"حفاوة" سعودية لافتة بنواف سلام... أيّ "رسائل" خلفها؟!

الفن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

خطفت الزيارة المفاجئة والسريعة لرئيس الحكومة نواف سلام إلى السعودية، حيث التقى وليّ العهد محمد بن سلمان وبحث معه الملفّات ذات الاهتمام المشترك، وأدّى صلاة عيد الفطر إلى جانبه، الأضواء عن كلّ الاهتمامات السياسية في الداخل، بما في ذلك العدوان الإسرائيلي المتجدّد على لبنان، وعلى قلب الضاحية الجنوبية للعاصمة، فضلاً عن "إشكالية" الصواريخ اللقيطة والمجهولة، التي تكاد تنزلق بلبنان مجدّدًا إلى أتون الحرب.

لكنّ زيارة سلام إلى السعودية، مع ما انطوت عليه من حفاوة لافتة، ربما تكاد تكون غير مسبوقة، مع وصول طائرة ملكية خاصة لتقلّ الرجل إلى مكة المكرمة، خطفت الأضواء أيضًا بتوقيتها، من "التوتر" الذي أعقب الجلسة الأخيرة للحكومة، خصوصًا بعد خروج سلام منها "خاسرًا" بضربة التصويت القاضية، في قضية تعيين حاكم مصرف لبنان، نتيجة "الخلاف" بينه وبين رئيس الجمهورية جوزاف عون على تسمية كريم سعيد.

وبمعزل عن التوقيت، فإنّ الزيارة جاءت "معبّرة" من حيث الشكل أولاً، خصوصًا أنّها الأولى من نوعها منذ فترة طويلة، كان "التباعد" عنوان العلاقات الثنائية، نتيجة استياء الرياض من أداء الحكومات المتعاقبة، ولو عدّها البعض "مكمّلة" لزيارة رئيس الجمهورية إلى السعودية قبل أسابيع، حين أعلِن عن فتح "الصفحة الجديدة" بين البلدين، وهي "صفحة" تنتظر الترجمة خلال زيارة رسمية مرتقبة قريبًا لتوقيع مجموعة من الاتفاقيات.

ولا شكّ أنّ الزيارة معبّرة من حيث المضمون أيضًا، فهي تكرّس عودة لبنان إلى صدارة الاهتمامات السعوديّة في هذه المرحلة، وقد خصّت الرياض رئيس حكومة لبنان دون غيره من المسؤولين العرب بهذه الزيارة، ولو لم تدم سوى ساعات معدودات، وهو ما تجلّى أيضًا في مواقف محمد بن سلمان الواضحة، فأيّ "رسائل" يمكن قراءتها خلف كلّ ذلك، وهل تمهّد السعودية لعودة "غير مشروطة" إلى لبنان في المرحلة المقبلة؟!.

في المبدأ، لا شكّ أنّ الرسالة الأساسية التي أرادت السعودية إيصالها من خلال المبادرة إلى استقبال رئيس الحكومة في صبيحة عيد الفطر، هي أنّه ماضية في "الصفحة الجديدة" التي فتحتها مع لبنان مع انطلاقة "العهد الجديد"، فهي لم تنتظر الزيارة الرسمية المرتقبة للرجل على رأس وفد وزاري استكمالاً لزيارة الرئيس عون السابقة، لكنّها أرادت أن تستبقها بلفتة خاصة تكرّس من خلالها إيجابيّة المقاربة، وتطوي صفحة السنوات الماضية.

فإذا كان صحيحًا أنّ السعودية أطلقت هذه الرسالة نوعًا ما خلال زيارة عون، الذي حرص على أن تكون الرياض وجهته الخارجية الأولى بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية، فإنّ الصحيح أنّ "رمزية" موقع رئيس الحكومة تكتسب أهمية لا تقلّ شأنًا بالنسبة للسعودية، خصوصًا أنّ تسريبات كثيرة حاولت في الأسابيع الماضية الإيحاء بأنّ الرياض "غير راضية" عن سلام، وهي كانت تفضّل وصول مرشحٍ آخر لرئاسة الحكومة في لبنان.

