يمثل التأمين التكميلي الشامل على السيارات، ركنا هاما في قطاعي السيارات والتأمين على حد سواء.
فالتوسع في بيع السيارات بالتقسيط البنكي، بجانب ارتفاع أسعار السيارات ، يفرضان وجود تغطيات تأمينية خاصة ، لصرف تعويضات مناسبة حال تعرض العميل لحادث بسيارته ، فيما يعرف بالتأمين التكميلي.
وكشف مسح أجرته “البورصة” على عينة عشوائية من منشورات العملاء بمنصة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن منظومة التأمين التكميلي (الشامل) للسيارات ، تتعرض لانتقادات حادة.
وبتحليل عينة عشوائية مكونة من 25 منشورًا على منصة “فيسبوك”، عبر أداتي الذكاء الاصطناعي “mazajak” و”voyant” الخاصتين بتحليل المشاعر، تبين أن مشاعر عملاء تأمين السيارات التكميلي سلبية بنسبة 100%، بينما لم يظهر البحث مشاعر إيجابية أو محايدة نحو ذلك النوع من التأمين.
وجرى تحليل “البورصة” على منشورات عامة من حسابات نشطة على حائط “فيسبوك”، وتبين أن 23 منشورًا تناول ممارسات من شركات خاصة، بينما منشوران فقط حددا سخطهما من القطاع العام خصوصا بسبب “قطع الغيار البديلة”.
وتبين أن 92 % من شكاوى العملاء من شركات خاصة و8% من القطاع العام.
كما أن 40% من العملاء وضعوا “تكلفة الإصلاح” في قمة مشكلات التأمين التكميلي،
إذ جاءت “نسبة التحمل” كأحد أهم الأسباب التي تزعج المتعاملين مع المنظومة ، وتعني مقدار ما يتحمله العميل من مبالغ مالية عند إعادة إصلاح وصيانة السيارة بعد الحوادث، وهي تختلف بين الشركات.
كما يشتكي المتعاملون من تأخير صرف التعويض، في حالات الهلاك الكلي.
وجاء سبب “اختلاف تقدير قطع الغيار”، في المرتبة الثالثة، إذ إن شركات التأمين غالبًا ما تكون لديها قائمة أسعار خاصة بقطع الغيار أقل من سعر السوق. و تلجأ بعض الشركات (خاصة القطاع العام) إلى استخدام قطع غيار بديلة وليست أصلية لتقليل التكلفة.
أما “الهلاك الكلي” فجاء كسبب مؤثر لعزوف العملاء عن التأمين، إذ تقوم شركات التأمين بتقييم السيارات على أنها “Total Loss” إذا تجاوزت تكلفة إصلاحها نسبة معينة من قيمتها، وغالبًا ما تقيّمها الشركات بقيمة سوقية أقل من الحقيقية وقت الحادث.
أيضا جاء “بطء الإجراءات” كأحد أسباب عزوف العملاء عن التأمين، إذ تستغرق إجراءات المعاينة والموافقة على الإصلاح وبدئه وقتًا طويلًا، بينما يظل العميل منتظرًا موافقة الشركة مدة ليست بالقصيرة، فضلًا عن “تعقيد المستندات”، مثل محضر الشرطة وتقرير المعاينة ورخصة السيارة.
وفي كثير من الأحيان، اكتشف عدد من العملاء بعد وقوع الحوادث، أن بعض الحالات مستثناة من التغطية، مثل الحوادث الناتجة عن قيادة شخص غير مالك المركبة، أو القيادة تحت تأثير المخدرات، أو حتى بعض أنواع الأضرار الناتجة عن عوامل طبيعية.
بعيدًا عن العالم الافتراضي، قالت ندى الشبراوي، عميلة شركة تأمين خاصة، لـ”البورصة” إنها بدأت تخليص أوراق إصلاح سيارتها المؤمن عليها، الأمر الذي بدا سلسًا في البداية، ووكّلت من ينوب عنها في ذلك، مشيرة إلى أن الشركة لم تعترض على تلك الخطوة خلال مدة جاوزت شهرًا.
لكنها فوجئت بامتناع الشركة عن سداد قيمة إصلاحات سيارتها، بعد انتهاء الوكيل من العمل فيها، متذرعة بأن تخليص أوراق الإصلاح لدى الشركة ليس من حق صاحب وثيقة التأمين وإنما حامل توكيل رسمي.
