بعد الحكومة “الموازية”: هل السودان في طريق ليبيا؟
“بعد الحكومة الموازية في السودان، هل نحن أمام سيناريو مشابه لليبيا؟” سؤال يساور كثيرين بعد إعلان تحالف “تأسيس” بين قوات الدعم السريع والحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو وطوائف أخرى، وتشكيل مجلسه القيادي وتعيين رئيس وزراء جديد للحلف، ما أثار مخاوف من تحول السودان إلى حالة شبيهة بليبيا ذات الحكومتين المتنازعتين.
تحليل المقارنة بين السودان وليبيا بعد الحكومة الموازية
تابع أيضاً لمتابعة مباراة بايرن ولايبزيج على النايل سات مجاناً بدون رسوم بخطوات سهلة
الرؤية التي تربط بين السودان وليبيا عبر وجود حكومتين في كلا البلدين تعد مقاربة سطحية أكثر منها تحليلًا سياسيًا عميقًا، فالأوضاع العسكرية والسياسية في السودان تختلف جذرياً عن ليبيا. كثيرٌ من الصفوة السودانية، أصحاب الرأي والقلم الذين تقاطعوا في المعارضة لنظم ديكتاتورية استمرت لعقود، يستغلون هذه المقارنات كرهاب للمعارضة، يرسمون أسوأ السيناريوهات للنظام الحاكم بهدف الترهيب لا التحليل العلمي. وعليه، فإن مقارنة أوضاع السودان وليبيا دون الأخذ بالاعتبار الخصائص التاريخية والجيوسياسية لكل دولة تعتبر مبالغة تدفع إلى الهلع أكثر منها حلولًا.
الخصائص الجيوسياسية والتاريخية التي تميز السودان عن ليبيا بعد ظهور الحكومة الموازية
قد يهمك حظك اليوم برج الميزان الأحد 24 أغسطس 2025: نصائح مهمة للتركيز على أهدافك المهنية
عند التدقيق في الوقائع الجيوسياسية والتاريخية، نقف على فروقات جوهرية بين السودان وليبيا، تجعل من فرضية أن يكون السودان ليبيا ثانية بعيدًا عن الدقة. فليبيا، التي ضمت طرابلس وبنغازي تحت الحكم الإيطالي عام 1934، لم تكن دولة موحدة من قبل، ولم تمتلك جيشًا قوميًا محترفًا، وإنما عانت من صراعات بين ميليشيات متعددة بدون قيادة مركزية، ما أدى إلى تفكك السلطة وانتشار الصراعات المسلحة.
في المقابل، السودان يتميز بوجود جيش وطني مهني، احتفل بعيد تأسيسه المئوي مؤخرًا، مقاومًا ومحافظًا على وحدة البلاد رغم خسائر مؤقتة أمام قوات الدعم السريع، وناشطًا في حفظ استقرار مناطق متعددة كبعض الأقاليم مثل الفاشر وبابنوسة، حيث تُمارس القوات المسلحة دورًا واضحًا ومتماسكًا لا يخضع للميليشيات أو الولاءات القبلية.
جدول يوضح الفروقات التاريخية بين السودان وليبيا:
العنصر | السودان | ليبيا |
---|---|---|
توحيد البلاد | توحيد دارفور عام 1916 تحت حكم الإنجليز | طرابلس وبنغازي ضمّتا عام 1934 بالاحتلال الإيطالي |
القوات المسلحة | جيش قومي مهني منذ مئة عام | غياب الجيش القومي ووجود ميليشيات متعددة |
النظام العسكري | قيادة عسكرية مهنية مستقرة حتى في الأزمات | انهيار الجيش الرسمي ودعم الميليشيات |
لماذا تعتبر مقارنات الحكومة الموازية في السودان بحالة ليبيا مغلوطة؟
مقال مقترح برج القوس الأحد 24 أغسطس: تعرف على أبرز توقعات اليوم وابقَ مطمئناً
تلك المقارنات التي تعتمدها المعارضة لتدعيم انتقاداتها للحكومة الحالية في السودان، لا تأخذ بعين الاعتبار أن السودان لم يخسر البنية الوطنية لمؤسسات الدولة حتى بعد ولادة الحكومة “الموازية”، فلم يحدث انقسام عميق يشابه حالة ليبيا التي انهارت فيها القوات المسلحة وظهرت ميليشيات متناحرة. ليبيا عرفها القذافي بقيادة ضعيفة للجيش، وألغى وزارة الدفاع، معتمداً على حرسه الخاص، الذي كان قائمًا على ولاءات قبلية وشبكات أمنية أسرية، ما فجر الصراعات المسلحة بعد سقوطه عام 2011.
أبرز مظاهر الاختلاف:
- الجيش السوداني يمتلك قيادة مركزية ومهنية، حافظت على وحدة البلاد رغم الظروف الصعبة
- ليبيا شهدت تفككًا كاملًا للقوات المسلحة الوطنية لصالح ميليشيات مسلحة
- السودان خضع للاستعمار البريطاني-المصري وعاد إلى وحدة أقليمية تشمل دارفور، بعكس ليبيا التي كانت مقسمة قبل الاستعمار
- التاريخ السياسي والعسكري للسودان أكثر قدرة على مواجهة الانقسامات مقارنة بليبيا
بالنظر إلى هذه الفوارق، القلق من حكومة موازية في السودان يجب أن يدرس بعقلانية، بعيدًا عن رهاب المعارضة الذي يلجأ إلى مقارنة سطحية متسرعة لا تراعي خصوصية الواقع السوداني. التجربة التاريخية والنضالية للسودان كشفت قدرته على الاستمرار في بناء الدولة رغم الصراعات، وهو مسار معقد لكنه يحمل عناصر قوة لم تتوفر في الحالة الليبية.
في سياق ذلك، يظل السودان بلدًا يمر بمرحلة بناء الدولة في ظل ظروف محلية وإقليمية صعبة، لكنه لا يشبه ليبيا من حيث الأسباب والتداعيات التي أدت إلى الانقسامات المسلحة مع غياب الدولة. الماضي المستعمري، والتكوين العسكري والسياسي المعقد، والمرونة في التعامل مع الأزمات، كلها عوامل تميز السودان وتجعل مقارنة الحكومة الموازية في السودان بالوضع الليبي أمراً يحتاج إلى فهم عقدي أعمق.
قال كاتب عربي قديم: “الأفكار غزلان والكتابة قيد”، فالعقلانية في معالجة تحديات ما بعد الاستقلال والبناء الوطني هي الحصن الحصين ضد المقارنات العرجاء التي تحاول السياسة المعارضة رسمها، وليس هذا من عمل رجل الدولة، بل من مهام صاحب المصلحة فقط في إثارة القلق والهلع.
هذه القراءة الدقيقة للتاريخ والواقع تسلط الضوء على أن سؤال “هل السودان في طريق ليبيا بعد ظهور الحكومة الموازية؟” ليس إلا تهويلاً يعكس مشاعر الخوف أكثر من كونه تحليلاً يستند إلى حقائق ملموسة وشاملة.
0 تعليق