بهذا المعنى، يمكن القول إنّ السعودية من خلال استقبال سلام بعد عون، أرادت تأكيد دعمها للبنان بصورة عامة، وللعهد الجديد بمختلف مكوّناته، وأرادت القول إنّ لبنان عاد إلى دائرة اهتماماتها، بعد مرحلة من التباعد، وغضّ النظر، يحمّل السعوديون الحكومات اللبنانية المتعاقبة المسؤولية عنه، خصوصًا بعد الحملات التي شنّها "حزب الله" على القيادة السعودية من دون أيّ رادع، والتي وصلت لحدّ رفع شعار "الموت لآل سعود" في مرحلة معيّنة.

وإذا كان تراجع نفوذ "حزب الله" بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، والخسائر القاسية التي مني بها، وهو ما تجلّى في أدائه السياسيّ المستجدّ في مختلف الاستحقاقات وركونه خلف الدولة، لعب دورًا أساسيًا في "الصفحة الجديدة"، فإنّ السعودية التي توجّه الرسائل الإيجابية تحرص في الوقت نفسه على التأكيد أنّ الدعم لن يكون مطلقًا ولا غير مشروط، فالكرة اليوم في ملعب الحكومة اللبنانية، التي عليها أن تبادر أولاً لتحمّل مسؤولياتها.

ولعلّ ما نُقِل عن وليّ العهد السعودي خلال استقباله رئيس الحكومة اللبنانية يندرج في هذا الإطار، من حيث تأكيده على وقوف السعودية إلى جانب لبنان، وحرصها على استعادة ازدهاره في المجالات المختلفة، وذلك من خلال إرساء الأمن والاستقرار، وإجراء الاصلاحات الضرورية، ودعوته إلى وجوب الاستفادة من كل الفرص المتوفرة اليوم لتحقيق ذلك وللخروج من الأزمات المستمرة.

وفي حين يقول البعض إنّ ما تريده السعودية من لبنان، لا يقتصر على إطلاق ورشة الإصلاحات التي يربط المجتمع الدولي برمّته مساعداته للبنان بها، ولكنه يشمل أيضًا بسط الحكومة اللبنانية كامل سيادتها على الأراضي اللبنانية، بما يقوّض من الدور الذي كان "حزب الله" يمارسه سابقًا على هذا الصعيد، يلفت آخرون إلى أنّ الدعم السعودي سيكون "تدريجيًا"، وسيبدأ قريبًا جدًا، مع الزيارة الرسمية التي يتمّ الإعداد لها.

لكن، أبعد من كلّ هذه التفاصيل، ثمّة من يفهم الحفاوة التي لقيها سلام من القيادة السعودية، في هذا التوقيت تحديدًا، على أنّه "احتضان سعودي" للرجل على المستوى الشخصي أيضًا، ودعم له، وربما "رفع لمعنوياته" في مكانٍ ما، ولا سيما أنّ هذه الزيارة "غطّت" على ما يمكن وصفها بـ"الخيبة" التي مني بها بعد آخر جلسات الحكومة، والتعيين الذي مرّ من دون موافقته، بل بمعارضته، في "سابقة" تسجّل ربما في تاريخ الحكومات.

ويقول العارفون في هذا السياق، إنّ السعودية أرادت أن تعطي سلام جرعة من المعنويّات، لكنّها أرادت أيضًا التأكيد على "ثابتة" تحصين "العهد" في المقام الأول، وهو ما يتطلب "تناغمًا وانسجامًا" بينه وبين رئيس الجمهورية، حتى تتمكن الحكومة من تحقيق الأهداف التي وضعتها عنوانًا لها، إي الإنقاذ والإصلاح، بمعزل عن بعض التباينات التي قد تظهر هنا أو هناك، كما حصل مثلاً في ملفّ تعيين حاكم مصرف لبنان أخيرًا.

في النتيجة، لا شكّ أنّ زيارة رئيس الحكومة المفاجئة، والمقتضبة، إلى السعودية، حملت بين طيّاته العديد من الإيجابيات، سواء لشخصه، بعد "جدل" جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، التي كادت تطيح بحكومته ككلّ، أو للبلد، من حيث التأكيد على اهتمام السعودية باستكمال "الصفحة الجديدة" التي فتحتها معه. لكن أبعد من هذا وذاك، تبقى العبرة في الخواتيم، خواتيم لا يمكن الوصول إليها، إذا لم تعُد الحكومة إلى أصل مهمّتها، وهو ما لم يبشّر به أداء الأسابيع الأولى!.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق