أجل الاحتلال الإسرائيلي، لليوم الثاني على التوالي، افتتاح مركز توزيع المساعدات في رفح، ضمن الآلية الأميركية الإسرائيلية الجديدة التي تتيح للاحتلال السيطرة الكاملة على العملية الإنسانية في قطاع غزة، وتحويلها إلى أداة ضمن مخططه العسكري. ويأتي ذلك وسط فوضى متصاعدة، واستقالة مفاجئة لمدير مؤسسة "إغاثة غزة" المدعومة أميركيًا، التي تشرف على المشروع.
واكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عبر موقعها الإلكتروني، تأجيل افتتاح مركز توزيع المساعدات في قطاع، بسبب صعوبات لوجستية ، بحسب مصادر إسرائيلية.
وقالت "المركز في حي تل السلطان في رفح، الذي كان من المقرر أن يكون الأول الذي يُفتح أمام سكان غزة، لن يُفتح بسبب صعوبات تشغيلية لا علاقة لإسرائيل بها"، مشيرة إلى أن "تقييمًا للوضع سيُعقد بشأن إمكانية افتتاحه غدًا، وعلى أساسه سيُتخذ قرار بشأن كيفية وموعد تشغيله".
وفي السياق ذاته، ذكرت هيئة البث العام الإسرائيلية ("كان 11"): "المجمع المخصص لتوزيع المساعدات، والذي كان من المفترض أن يُفتتح يوم الاحد في حي تل السلطان برفح.
ونقلت عن مصادر إسرائيلية أن "الأمر يتعلق بمشكلات تشغيلية تتعلق بالشركة الأميركية المتعاقدة".
في المقابل، أفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن أجهزة أمن الاحتلال عقدت، الإثنين، اجتماعا لبحث الوضع الإنساني في قطاع غزة، زعم خلاله مسؤول رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي أنه "لا توجد مجاعة في غزة ولا نقترب من ذلك، هناك ضائقة لكن لا يوجد مجاعة".
وذكرت الجهات المعنية خلال الاجتماع أن أبرز النواقص في القطاع تشمل خدمات الصحة والغذاء، مشيرة إلى تسجيل 110 حوادث نهب خلال الأسبوع الأخير منذ استئناف إدخال المساعدات، ونُسبت هذه الحوادث إلى "سكان محليين، عصابات مسلحة، وعائلات منظمة"، وليس إلى حركة حماس.
وادعى الجيش خلال الاجتماع أن أول نقطة توزيع للمساعدات فُتحت في رفح، ويُتوقع افتتاح ثلاث نقاط إضافية يوم الأربعاء أو الجمعة المقبلين، بحيث تدخل يوميًا 85 شاحنة مساعدات تُوزع على نحو 1.2 مليون فلسطيني.
وفي ظل أوامر الإخلاء المتكررة وسياسات التهجير القسري المفروضة على سكان غزة، تشير معطيات الاحتلال التي طرحت في الاجتماع إلى وجود نحو 850 ألف فلسطيني في خانيونس ومنطقة المواصي، و350 ألفًا في النصيرات والمنطقة الوسطى، مقابل نحو 900 ألف في مدينة غزة ومحيطها، ونحو 110 آلاف في شمال القطاع.
جاء ذلك في حين قالت المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية، حنان بلخي، إن قطاع غزة يشهد واحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم، بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية، وحصارها الخانق للقطاع. وأوضحت بلخي في تصريح صحافي من جنيف، الإثنين، أن الوضع في غزة وصل إلى مستوى كارثي.
وفي تطور لافت، استقال مدير مؤسسة "إغاثة غزة" (GHF)، جاك وود، وهي منظمة إنسانية خاصة مدعومة من الولايات المتحدة ومن المقرر أن تشرف على توزيع المساعدات، قدّم استقالته بشكل مفاجئ، يوم الأحد، أي قبل يوم واحد من بدء عمليات التوزيع المقررة.
وأعلنت GHF، مساء الإثنين، أنها بدأت فعليًا بتوزيع المساعدات الغذائية في القطاع، وأن شاحنات إضافية محملة بمساعدات إغاثية من المتوقع أن تدخل غزة يوم الثلاثاء.وأضافت في بيانها أن جون أكري سيتولى منصب المدير التنفيذي المؤقت للمؤسسة، خلفًا لوود.
وقال وود، وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأميركية وشغل منصب المدير التنفيذي للمؤسسة خلال الشهرين الماضيين، في بيان: "استقلت لأن المنظمة لم تستطع الالتزام بالمبادئ الإنسانية المتمثلة في الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية".
