طالب عدد من أولياء الأمور وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بضرورة مراجعة رزنامة العطل المدرسية، ولا سيما ما يتعلق بالمناسبات الدينية، التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الهوية المغربية، وركنًا مقدسًا في تقاليد المجتمع وأعرافه الراسخة.
ويأتي هذا المطلب في ظل التذمر المتزايد وسط الأسر المغربية من قِصر مدة العطل التي ترافق أعيادًا دينية كبرى، على رأسها عيد الفطر وعيد الأضحى، مقارنة مع ما تمنحه عدد من الدول الأوروبية لمواطنيها من أيام راحة خلال المناسبات الدينية، رغم أن تلك الدول تعتمد دساتير علمانية ولا تنص صراحة على دين رسمي للدولة.
وفي هذا السياق، تحرص فرنسا مثلًا على تخصيص أسبوع كامل كعطلة رسمية تزامنًا مع احتفالات عيد الفصح لدى المسيحيين، وهو نفس ما تعتمده إسبانيا في عطلة "سيمانا سانتا"، بينما تمنح بلجيكا وهولندا أسبوعين كاملين أواخر دجنبر وأوائل يناير بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، فضلًا عن أيام إضافية خلال عيد الصعود وعيد العنصرة.
أما في المغرب، حيث الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، فإن عطلة عيد الفطر لا تتجاوز ثلاثة أيام، تُمدد أحيانًا ليوم رابع بحسب رؤية الهلال، ووأحيانا تصادف بداية الأسبوع كهذه السنة، حين وافق العيد يوم الإثنين، ليبدأ التلاميذ عطلتهم من يوم الأحد الذي هو أصلاً يوم راحة في جلِّ المؤسسات التعليمية، ويعودوا إلى الفصول الدراسية صباح الأربعاء، في وقت لا تكفي فيه هذه المدة القصيرة للتنقل بين المدن، وزيارة الأقارب، ومشاركة الأهل أجواء العيد كما جرت العادة في تقاليد المجتمع المغربي.
وبخصوص عيد الأضحى، ورغم أنه يُعد المناسبة الدينية الأهم في السنة، لا تزال الوزارة تخصص له عطلة لا تتجاوز أربعة أيام، وهي مدة بالكاد تكفي للتحضير للشعيرة الدينية، ناهيك عن الزيارات العائلية والتنقلات الطويلة التي تتطلبها صلة الرحم خلال هذه المناسبة.
ومما يزيد من حرج الوضع، أن عيد الأضحى بدأ يعود تدريجيًا إلى قلب الموسم الدراسي، بفعل التنقل السنوي للتقويم الهجري، إذ يُتوقع هذه السنة أن يحل أوائل شهر يونيو، بينما سيحل الموسم المقبل في منتصف ماي، ما يجعله يتقاطع مع مواعيد حساسة، مثل الامتحانات الإشهادية والموحدة، ويُضاعف من الضغط النفسي على التلاميذ وأسرهم.
كما لا يتعدى عدد أيام عطلة رأس السنة الهجرية يومًا واحدًا فقط، رغم رمزيتها الدينية والتاريخية، في حين تُخصَّص عطلة من يومين فقط لعيد المولد النبوي، الذي يُحتفل به في العديد من المدن بطرق شعبية وروحية تُسهم في تعزيز الانتماء الثقافي والوجداني للناشئة.
ويؤكد عدد من الفاعلين التربويين أن مراجعة رزنامة العطل المدرسية، بما ينسجم مع روح المجتمع وهويته الإسلامية، لا تمثل ترفًا، بل ضرورة تربوية وإنسانية، تتيح للتلاميذ فُسحة زمنية لاستعادة الروابط الأسرية والوجدانية، بعيدًا عن ضغط التحصيل ومطاردة المعدلات.
كما يُعرب أولياء الأمور عن أملهم في أن تُنصت الوزارة لهذه الأصوات، وأن تعيد النظر في الطريقة التي تُبرمج بها العطل، بما يُراعي التوازن بين الأداء التربوي من جهة، واحترام الخصوصية الدينية والاجتماعية من جهة أخرى.
وإذا كانت المدرسة اليوم مطالبة بتخريج مواطن متزن ومتصالح مع ذاته وهويته، فليس أقل من أن تُمنح أعياده الدينية ما تستحقه من وقت واهتمام، في وطن يشهد له التاريخ بكونه منارة للعلم والدين والوسطية والرحمة.
0 تعليق