هل تشكل تخفيضات الضرائب الهندية "درعاً" ضد رسوم ترامب؟

sky news arabia 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل تشكل تخفيضات الضرائب الهندية "درعاً" ضد رسوم ترامب؟, اليوم الثلاثاء 19 أغسطس 2025 06:28 صباحاً

وتُشير التغييرات المقترحة إلى تقليص عدد فئات الضريبة من أربع إلى فئتين، في محاولة لتحفيز الاستهلاك ودعم قطاعي المستهلكين والشركات الصغيرة. وفي ظل هذه الإجراءات، تبرز مجموعة من التساؤلات المحورية: هل تُشكل تخفيضات الضرائب الهندية "درعاً" ضد رسوم ترامب؟ وهل يكفي خفض الضرائب لمواجهة حرب ترامب التجارية؟ وهل تُنقذ تخفيضات ضريبة السلع والخدمات الاقتصاد الهندي من رسوم ترامب؟

تخفيضات تدعم الاقتصاد دون المساس بالعجز المالي

وتتوقع الهند أن تُعزز تخفيضات ضريبة الاستهلاك، التي أعلن عنها مودي، الاقتصاد دون المساس بالعجز المالي للحكومة، مما يُسهم في تعويض تداعيات زيادة الرسوم الجمركية الأميركية، بحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.

وصرح مسؤولون في نيودلهي بأن التغييرات المقترحة على ضريبة السلع والخدمات — والتي ستشهد خفض عدد فئات الضرائب من أربع إلى فئتين — ستُفيد مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك المستهلكون والشركات الصغيرة، وأنه سيكون لها تأثير محدود على الإيرادات الحكومية.

وأشار التقرير إلى تقديرات بنك IDFC First Bank Ltd، بأن انخفاض ضرائب الاستهلاك سيساعد على تعزيز النمو الاسمي بنسبة 0.6 نقطة مئوية، في حين يُتوقع أن يكون التأثير على التضخم انخفاضاً بنسبة 0.6-0.8 نقطة مئوية، على مدار 12 شهراً. كما نوه إلى توقعات شركة Emkay Global Financial Services Ltd بانخفاض الإيرادات الحكومية بنحو 0.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مع توقع أن تتحمل الولايات عبئاً غير متناسب من هذا التراجع.

وقالت مادهفي أرورا، الخبيرة الاقتصادية في Emkay "تبسيط هيكل ضريبة السلع والخدمات هو إصلاح مرحب به نحو تعزيز الاستهلاك المحلي، خاصة وأن معدلات الضرائب في الهند آخذة في الازدياد."

وأضاف تقرير الوكالة الأميركية: "وعلى الرغم من أن التغييرات في ضريبة السلع والخدمات كانت قيد المناقشة لسنوات، إلا أن توقيت الإعلان عنها في خطاب مودي بمناسبة عيد الاستقلال كان مفاجأة للكثيرين. وتأتي هذه الخطوة على خلفية تهديد الرئيس دونالد ترامب بمضاعفة الرسوم الجمركية على الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة إلى 50 بالمئة بحلول 27 أغسطس لـ (معاقبة البلاد) على شراء النفط من روسيا".

وقال مودي: "إن الاقتصاد يحتاج إلى أن يكون أكثر اعتماداً على الذات، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والمعادن والدفاع. وجاء إعلانه عن الضرائب بعد يوم واحد من رفع وكالة S&P Global Ratings التصنيف السيادي للهند إلى BBB، وهو أول تحديث للبلاد منذ 18 عاماً.

وقالت وكالة ستاندرد آند بورز إن تعريفات ترامب سيكون لها تأثير "يمكن التحكم فيه" على الاقتصاد الهندي القائم على الاستهلاك. يُسهم الإنفاق من قبل المستهلكين والشركات بأكثر من 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للهند.

