في خطوة تعكس حجم التوتر داخل أروقة المؤسسة العسكرية الجزائرية، أقدم الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، على إقالة الجنرال علي يحيى أولحاج من منصبه كقائد للدرك الوطني، وذلك بعد أيام قليلة من تسريب مذكرات أمنية بالغة الحساسية وجهها هذا الأخير إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وإلى قيادة الأركان.
وأكدت مصادر متطابقة أن هذه الإقالة لم تكن سوى رد مباشر على انتقادات وجهها أولحاج للسياسات الأمنية المتبعة في منطقة القبائل ومخيمات المحتجزين بتندوف، حيث اعتبر أن العسكرة المفرطة في بعض المناطق بدأت تولد حالة من النفور والاحتقان الشعبي.
ولم يخف الجنرال المقال، في مذكراته، تحفظاته إزاء التمركز العسكري الكثيف في منطقة القبائل، مطالبا بتقليص تدريجي للحضور العسكري هناك لما في ذلك من أهمية لتهدئة الأوضاع وإعادة بناء الثقة مع الساكنة المحلية، حيث انتقد بشدة ما وصفه بـ"المقاربة الأمنية الجامدة" التي لا تأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية والسياسية في تلك الجهة الحساسة من البلاد.
ودق أولحاج ناقوس الخطر بشأن ما سماه "الانفجار الصامت" في مخيمات تندوف، محذرا من تصاعد التوتر بين ساكنة المخيمات وقادة جبهة البوليساريو، مشيرا إلى تزايد حالات القمع والانتهاكات المرتكبة من قبل عناصر الجبهة في حق الصحراويين الراغبين في مغادرة تلك المخيمات التي تحولت، إلى فضاء مغلق تهيمن عليه المراقبة والتضييق، بدل أن تكون ملجأ إنسانيا مؤقتا.
وتضمنت إحدى مذكرات الجنرال المقال انتقادات موجهة لبعض الوحدات العاملة في الجنوب الجزائري، حيث تحدث عن "تجاوزات خطيرة" تطال المواطنين، تحت غطاء عمليات مكافحة التهريب والإرهاب، وهو ما اعتبرته بعض الجهات في المؤسسة العسكرية بمثابة تشكيك في نزاهة الجيش وتدخل في صلاحيات حساسة لا يسمح بالخوض فيها خارج دوائر القرار العليا.
ويحمل قرار الإقالة في طياته دلالات أعمق، لعل أبرزها أن هامش النقد داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية ما زال ضيقا جدا، وأن أي صوت يغرد خارج السرب، حتى وإن كان برتبة جنرال، قد يكون مصيره العزل والتهميش، حيث أن التجرؤ على انتقاد الاستراتيجية الأمنية، يواجه بإقالة سريعة ودون توضيح.
وفي وقت تم فيه تعيين الجنرال سيد أحمد بورمانة خلفا لأولحاج، فإن مراقبين يرون في هذا التغيير رسالة واضحة بأن السياسة الأمنية في الجزائر لن تتغير قريبا، وأن "القبضة الحديدية" ستظل الخيار المفضل لدى صناع القرار في مواجهة كل ما يرونه تهديدا للوحدة الوطنية أو للسلطة القائمة.
0 تعليق