بينما كانت محطات الحافلات تعرف، في مثل هذه الفترة من كل سنة، ازدحاما كبيرا واكتظاظا ملحوظا على مقاعد “الكيران”، بدت محطات النقل الطرقي هذه الأيام شبه خالية، رغم اقتراب عطلة عيد الفطر التي ستبدأ رسميا يوم الاثنين وتنتهي مساء الثلاثاء، في انتظار استئناف العمل والدراسة يوم الأربعاء.
وقد عبّر عدد من المهنيين عن قلقهم الشديد من هذا الركود غير المسبوق، حيث قال أحد سائقي الحافلات بمحطة مراكش، في تصريح محلي، “بقات يوماين للعيد وهانتا كتشوف، المحطة خاوية، أقسم بالله الكار المخير كيخرج بثمانية حتى عشرة ديال البلايص”، مشيرا إلى أن اليوم الذي يفترض أن يعرف ضغطا كبيرا على الرحلات، تمر فيه الحافلات شبه فارغة، ما اعتبره “كارثة” غير مفهومة من وجهة نظره.
وفيما أرجع البعض هذا العزوف إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع تكاليف العيش خلال شهر رمضان، لا سيما في ما يخص مصاريف “شهيوات” الإفطار وملابس العيد، ذهبت تحليلات أخرى إلى أن الظاهرة تعكس تغيّرا في نمط تنقل المغاربة وسلوكهم خلال الأعياد والمناسبات.
ويرى العديد من المهنيين والرواد أن قصر مدة العطلة الرسمية لعيد الفطر هذا العام، والتي لا تتجاوز يومين فقط إلى جانب الأحد باعتباره نهاية الأسبوع،، ساهم في تقليص نية السفر لدى كثير من الأسر، خصوصا حين يتعلق الأمر بتنقلات طويلة بين مدن الشمال والجنوب، ما جعل الكثيرين يفضلون قضاء العيد في نفس المدينة أو تأجيل الزيارة إلى وقت آخر.
كما ساهم الانتشار الكبير لوكالات كراء السيارات في إحداث تحوّل ملموس في وسائل التنقل، حيث باتت هذه الخدمة تنافس الحافلات بشكل واضح، في ظل حرية الحركة التي توفرها وارتفاع الإقبال عليها، إلى درجة أن كثيراً من الوكالات أعلنت اكتمال الحجوزات منذ أيام..
ومن جهة أخرى، لعب القطار فائق السرعة “البراق” دوراً حاسماً في هذه المعادلة، حيث بات يربط بين مدن طنجة والقنيطرة والرباط والدار البيضاء بزمن قياسي وخدمة مريحة، ما جعله خياراً مفضلاً لدى كثير من المسافرين، خاصة في صفوف الشباب والطلبة، وهو ما أضعف الإقبال على خدمات الحافلات بين هذه المحاور.
ويُضاف إلى ذلك عامل ديموغرافي واجتماعي لافت، حيث تشير ملاحظات الكثيرين إلى أن جيل “الأجداد” الذين كانوا يشكلون مركز التجمع العائلي الكبير في الأعياد، بدأ يتلاشى بفعل عوامل السن والوفاة، فيما استقرت أجيال الأبناء والأحفاد في مدن واحدة أو مناطق متقاربة، ما أضعف الحاجة إلى التنقل بين المدن بشكل كبير خلال العيد.
وبينما يرى البعض في هذا التراجع مؤشرا على أزمة اقتصادية تعصف بالطبقة المتوسطة والدنيا، يعتقد آخرون أنه يعكس ببساطة تحولات سوسيوثقافية وتقنية في حياة المغاربة، حيث بات السفر عبر الحافلات خياراً غير مفضل، بعد أن كان قبل سنوات عنواناً للحركية وموسماً سنوياً للقاءات العائلية.
0 تعليق