لا شك أن غالبية اللبنانيين يرفضون فكرة التقارب مع العدو الإسرائيلي الذي يحاول بشتى الطرق الإيحاء بوجود قبول له داخل البيئة والمجتمع في لبنان. ويعتمد في ذلك، بشكل مباشر أو غير مباشر، على شبكة إعلامية سياسية اجتماعية ناشطة على وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي للترويج للتطبيع مع العدو سواء بالترغيب أو الترهيب.
وبالتزامن، جاء كلام النائب اللبناني وليد البعريني بالترويج للتطبيع مع العدو الإسرائيلي في عز العدوان وحرب الإبادة التي يشنها الصهاينة على قطاع غزة، والجميع يشاهد الصور والمشاهد المروعة لجرائم القتل بحق الأطفال والنساء والمدنيين العزّل. حيث قال البعريني بشكل مستغرب ومفاجئ، ربما حتى للأعداء قبل الداخل اللبناني: “التطبيع لا يحل بالمزايدات والعنتريات، نعم للتطبيع إذا كان يحمينا من الاعتداءات، نعم للتطبيع إذا كان يسترجع أرضنا ويضمن عدم احتلالها، نعم للتطبيع إذا كان يمنح لبنان سلامًا وازدهارًا نفتقده منذ سنوات. نعم للتطبيع ولا لمعاندة المسارات العربية وعلى رأسها المسار الذي تقوده السعودية”.
ما يثير التساؤلات عن جدوى هذه المواقف وتوقيتها، وهل هي مجرد مواقف عابرة أو خطيئة شخصية من البعريني؟ أم أن الأمر يتعلق بسياق أكبر من شخص مطلق المواقف ليرتبط بمواقف جهات إقليمية تحاول جس نبض الشارع اللبناني والشمالي بالتحديد، وبالتحديد أكثر موقف الطائفة السنية في لبنان؟ خاصة أنه بعد إطلاق البعريني لمواقفه، هناك من حاول إلباس التهمة لكل السنة في لبنان بأنهم لا يعارضون الذهاب إلى هذا المنحى من العلاقة مع قتلة الأنبياء والأبرياء ومع من يدنس المقدسات في فلسطين المحتلة وعلى رأسها بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك.
وانطلاقًا مما سبق، ما هو موقف السنة في لبنان؟ وما هو موقف غالبية اللبنانيين؟ هل هناك غالبية تقبل بأخذ السنة والمسلمين وكل اللبنانيين إلى هكذا مواقف مناهضة لتاريخهم وتاريخ لبنان المقاوم وتاريخ الأمة المناهض للعدو؟
حول كل ذلك، لفت مدير “المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء” الدكتور زكريا حمودان إلى أن “ما قام به البعريني لا يعبر عن رأي السنة في لبنان”، وأكد أن “هذه البيئة لا يمكن أن تكون في يوم من الأيام موافقة على مشروع التطبيع مع العدو الإسرائيلي”. وأوضح “أنها قد رفضته منذ عشرات السنين، منذ إقدام بعض الدول العربية على التطبيع، حيث حضنت هذه الطائفة المقاومة الفلسطينية ودعمتها”، وشدد على أنه “لا وجود لمشروع التطبيع داخل هذه البيئة السنية”.
وقال حمودان في حديث خاص لموقع قناة المنار الإلكتروني: “أعتقد أن البعريني بكلامه عن التطبيع، إما أنه لا يعي كيفية بناء موقف، وهذا شيء طبيعي ومتوقع منه، أو أنه أراد أن يكون ضمن قاعدة خالف تعرف”. ورأى أن “هذا الأمر أدى إلى رفض كلي له في البيئة الشمالية حيث تم تمزيق صوره بشكل كبير، وأيضا تمت مقاطعة بضائع محسوبة عليه بشكل أو بآخر (هناك أحد الأفران تعود ملكيته للبعريني قد تمت مقاطعته)”.
ولفت حمودان إلى أن “هذه البيئة من خلال احتضانها لأبناء الوطن من اللبنانيين خلال حرب تموز 2006، وخلال العدوان الصهيوني الأخير على لبنان عام 2024، تشير إلى أنها تؤيد المقاومة“. وشدد على أن “هذه البيئة أثبتت من خلال التجارب رفضها للتطرف بكل أشكاله، سواء التطرف التكفيري أو حتى التطرف الذي يشكل أحد أهم صوره العدو الإسرائيلي”. وشدد على أن “الطائفة السنية مؤيدة لقضية فلسطين وترفض تصاريح البعريني وأي تصاريح مشابهة”.
وفي السياق، سجلت مواقف لأبناء العديد من المناطق لا سيما مدينتي طرابلس وصيدا بإعلان الإضراب وتنظيم تظاهرات ووقفات يوم الاثنين 7-4-2025 دعمًا لعزة وتنديدًا بالعدوان الصهيوني على القطاع المحاصر. ومن بين هذه المواقف ما أعلنه نقيب المحامين في طرابلس سامي الحسن خلال وقفة تضامنية مع غزة وتنديدًا بالعدوان الصهيوني المتواصل، حيث قال: “نرفض التطبيع مع من يغتصب الحق الفلسطيني ويقتل الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والعرب”. ولفت إلى أن “ما يشهده العالم اليوم ليس فقط جريمة بحق غزة، بل محاولة مستميتة لفرض واقعٍ جديد عنوانه الاستسلام وتصفية القضية الفلسطينية من خلال إجبار شعوبنا على القبول بما لا يُقبل، والتوقيع على ما لم ولن يُقرّه ضميرنا الحي”. وتابع قائلًا: “ما يُفرض اليوم على الفلسطينيين والعرب ليس سلامًا، بل استسلامًا يُصاغ بلغة الدم ويُفرض بلغة القتل والتهجير ونحن نرفض أن نكون شهود زور على وأد القضية الفلسطينية”.
المصدر: موقع المنار
0 تعليق