نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مسيرة خلاصنا, اليوم السبت 16 أغسطس 2025 03:05 صباحاً
خمسة عشر يومًا تلخِّص حياتنا مع الربِّ يسوع المسيح، وتكشف عن تدبيره الخلاصيِّ الإلهيِّ للبشريَّة، لكلِّ واحد منَّا. خمسة عشر يومًا مليئة بالصلوات والطلبات والابتهالات والتضرُّعات، والمشاهد البيبليَّة من العهدين القديم والجديد، لتخبرنا أنَّ كلَّ النبوءات عن مجيء المخلِّص تشير إلى مولود مريم العذراء، الإله المتجسِّد. هذا المولود حملته مريم بالروح القدس، وهو ابن الله الحيِّ الواحد في الجوهر الإلهيِّ مع الآب والروح القدس، المولود من الآب قبل الدهور، والَّذي تجسَّد وصار إنسانًا مثلنا، ما خلا الخطيئة.
بهذه الولادة الإلهيَّة، صارت مريم العذراء، الفتاة الطاهرة والنقيَّة، والدة الإله، إذ إنَّ المولود منها شخص واحد بطبيعتين كاملتين: إلهيَّة وبشريَّة، باتِّحاد كامل، دون أن تلغي إحداهما الأخرى. ولهذا يأتي لقب «والدة الإله» كإعلان إلهيٍّ بالروح القدس، أعلنته أليصابات عندما زارتها مريم وقالت لها: «فمن أين لي هذا أن تأتي أمُّ ربِّي إليَّ؟» (لوقا 1: 43). حضور والدة الإله جعل الجنين في بطن أليصابات يرتكض فرحًا، وهذا ما تظهره أيقونة لقاء مريم وأليصابات.
كذلك نحن، حضور والدة الإله في حياتنا يجعل نفوسنا وقلوبنا وكياننا كلَّه ترتكِض غبطةً وفرحًا. ويكتمل الفرح عندما تتوجَّه مريم إلينا كما توجَّهت للخدَّام في عرس قانا الجليل وقالت: «مهما قال لكم فافعلوه» (يوحنَّا 2: 5).
لنسأل: «ماذا قال لنا يسوع أن نفعل؟» في الحقيقة، قال لنا أمورًا كثيرة يمكن تلخيصها بالآية التالية الَّتي خاطبنا بها أيضًا: «إنْ أراد أحد أن يأتي ورائي، فليُنكِرْ نفسه ويحمل صليبه كلَّ يوم، ويتبعني» (لوقا 9: 23).
والدة الإله عاشت الآية بالكامل، بكلِّ تفاصيل حياتها، وتبعت مولودها الإلهيَّ ومخلِّصها في آنٍ واحد، الَّذي عظَّمته في نشيدها، وهو نظر إلى تواضعها، وتنبَّأت قائلة: «فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوِّبني» (لوقا 1: 48).
أفضل تكريم لها هو الاقتداء بها، فهي الَّتي لم تطلب يومًا شيئًا لنفسها، بل على العكس قدَّمت مولودها الوحيد للبشريَّة منذ اللحظة الأولى للولادة. وهذا ما نشهده في أيقونة الميلاد المجيد، الَّذي هو ظهور الله في الجسد. نراها ممدَّدة على قماشة حمراء بلون الدم أي الحياة، وعلى شكل حبَّة القمح، لأنَّها أمُّ الحياة وأمُّ الخبز السماويِّ النازل من العلى كما قال يسوع عن نفسه، ولا تنظر إلى يسوع وحده بل إلينا، مخاطبة إيَّانا: «خذوه واجعلوه يسكن في قلوبكم، فتكتشفوا ملكوت الله فيكم. احضنوه واستدفئوا منه دفئًا وحنانًا. ضمُّوه إلى صدركم واغرفوا منه نورًا وحكمة، واجعلوه دربكم وطريقكم وسراجكم ورفيقكم وصديقكم وأخاكم، وإلهكم ومخلِّصكم. فهو جاء من أجلنا جميعًا ليرفعنا إليه. ولا تخشوا شيئًا، فباتِّحادكم به أنتم قياميُّون، ترقدون ويقيمكم هو إلى حياة أبديَّة، إذا كان عشقكم له صادقًا».
