اليوم الجديد

الرجمة.. منطلق البراغماتية الليبية

ليبيا – لم تكن زيارتا رئيسي المخابرات المصرية والتركية إلى الرجمة خلال يومين متتاليين حدثًا عابرًا في المشهد الليبي، بل حملتا في طياتهما رسائل بالغة الدلالة عن موقعها الجديد في معادلة الأمن والسياسة الإقليمية.

المشير حفتر في اجتماعه مع اللواء رشاد – 24 أغسطس 2025


فبعد أن استقبلت أمس رئيس جهاز المخابرات المصري اللواء حسين رشاد واجتمع مع المشير خليفة حفتر ونائبه الفريق صدام، ها هي تستقبل اليوم رئيس المخابرات التركية ” إبراهيم كالن ” في أول لقاء من نوعه يعكس خطوة غير مسبوقة، تضع الرجمة في قلب التوازنات وتكشف – بحسب مراقبين – نهجًا براغماتيًا تتبناه القيادة العامة منذ صعود الفريق صدام خلال السنوات الثلاث الأخيرة عنوانه :
المصلحة أولاً.

المشير حفتر في اجتماعه مع كالن- 25 أغسطس 2025


بوابة
تجمع المتناقضات

الأمر لم يقتصر على مصر و تركيا فقط بل شهد اليوم أيضًا استقبال ” بول سولير ” المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي ماكرون ، الخصم التقليدي لتركيا ، وبذلك تحولت الرجمة ، التي طالما صُوِّرت في مخيلة خصومها في طرابلس على أنها معزولة أو أسيرة خطاب أحادي، إلى بوابة مفتوحة أمام القوى المتعارضة .

المشير حفتر ونائبه في استقبال المبعوث الخاص للرئيس ماكرون 25 أغسطس 2025

فمن القاهرة إلى أنقرة، مرورًا بروما و باريس و عواصم عربية أخرى ، تستقطب الرجمة الضيوف وتدير الحوارات مع مختلف الأطراف حتى لو كانت متضادة، لتثبت أنها مركز ثقل لا يمكن تجاوزه في معادلة ليبيا ولا في أمن المنطقة.

البراغماتية : المصلحة فوق الاصطفاف

القيادة العامة تبعث برسالة واضحة: لا مكان للجمود أو الانغلاق، ولا للتمترس خلف المحاور والخنادق القديمة ، فالسياسة هنا تُدار بمنطق المصلحة أولًا، والاستقرار الإقليمي ثانيًا والتنمية الاقتصادية ثالثًا ، وهو نهج بات واضحًا منذ بداية العام الجاري عندما زار الفريق صدام واشنطن ثم طار إلى الكرملين حيث غريمها التاريخي في موسكو ثم روما الحليف التقليدي لحكام طرابلس ،  ثم بيلاروسيا حليفة موسكو التي قررت على الفور رفع التأشيرة عن الليبيين ، فضلاً عن زيارة باكستان، مايشير إلى أن الرؤية نحو العالم لا تقتصر فقط على الخصوم أو المؤثرين الإقليميين بل تتجاوزه إلى عدم إغفال ضرورة إحياء الأحلاف التقليدية القديمة مع عواصم راكزة مثل إسلام آباد .

زيارات الفريق صدام هذا العام إلى واشنطن وموسكو و روما و إسلام آباد

والنتيجة أن الرجمة تنسج خيوط تحالفاتها مع الأصدقاء التقليديين، وفي الوقت نفسه تعمل على تفتيت الخلافات مع الخصوم، بما يعزز فرص التنمية ويضع أسسًا لسلام واقعي يتجاوز الشعارات بينما يرى المواطن الشركات التركية والمصرية حاضرة جنبًا لجنب في بنغازي وسرت وسبها ، وقد غابت عن جغرافيا أخرى تسمي نفسها ” حليفة لهذا و ذاك ” .

انزعاج الخصوم

غير أن هذا الانفتاح البراغماتي لا يروق لخصوم القيادة العامة، الذين اعتادوا تصويرها في دائرة العزلة، ويريدونها غارقة في الخلافات والمشاكل.

هؤلاء الذين لم يبقى لهم سوى شعارات قديمة يلوكونها في إعلامهم وقنواتهم لمعايرة القيادة العامة بخلافها القديم مع تركيا على غرار قناة التناصح لصاحبها المعزول الغرياني ، فمهما حاولوا تسطيح الأمور بشعارات ” لن ندفع الميري – و الاحتلال التركي ” إلا أنهم يدركون أن حركة الوفود إلى الرجمة ماهي إلا عبوات ناسفة لمشروعهم القائم على إقصاء طرف رئيسي من المعادلة، وتكريس صورة ليبيا الممزقة .

لكن مايزعجهم حقيقة ولا يقولونه لجمهورهم هو أن الرجمة حيدت خصمًا غير هيّن من أمامها – ألا وهو تركيا – التي غيّرت هي الأخرى خطابها الخشبي المستفز للمنطقة ، أما الواقع يثبت أن الرجمة نفسها – التي تسيطر عمليًا على ثلثي البلاد ومنابع الطاقة – عوضًا عن الانعزال، باتت مقصداً إجباريًا لكل من يريد الحديث عن الحل والأمن والاستقرار في ليبيا وذلك في ظل حكومة محصورة ببضعة كيلومترات في طرابلس ، تعيش شبه عزلة دولية و وتطاردها الاتهامات بمحاولات إشعال الحرب الأهلية في العاصمة التي تعيش اسوء انفلات أمني منذ سنوات ، هذا من جهة ومن جهة أخرى ، يطاردها كابوس الرحيل الحتمي بعد إحاطة المبعوثة الأممية الأسبوع الماضي.

رابح – رابح

بهذا النهج البراغماتي، تتجاوز الرجمة محطات الماضي و سياسة الشعارات لتصوغ معادلة عملية: تعزيز التحالفات، كسر العزلة، تفتيت الخصومات ، والنتيجة ( رابحرابح ) ومن قلبها – كما يقول المقربون من الفريق صدام – تُرسم اليوم خطوط جديدة لمسار ليبيا، مسار يجعل من الأمن والاستقرار والتنمية أولوية، ويؤكد أن مصلحة البلاد هي البوصلة التي لا تحيد عنها القيادة العامة مهما اختلفت العواصم التي تدق أبوابها .

المرصد – خاص

أخبار متعلقة :