول داوود إنها زادت بواقع 37% عن المستوى المتوسط لدرجة الحرارة بشكل عام في اليمن".
وتؤكد منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، في مطلع شهر يوليو/ تموز 2025، ما ذهب إليه هذا الخبير اليمني المتخصص في المياه، حيث أشارت إلى استمرار ارتفاع درجات الحرارة فوق المعدل خلال مايو/أيار الماضي، حيث تجاوزت 42 درجة مئوية في المناطق الشرقية والساحلية، وأدت هذه الظروف إلى زيادة معدلات التبخر، وانخفاض رطوبة التربة، وإجهاد المحاصيل، حتى في مناطق المرتفعات التي تتميز عادةً بدرجات حرارة أكثر برودة.
ويحذر داوود من أن اليمن في وضع مائي خطير للغاية يهدد بنشوب نزاعات وصراعات واسعة، بالرغم من كونها أزمة مزمنة تعاني منها البلاد، لكنها زادت كثيراً هذا العام بسبب شحّ الأمطار التي تساقطت والجفاف، مؤكداً أن كمية الأمطار التي كانت تصل إلى 250 مليمتراً في المواقيت المتعددة من الهطول تراجعت بمستوى مقلق إلى ما بين 100 و150 مليمتراً، وتهطل خارج مواسمها، فيما كان معدلها في مناطق جبلية مثل إب وسط اليمن، وتعز جنوب غربي البلاد، يصل إلى 750 مليمتراً، لكنها تناقصت عملياً بشكل كبير، وهذا مؤشر مقلق للوضع في اليمن عموماً.
وكان لافتاً أن التدفق المائي الذي ينزل عادة في المرتفعات الغربية من اليمن، كان هذه السنة صفراً، إضافة إلى بروز أزمة جفاف في المناطق الزراعية والمحميات التي أصبحت شبه منتهية بسبب زيادة شدة الجفاف الذي يضرب اليمن. ويكشف داوود عن انخفاض الإنتاج الزراعي في اليمن إلى ما يقارب 40% من 60 – 70%، بسبب تأثير أزمة المياه والجفاف وشحّ الأمطار وتذبذب مواسمها، حيث أدى انخفاض إنتاج الحبوب إلى ارتفاع فاتورة استيرادها، بل وصل الأمر إلى مستوى أبعد من ذلك، ولم يكن في الحسبان أن يشهد اليمن تزايد استيراد المشروبات مثل العصائر والمياه الغازية والمعدنية من الخارج، كما هو حاصل حالياً.
من جانبه، يقول أستاذ علوم المحاصيل في كلية الزراعة بجامعة صنعاء، أمين الحكيمي لـ"العربي الجديد"، إن هناك عوامل عديدة لأزمة نقص المياه في اليمن، أهمها سوء الإدارة للموارد المائية في البلاد، إلى جانب تذبذب في فترات مواعيد الأمطار.
وبحسب الحكيمي، فإن الذاكرة اليمنية، وبالأخص ذاكرة المزارعين، مليئة بسنوات عجاف ومجاعات ونزوح جماعي بسبب الجفاف، وكان الآباء والأجداد يقاومون هذه التغيرات ويواجهونها بأساليب وطرق متعددة، ويقللون من تأثيراتها ويتفادون أضرارها على زراعتهم ومعيشتهم، على عكس ما هو حاصل حالياً من قبل الحكومات المتعددة التي لم تنفذ التوصيات والتوجيهات التي صدرت من المراكز العلمية والبحثية المحلية والدولية.
حسب المنظمة الأممية للأغذية والزراعة "الفاو"، فإن مؤشرات الغطاء النباتي أظهرت تدهوراً ملحوظاً في معظم المناطق الزراعية، حيث تقول في أحد تقاريرها إن نقص الأمطار وارتفاع الحرارة أديا إلى ظهور علامات مبكرة لإجهاد نباتي واسع النطاق، ما قد ينعكس سلباً على إنتاجية المحاصيل خلال الموسم الزراعي الرئيسي.
كان تقرير صادر مطلع إبريل/ نيسان عن منظمة "الفاو" قد أشار إلى انخفاض مستوى الإنتاج المحلي للحبوب في اليمن إلى نحو 13% خلال العام 2024، بسبب شح المياه والجفاف والتغيرات المناخية التي شهدتها البلاد، وخصوصاً المحافظات الرئيسية المنتجة للمحاصيل. وانخفض إنتاج اليمن من الحبوب في الموسم الزراعي الماضي 2024، حسب بيانات زراعية رسمية إلى نحو 416 من 478 طناً عام 2023، حيث تصدرت الذرة الرفيعة النسبة الأكبر من الإنتاج بكمية قدرها 190 طناً.
وتتعرض الموارد المائية لضغوط إضافية شديدة وصلت إلى ذروتها هذا العام في اليمن، بسبب ضعف تدفق المياه وارتفاع الحاجة إلى الري. وتوقعت "الفاو" أن يؤثر استمرار الظروف المناخية نفسها بإنتاج الحبوب خلال العام الجاري 2025، حيث "ستؤدي توقعات نقص المياه وجفاف الطقس وارتفاع درجات الحرارة بين إبريل/نيسان ويونيو/حزيران إلى انخفاض رطوبة التربة بشكل أكبر، ما يُقلل من فرص إنتاج المحاصيل.
0 تعليق