رفعت ندى شكوى ضد الشركة إلى رئيس هيئة الرقابة المالية ، ما دفع الشركة إلى تقديم عرض لها بتحمل 50% من تكاليف الإصلاحات .. لكنها رفضته أيضًا، ثم اضطرت في النهاية للموافقة على تحمل 30% من تكلفة إصلاح السيارة (15 ألف جنيه)، كي لا تتحمل إلزام الوكيل لها بدفع أجرة يومية للمركبة (Parking).
وقيمت ندى تجربة التأمين التكميلي في مصر بدرجة “صفر” من 10 درجات، مضيفة:” بنشترك في التأمين، وعندما تقع مشكلة لا نحصل على أي خدمة”.
الأمر ذاته تكرر مع عميل آخر يدعى صلاح محمد، بعدما أدى حادث بسيط -حسب وصفه- لإتلاف مرآة السائق بسيارته، ففوجئ بتحميل شركة التأمين له مبلغ 1600 جنيه إضافية، بحجة أنه لم يؤمّن على مركبته بالقيمة السوقية، مشيرًا إلى أن تلك هي “النسبية” في التأمين.
وتساءل صلاح عن قانونية هذا الإجراء، معلقًا: “هل يُعقل أن أُحاسب على سعر السيارة وقت الحادث، رغم أنني اشتريتها قبل شهرين فقط؟ وإذا ارتفع سعرها بعد 6 أشهر، هل سأتحمل الفارق أيضًا؟”.
أما مصطفى محمود، عميل لدى شركة تأمين عالمية بمصر، فقال إن الشركة امتنعت عن دفع تعويض حادث تعرضت له سيارته بتكلفة 12 ألف جنيه، رغم سريان الوثيقة وقت الحادث، وسداده 37 ألف جنيه قيمة للتأمين السنوي.
وأضاف لـ”البورصة” أن الحادث جاء نتيجة اصطدام دراجة نارية بالجزء الخلفي الأيسر للسيارة، وأسفر عن تلفيات طفيفة تم توثيقها في معاينة الشركة، بينما رفض مندوب الشركة اعتماد الإصلاح، متذرعًا بأن القطع التالفة “سقطت من تلقاء نفسها”، على حد وصفه.
ولفت إلى إجرائه أكثر من معاينة .. لكن الشركة لم ترد بالموافقة على الإصلاح لمدة 3 أشهر، مشيرًا إلى أن مماطلة الشركة تزامنت مع انتهاء وثيقة التأمين، وأنه تلقى تلميحات بعدم تنفيذ الإصلاح إلا إذا جدد الوثيقة مع الشركة.
وقال محمد مهدي، مالك سيارة إنه عزف عن التأمين الشامل على سيارته الجديدة، بسبب بعض البنود التي وصفها بـ”المجحفة” مقارنة بما اعتاد عليه سابقًا، إذ وجد أنه تم تحديد نسبة الإهلاك الكلي بـ40%، إضافة إلى تحمل 2.5% إهلاك على قطع الغيار في السنة الأولى، فضلًا عن أن التعويض في حالة الوفاة لا يتجاوز 25 ألف جنيه.
وأضاف لـ”البورصة” أن الوثيقة تفرض على المؤمن عليه تحمل 25% من تكلفة إصلاح الفوانيس “الليد” الأمامية والخلفية والسقف الزجاجي ووسائد الأمان الهوائية (الإيرباج)، متسائلًا عن جدوى ما وصفه بـ”التأمين الذي لا يحمي!”
فاروق: 6 مليارات جنيه أقساط القطاع سنويًا لإجمالي 5 ملايين عميل
من جانبه، قال عبد السلام فاروق، نائب رئيس لجنة تأمينات السيارات بالاتحاد المصري للتأمين، إن التأمين التكميلي يواجه تحديات رغم تجاوز حجم أقساطه 6 مليارات جنيه سنويًا، نظرا لاحتكاكه بشريحة عملاء يتراوح عددها بين 4 ـ 5 ملايين عميل، واصفًا المشكلات التي تواجه العملاء بـ”عدم الإلمام بشروط الوثائق”.