كذلك نشاهدها تنظر إلى البعيد، إلى موطننا الأوَّل، الملكوت السماويِّ. هكذا هي في أيقوناتها، فإن اقتربنا منها تشير بيدها إليه، قائلة: «هوذا إلهي وإلهكم، ومخلِّصي ومخلِّصكم، وفاديَّ وفاديكم، تعالوا لنمجِّده معًا، مع الملائكة، مسبِّحين ومهلِّلين: «المجد للَّه في العلى، وعلى الأرض السلام، وفي أناس المسرَّة».
وتكمل: «كونوا من الَّذين يفرحون بمجيء المخلِّص، ولا تكونوا - لا سمح الله - ممَّن قال عنهم الربُّ: «وهذه هي الدينونة: إنَّ النور قد جاء إلى العالم، وأحبَّ الناس الظلمة أكثر من النور، لأنَّ أعمالهم كانت شرِّيرة» (يوحنَّا 3: 19). من هنا جاءت كلمة "أناس" في النص الأصلي بلا "أل" التعريف.
نعم، هكذا تخاطبنا مريم، لأنَّها هكذا عاشت منذ صغرها. وتكريمها في كلِّ أعيادها يأتي من كونها والدة الإله، إذ إنَّ يسوع هو صاحب العيد الأساسيّ ومصدره.
وإذا محَّصنا أيقوناتها، نجدها جميعًا تحاكينا من خلال الربّ. ففي الأيقونات الَّتي تكون فيها جالسة على العرش، نشاهد يسوع في حضنها يباركنا. وفي الأيقونات الَّتي تُدعى «أرحب من السموات» وتكون مريم فاتحة ذراعيها، نرى أيضًا يسوع في وسطها يباركنا. وفي الأيقونات الَّتي تحمل فيها والدة الإله يسوع على يدها، نشاهدها تشير بيدها الأخرى إليه لتهدينا وترشدنا، وهو بدوره يباركنا. وفي الأيقونات الَّتي تظهر فيها لحظة عناق بين والدة الإله ويسوع، تكون هي المتَّكئة إليه وليس هو، لكونه صخرة خلاصنا، وهو دائمًا يباركنا.
وما أجمل أيقونة الشفاعة (Deisis)، الَّتي نشاهد فيها الربَّ في الوسط، ووالدة الإله عن يمينه رافعة يديها الاثنتين نحوه، متضرِّعة ومتشفِّعة، ويكون واقفًا، في الجهة المقابلة، القدِّيس يوحنَّا المعمدان في الوضعيَّة نفسها.
أمام كلِّ ما سبق، لا عجب في أن تكون السنة الليتورجيَّة، الَّتي تبدأ في الأوَّل من شهر أيلول، تفتتح بأوَّل عيد كبير وهو ميلاد العذراء في الثامن من الشهر نفسه. كذلك نختم السنة بعيد رقاد والدة الإله في 15 آب، لتخبرنا الكنيسة أنَّ من يولد بالمسيح لا يموت، بل يرقد وينقله الربُّ إلى حياة أبديَّة.
وتأتي أيقونة الرقاد لتؤكِّد ذلك، حيث نرى والدة الإله ممدَّدة كأنَّها نائمة، ورأسها مرفوع إشارة إلى القيامة المجيدة، والربُّ في الوسط واقف يحمل روحها الطاهرة. لقد رقدت ونقلها الربُّ إليه بعد ثلاثة أيَّام.
ولا بدّ، قبل الختام، من التوقّف عند ثلاث نقاط في أيقونة رقاد العذراء:
الأولى: وقوف يسوع عموديًّا في وسط الأيقونة، مقابل وضعيّة والدة الإله الأفقيّة، يشكّل صليبًا إشارةً إلى الخلاص الذي تمّ بفداء المسيح.
الثانية: وجود يسوع في الأيقونة هو التقاء الألوهة بالإنسانية، وفي ذلك إشارة إلى سرّ التجسّد.
الثالثة: يسوع يحمل روح مريم على شكل طفلة صغيرة مقمّطة، وهذا يذكّرنا بيسوع الطفل الذي قمّطته مريم وأضجعته في المذود. هو وُلد من أحشائها طفلًا، وهي الآن تولد بين يديه.
خلاصة القول، عيد الرقاد هو عيد انتصار البشريَّة بالربِّ يسوع المسيح على الموت، إذا عشقنا الربَّ وجاهدنا بصدق. أمَّا الموت الحقيقيُّ فهو الانفصال عنه.
لهذا، نجد تصوير الرقاد فوق الباب الذي يخرج منه المؤمنون من الكنيسة، ليذكّرنا بأن يكون رقادنا انتقالًا إلى الحياة الأبديّة.
إلى الربِّ نطلب.
أخبار متعلقة :