وبعد أن أعلن ترامب أنه سيفرض على الهند رسوماً جمركية بنسبة 50 بالمئة، قدّر محللون، بما في ذلك سيتي غروب، أن هناك خطراً سلبياً على النمو السنوي للهند يتراوح بين 0.6-0.8 نقطة مئوية. وقد يُساعد خفض ضريبة السلع والخدمات في تخفيف هذا التأثير.

وقالت غاريما كابور، الخبيرة الاقتصادية في Elara Capital: "قد تُساعد الزيادة في الاستهلاك على إبطال تأثير سيناريو عدم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والهند". وأضافت أن ترقية وكالة ستاندرد آند بورز قد تُعزز أيضًا جاذبية الهند كوجهة استثمارية في وقت يتباطأ فيه النمو.

هيكلية ضريبة السلع والخدمات

ويتكون هيكل الهند لضريبة السلع والخدمات، مع أربع فئات رئيسية للأسعار، عند 5 بالمئة، 12 بالمئة، 18 بالمئة، و28 بالمئة. وستشهد التغييرات المقترحة خفض عدد الفئات إلى اثنتين، مع خضوع معظم السلع التي كانت تخضع لضريبة بنسبة 12 بالمئة و28 بالمئة الآن لمعدل أقل بنسبة 5 بالمئة و18بالمئة على التوالي.

وذكر مسؤولون أن حوالي ثلثي إيرادات الحكومة من ضريبة السلع والخدمات تأتي من فئة ضريبية 18بالمئة، مما سيحد من أي ضرر يلحق بالخزينة العامة نتيجة لهذه التعديلات. وأن أي خسارة في الإيرادات من المرجح أن يتم تعويضها بزيادة محتملة في الإنفاق على السلع الأساسية مثل الطعام التي سيتم فرض ضريبة عليها بمعدل أقل.

بدوره، قال ماهيش ناندوركار، المحلل في Jefferies: "نرى فرصة جيدة لأن تنخفض ضريبة السلع والخدمات على الإسمنت والدراجات النارية وأجهزة تكييف الهواء إلى 18بالمئة من 28 بالمئة بالمئة حالياً".

وأضاف المسؤولون إن المقترحات ستتم مناقشتها من قبل لجنة من وزراء مالية الولايات، ثم تُقدم إلى مجلس ضريبة السلع والخدمات، الذي ترأسه وزيرة المالية في سبتمبر أو أكتوبر. يتمتع مجلس ضريبة السلع والخدمات بالقول الفصل بشأن أي تغييرات في معدلات الضرائب. وقال المسؤولون إن التغييرات ستُنفذ في السنة المالية الحالية.

رسوم ترامب و"سيناريو الكابوس"

ويواجه جزء كبير من الاقتصاد الهندي ما يشبه سيناريو الكابوس. ففي 27 أغسطس، من المقرر أن تتضاعف الرسوم الجمركية المرتفعة بشكل استثنائي البالغة 25 بالمئة التي فرضها الرئيس ترامب على صادراتها إلى الولايات المتحدة، لتصبح 50 بالمئة. ومن المؤكد أن الشركات التي كانت قادرة على الاستمرار ستُغلق بسرعة مع جفاف الطلبات، وفقاً لتقرير نشرته "نيويورك تايمز" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.

وقال اشتياق أحمد خان، صانع سجاد من الجيل الرابع في بهادوهي بولاية أوتار براديش العملاقة: "لقد صُدمنا من الرسوم الجمركية البالغة 25 بالمئة، وكنا نفكر في كيفية مواجهة هذه المشكلة، لكنها الآن أصبحت 50 بالمئة، لذا أصبح الأمر مستحيلًا. نخشى أن يصبح الكثير من الناس عاطلين عن العمل".

