وسط التحليلات والتأويلات التي صاحبت مناورات "الأسد الإفريقي" الأخيرة، والتي تعد من أكبر وأهم المناورات العسكرية على مستوى القارة الإفريقية، أثار تدريب الجيش المغربي على تقنيات حرب الأنفاق جدلا واسعا، زاد من حدته مشاركة معدات إسرائيلية في هذه التدريبات، حيث وبينما عمدت بعض الأصوات، خاصة من وسائل الإعلام الجزائرية، إلى تأويل هذه الخطوة على أنها تنسيق مغربي إسرائيلي يستهدف دعم الجيش الإسرائيلي في حربه ضد الأنفاق في قطاع غزة، فإن الوقائع والمعطيات الميدانية تكشف عن خلفيات مختلفة تماما، تعكس في جوهرها احتياجات المغرب الأمنية الخاصة، واستعداداته الاستراتيجية لمواجهة تحديات حقيقية على أرضه.
وتؤكد التقارير والوثائق، أن تدريب الجيش المغربي على حرب الأنفاق ليس وليد اليوم، ولا هو مرتبط بأي أجندة خارجية، بل ينبع من واقع التهديدات التي تمثلها جبهة البوليساريو الإرهابية، والتي وثق تقرير وثائقي شهير صورت فصوله قناة "فايس نيوز" الأمريكية في يوليوز 2014 تحت عنوان "حرب الأنفاق الصحراوية: حرب الصحراء المنسية"، حيث كشف التقرير، الذي يعتبر مرجعا نادرا في فهم تكتيكات جبهة البوليساريو، بوضوح كيف تلجأ هذه الأخيرة إلى استخدام الأنفاق في بعض المناطق شرق الجدار الرملي كجزء من استراتيجيتها العدائية، حيث تسعى من خلالها إلى مباغتة القوات المغربية عبر المرور خلف خطوطها الدفاعية دون رصد.
وظهر خلال هذا الوثائقي، ما يسمى بالقائد الميداني للبوليساريو أحمد سالم في مناورة مع مجموعة من المرتزقة، يشرح فيها أساليب حرب العصابات التي تعتمد على شبكة من الأنفاق حفرت في أرض قاحلة لا تصلح للسكن، مزروعة بالألغام وممتدة في مناطق غامضة لم يكشف عن موقعها تحديدا، لكن المؤكد أنها تبعد بعشرات الكيلومترات عن الجدار الرملي، وهي المعطيات التي عززت لدى الجيش المغربي الحاجة الملحة إلى تطوير قدرة القوات الخاصة على التعامل مع هذا النوع من الحروب، وهو ما ترجم في مناورات الأسد الإفريقي، بتخصيص وحدات مدربة ومجهزة لمهام القتال تحت الأرض.
وتقام مناورات "الأسد الإفريقي"، باعتبارها تمرينا دوليا يشارك فيه عدد كبير من الجيوش من مختلف القارات، خصيصا لتدريب الوحدات الخاصة والجنود على مختلف سيناريوهات القتال، من مواجهة التهديدات الإرهابية إلى الصراعات التقليدية وحرب العصابات، وحرب المدن والأنفاق، ليصبح في هذا السياق من الطبيعي أن يشتمل التدريب على سيناريوهات معقدة كالقتال تحت الأرض، خاصة عندما تتوفر معطيات استخباراتية وميدانية تؤكد استخدام هذا التكتيك من قبل جماعات إرهابية مسلحة تناصب العداء للمغرب، أما محاولة الجزائر تحويل الأمر إلى تأويلات سياسية أو مزايدات دعائية، يبقى مجرد هروب إلى الأمام من واقع معقد، لم يعد ينفع معه إلا وضوح الرؤية واستباق التهديدات بأدوات ميدانية فعالة.
0 تعليق