أضاف لـ”البورصة” أن أكثر من 80% من شكاوى العملاء تأتي جراء حرصهم على السعر الأقل دون الاطلاع على بنود الاستثناءات في الوثائق، ما يجعلهم فريسة لمنافسة سعرية شرسة بين الشركات، فضلًا عن أسعار السيارات وقطع الغيار، التي تسبب مشكلة كبيرة في حساب التعويضات، خاصة في حالات “الهلاك الكلي”.
أكد فاروق، أن الشركات ملتزمة بتطبيق “شرط النسبية” الصادر عن “الرقابة المالية”، إذ تدفع الشركات تعويضًا يتناسب وقيمة السيارة وقت الحادث، مشيرًا إلى قرارات “الهيئة” بتحديد نسبة الهلاك الكلي بـ50% وخصم استهلاك قطع الغيار بما لا يجاوز 20%.
أضاف أن التأمين التكميلي يعوّض الاستخدام الشخصي، ولكنه يمنح تعويضه أيضًا إذا كان قائد السيارة أي فرد من العائلة أو الأصدقاء، بشرط عدم تأجيرها “تجاريًا”.
الصوفاني: كثير من أصحاب الوثائق “مجبرون” على التأمين ويشترون وثيقة ضعيفة
وقال أحمد حسين الصوفاني، عضو لجنة تأمينات السيارات بالاتحاد المصري للتأمين، إن كثيرًا من أصحاب وثائق “التكميلي” يؤمّن “مجبرًا”، لوجود علاقة بنكية تحتّم عليه شراء بوليصة، ما يدفع العميل غالبًا إلى شراء وثيقة ضعيفة. فالشركات تثبت ببنود الوثائق نسب التحمل وحالات الهلاك الكلي والتغطيات الإضافية وما لا يشمله التأمين.
أضاف لـ”البورصة” أن وثائق التأمين تتضمن شروطًا عامة موحدة ومعتمدة من “الرقابة المالية”، وواجب العميل قراءتها بعناية والاستفسار عما يتعلق بها وحالات عدم صرف التعويض، مشيرًا إلى أن شركات التأمين لا تؤخر التعويضات عند استيفاء مستندات إصلاح السيارة، وتلك المدة لا تزيد على 10 أيام في حالات التعويضات الجزئية وتزيد الفترة في حالات الهلاك الكلي.
وهيب: أغلب المشكلات تنشأ بسبب عدم إلمام العملاء بشروط الوثائق
أما باسم وهيب، رئيس قطاع مبيعات السيارات والأفراد بشركة ثروة للتأمين، فقال إن المشكلات التي تواجه العملاء في “التكميلي” تنشأ غالبًا بسبب عدم إلمامهم الكامل بشروط الوثائق، مثل الإجراءات الورقية ونسب التحمل والاستثناءات.
وأوضح لـ”البورصة” أن ممثلي الشركات ووسطاء التأمين، عليهم أن يشرحوا للعميل المميزات والعيوب بما في ذلك التحملات والأسعار، حتى يقيّم “الباقة” كاملة، لاتخاذ قرار مستنير.
إبراهيم: يجب إلزام الشركات بنماذج موحدة وإنشاء آلية فعالة لفض المنازعات
واقترح أحمد إبراهيم، خبير التأمين الاستشاري، أن تلعب “الرقابة المالية” دورًا مهمًا لتحفيز التعاون بين مختلف القطاعات ذات الصلة بالتأمين، مثل المرور والصحة، لتطوير منظومة متكاملة تسهم في تحسين تجربة العملاء وتقليل التكاليف والوقت اللازم لمعالجة المطالبات، فضلًا عن الدور الرقابي لـ”الهيئة” لضمان التزام الشركات التأمين بالمعايير المهنية والأخلاقية في التعامل مع العملاء.
وأوضح لـ”البورصة” أن “الرقابة المالية” عليها إلزام شركات التأمين بتقديم نماذج موحدة وبسيطة للوثائق والمطالبات، وإنشاء آلية فعالة لفض المنازعات بين شركات التأمين والعملاء، وفرض عقوبات على الشركات المتأخرة في سداد التعويضات دون مبرر، وتوحيد معايير تقييم الأضرار وتسعير قطع الغيار، واعتماد نظام تصنيف موحد للورش ومراكز الخدمة.
إبراهيم الهادي عيسى
0 تعليق