وتُعد صناعة السجاد تجارة كبيرة في الهند، حيث يتم شحن 98 بالمئة من المنتج إلى الخارج. وتُشكل السجاد اليدوية الجزء الأكبر من التجارة، في حين أن السجاد المصنوع يدوياً هو الأكثر قيمة. في السنوات الأخيرة، ذهب ما يقرب من 60 بالمئة من هذا المخزون إلى مشترين في الولايات المتحدة. بالنسبة للمستوردين الأميركيين، فإن السجادة التي يبلغ سعرها 500 دولار تأتي الآن برسوم جمركية قدرها 125 دولاراً، ومن المحتمل أن تصل إلى 250 دولاراً.

كما أشار التقرير إلى أن الهند تعتبر المنتج الرئيسي للأدوية الجنيسة المستخدمة في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، وتُعد الولايات المتحدة أكبر سوق استهلاكي لتلك الصناعة. ولكن إعفاءً في تعريفات إدارة ترامب قد تركها في طي النسيان. لا تُكلف استيراد الأدوية الهندية شيئًا في الوقت الحالي. لكن الرئيس وعد بأنه سيكون هناك قريبًا تعريفة بنسبة 150بالمئة، وربما 250 بالمئة في نهاية المطاف، وهو ما يعتقد ترامب أنه سيُطلق الإنتاج في الولايات المتحدة.

وذكر التقرير أن الإعفاءات المماثلة لأشباه الموصلات تجعل من المستحيل التنبؤ بما إذا كان بإمكان التصنيع الإلكتروني المزدهر في الهند - والذي يتجسد في تحول شركة أبل في إنتاج آيفون من الصين إلى الهند - البقاء على قيد الحياة. في الوقت الحالي، هم بمنأى عن الخطر. كما أن الضرر المحتمل الذي قد تُلحقه الرسوم الجمركية بقطاع الأحجار الكريمة والمجوهرات في الهند، وهو جزء آخر ذو قيمة عالية من العلاقة التجارية، ليس واضحًا تمامًا بعد. لكن المطلعين يُطلقون صيحات إنذار، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الولايات المتحدة هي أكبر مشترٍ للأحجار الكريمة الهندية.

تخفيضات الضرائب ليست كافية لتشكيل درع فعال

في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عماد الدين المصبح، أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي: "تواجه الهند تحدياً اقتصادياً حقيقياً مع فرض الرئيس ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25 بالمئة على الواردات الهندية، مع التهديد بزيادتها إلى 50 بالمئة بحلول 27 أغسطس 2025 بسبب استمرار نيودلهي في شراء النفط الروسي. هذه الرسوم تهدد 87 مليار دولار من الصادرات الهندية إلى أكبر أسواقها التصديرية".

وفي مواجهة هذا التحدي، أعلنت الحكومة الهندية تخفيضات في ضريبة السلع والخدمات وضرائب الدخل الشخصي، على أمل أن تشكل هذه الإجراءات درعاً واقياً ضد الرسوم الأمريكية. لكن الواقع الاقتصادي يشير إلى محدودية هذا الحل، بحسب الدكتور المصبح، الذي أوضح أن تخفيضات الضرائب المحلية لا تواجه الرسوم الجمركية الخارجية بشكل مباشر، فالأولى تحفز الطلب المحلي بينما الثانية تضر بالقدرة التنافسية في الأسواق الخارجية.

ويرى أن المشكلة الأساسية تكمن في أن المصدرين الهنود يعملون بهوامش ربح ضئيلة تتراوح بين 5-7 بالمئة، مما يجعل من المستحيل امتصاص رسوم بنسبة 50 بالمئة. وقال: "وبالفعل، شهدت الصادرات الهندية زيادة مؤقتة بنسبة 21 بالمئة خلال الأشهر الماضية، لكنها كانت مجرد تسريع للشحنات لتجنب الرسوم المرتقبة".