وأضاف التقرير أن استقالة وود تؤكد حالة الفوضى التي تحيط بالمؤسسة، والتي كانت قد قاطعتها الأمم المتحدة وعدد من منظمات الإغاثة التي كانت تزود غزة بالمساعدات قبل أن تفرض إسرائيل حصارًا شاملًا على القطاع في آذار/ مارس الماضي.
وتعارض تلك المنظمات الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات، باعتبارها تقوّض مبدأ إشراف جهة محايدة على العملية الإنسانية، فيما بدأ إدخال بعض المساعدات الإنسانية إلى غزة في الأيام الأخيرة بعد رضوخ إسرائيل للضغوط الدولية.
ورغم ذلك، لم يدخل إلى قطاع غزة خلال الأيام الماضية سوى بضع مئات من الشاحنات لم تحمل سوى "نقطة في بحر" الغذاء والمساعدات التي يحتاجها مليونا فلسطيني يواجهون خطر المجاعة بعد نحو ثلاثة أشهر من التجويع.
وبحسب بيان صادر عن مؤسسة "إغاثة غزة"، فإنها ستستعين بمتعاقدين من القطاع الخاص يعملون ضمن منظومة أمنية إسرائيلية موسعة (إشراف سلطات الاحتلال)، وتهدف إلى إيصال المساعدات إلى مليون فلسطيني بحلول نهاية الأسبوع، مضيفة: "نخطط لتوسيع نطاق العمل بسرعة لخدمة جميع السكان في الأسابيع المقبلة".
لكن الوكالة نقلت عن مسؤولين في الأمم المتحدة أن خطط التوزيع التي وضعتها المؤسسة "غير كافية للوصول إلى أكثر من مليوني شخص في غزة"، وقال مسؤولو الإغاثة إن العملية الجديدة ستعتمد على أربعة مراكز توزيع رئيسية في جنوب قطاع غزة ستفحص العائلات للتأكد من عدم وجود أي صلة لها مع حركة حماس، وربما باستخدام تقنية التعرف على الوجه.
في المقابل، ندّدت حركة حماس بالخطة، معتبرةً أنها تهدف إلى "استبدال النظام بالفوضى، واعتماد سياسة هندسة تجويع المدنيين الفلسطينيين، واستخدام الغذاء كسلاح في وقت الحرب".
من جهتها، تقول إسرائيل إن الهدف من هذه الخطة هو "فصل المساعدات عن حماس"، متهمةً إياها بـ"سرقة الغذاء لاستخدامه في فرض سيطرتها على السكان"، وهي اتهامات تنفيها الحركة، مؤكدةً أن عناصرها يعملون "لحماية قوافل المساعدات من عصابات اللصوص المسلحين".
وفي إطار حديثه عن الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة، وصف وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الآلية بأنها "خطوة دراماتيكية تهدف إلى السيطرة على المساعدات الإنسانية حتى لا تصل إلى حماس"، معتبرًا أنها تُمكّن إسرائيل من "خنق الحركة، والانتصار عليها، وتدميرها"، على حد تعبيره.
وجاء تصريح سموتريتش ردًا على انتقاد رئيس المعارضة، يائير لبيد، في الكنيست، حيث لمح إلى أن إسرائيل تساهم في تمويل المساعدات لغزة عبر هذه الآلية. وقال سموتريتش: "انظروا من يعارض هذا التحرك الدراماتيكي: الأمم المتحدة، حماس، الإعلام اليساري العالمي، وصحيفة ’هآرتس‘". وأضاف مهاجمًا لبيد: "فليشرح لي أحد لماذا ينضم لبيد إلى من يفضّلون استمرار تدفق المساعدات إلى حماس وتعزيز حكمها".
ورغم ذلك، تظل كثير من تفاصيل هذه الآلية غير واضحة، ولم يُعرف بعد ما إذا كانت منظمات الإغاثة، التي قاطعت المؤسسة، ستبقى قادرة على إرسال شاحنات مساعدات بموازاة الآلية التي يسيطر عليها الاحتلال، رغم أن مسؤولين في حكومة بنيامين نتنياهو هددوا بالاستقالة إذا ما حصل ذلك، وشددوا على أن إسرائيل ستمنع أي مساعدات خارجة عن سيطرتها الكاملة.
غزة-تل ابيب/ المشرق نيوز
انتهى
0 تعليق