واختتم الخبير الاقتصادي المصبح بقوله: "النتيجة أن البنوك والمصدرين الهنود يلجؤون إلى حلول أكثر عملية مثل تحويل الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي وآسيان وأفريقيا، وتقديم دعم مالي مباشر من خلال تخفيضات مؤقتة في أسعار الفائدة وهياكل سداد مرنة. إن تخفيضات الضرائب الهندية ليست كافية لتشكيل درع فعال، والحل الحقيقي يكمن في التنويع الجغرافي للصادرات وبناء علاقات تجارية جديدة مع أسواق بديلة".

منطق "الدرع" المحلي

من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جميل الشبشيري في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "فلسفة الحكومة الهندية بدت واضحة، فإذا كانت الصادرات تتعرض لضغوط، فلا بد من تقوية الطلب المحلي. لذلك جاء تخفيض ضريبة السلع والخدمات على مجموعة واسعة من المنتجات ليس فقط لتخفيف العبء عن المستهلكين، بل كوسيلة لتحفيز الاستهلاك والإنتاج المحلي. هذه الخطوة تعزز السوق الداخلية، وتوفر متنفساً للشركات التي تواجه تقلص الطلبيات الخارجية".

وأوضح أنه على المدى الطويل، تسهم هذه الإصلاحات في خفض تكاليف الإنتاج وتبسيط النظام الضريبي، مما يرفع من تنافسية المنتجات الهندية عالمياً. بهذا المعنى، لم يكن التخفيض الضريبي مجرد سياسة مالية، بل أداة استراتيجية لتعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود.

لكن الواقع الرقمي يكشف حدود هذه المناورة. فقد فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية وصلت إلى 50 بالمئة على العديد من المنتجات، وهو ما عرّض نحو 70 بالمئة من صادرات الهند إلى السوق الأميركية، بقيمة 60.85 مليار دولار، لخطر مباشر، بحسب تعبيره.

وأشار الدكتور الشبشيري إلى انه في قطاع المنسوجات والملابس مثلاً، الذي يصدر ما قيمته 4.8 مليار دولار سنوياً، رفعت الرسوم تكلفة المنتجات الهندية بنسبة 30-35 بالمية مقارنة بمنافسين مثل بنغلاديش وفيتنام، مما أدى إلى تراجع الطلبيات الأميركية بما يصل إلى 40 بالمئة، وشركات كبرى علّقت خطط توسعة، بينما تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة شبح الإغلاق.

الأمر أكثر خطورة في قطاع الأدوية، الذي يعتمد على السوق الأميركية لتوليد نصف إيراداته. التقديرات تشير إلى أن الرسوم قد تقلص أرباح الشركات بنسبة 5-10 بالمئة. أما قطاع المجوهرات، الذي تبلغ صادراته 11.9 مليار دولار، فيواجه منافسة محتدمة من دول لم تُفرض عليها الرسوم نفسها.

  الاعتماد الهيكلي على واشنطن

وأكد الخبير الاقتصادي الشبشيري أن المشكلة الأساسية تكمن في أن الولايات المتحدة ليست مجرد شريك تجاري، بل أكبر سوق للصادرات الهندية، حيث بلغ إجمالي التجارة بين البلدين 212.3 مليار دولار عام 2024، مع فائض كبير لصالح نيودلهي. هذا الاعتماد المفرط يجعل الاقتصاد الهندي هشاً أمام أي تغير في السياسة التجارية الأميركية.

وخلص إلى أن تخفيضات الضرائب الهندية كانت خطوة حكيمة في تعزيز المرونة الاقتصادية، لكنها لم تكن حلاً شاملاً أمام قوة الرسوم الجمركية الأميركية. فالإصلاح الضريبي خفف الصدمة، لكنه لم يلغها، لافتاً إلى أن الحل الحقيقي لا يكمن في السياسات المحلية وحدها، بل في الدبلوماسية التجارية الفعالة، وتنويع الأسواق، وبناء تحالفات اقتصادية جديدة تقلل الاعتماد على سوق واحدة. فالعالم المترابط اليوم لا تحميه الدروع المحلية وحدها، بل الجسور التي تبنى عبر التفاهم والتعاون الدولي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق