في إطار المسابقة الرسمية لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، وضمن العروض التي تحمل بُعداً فكرياً وإنسانياً عميقاً، قدّمت فرقة مسرحية من جورجيا عرضاً بعنوان «زوجة شكسبير» من تأليف نينا مازور وإخراج أفتانديلفار سيماشفيلي.
العرض الذي أُقيم مساء السبت على خشبة مسرح جمعية دبا، يعيد تشكيل شخصية أنيس هاثاواي، زوجة شكسبير، بوصفها كياناً سردياً مستقلاً من الهامش إلى صدارة السرد.
ينطلق العرض من فرضية مسرحية جريئة: ماذا لو تحدّثت «أنيس»، زوجة شكسبير، أخيراً؟ في ظل صمتٍ تاريخي طويل تجاه شخصيتها، ويقدّم النص أنيس هاثاواي بوصفها شاهدة على عبقرية زوجها، وشريكة صامتة في صناعة إرثه، بل وربما ضحية لتهميشٍ مزدوج: أدبي وتاريخي. والمونودراما هنا ليست مجرد وسيلة فنية، بل أداة مقاومة سردية، تمنح المرأة المغيّبة صوتاً حقيقياً على الخشبة، حيث تتحوّل «أنيس» من اسم عابر في سيرة رجل شهير، إلى بطلة حكايتها الخاصة.
يُبنى العرض على ثنائية الحضور والغياب، وتعارض الذات مع الظل. فمن خلال مونولوج داخلي مشحون، تُواجه أنيس صورة شكسبير، لا كزوج فقط، بل كأيقونة استحوذت على التاريخ، واحتكرت السرد. وتتجلّى في النص مستويات من الصراع بين الفرد والمؤسسة، بين الصوت الأنثوي والهيمنة الذكورية، وبين الرغبة في الاعتراف والواقع الذي يُقصي. العرض يذهب بعيداً في مساءلة التاريخ الأدبي: من يُقرّر ما يُكتب؟ ومن تُحذف أسماؤهم من المتن؟ وهل ثمة إبداع فردي محض، أم أن وراء كل «شكسبير» امرأة صامتة؟.
قدّمت بطلة العرض الجورجية أداءً متقناً يوازن بين الانكسار الداخلي والتمرّد المتصاعد، معتمدة على إمكانيات جسدية وصوتية عالية. تماهت تماماً مع الشخصية، فجعلت من لحظات الصمت أبلغ من أي حوار، ومن النظرات والأداء الجسدي بياناً درامياً عن القهر والكبت والرغبة في الظهور.
يمكن قراءة العرض بوصفه رسالة مزدوجة، الأولى تعيد الاعتبار إلى المرأة في سياق تاريخي ذكوري، والثانية تطرح نقداً ضمنياً للمؤسسة الثقافية التي تُقصي من لا يملكون سلطة التوثيق. «أنيس» هنا ليست فقط زوجة، بل رمزٌ لكل امرأة كانت خلف الأضواء.
«زوجة شكسبير»، ليس مجرد عرض مونودرامي، بل هو عمل يعيد هندسة الذاكرة المسرحية والأدبية، ويمنح الصوت لما خنقته السطور، ونجح في تحويل شخصية ثانوية إلى أيقونة سردية.
«زوجة شكسبير».. صوت مغيّب في ذاكرة الأدب

«زوجة شكسبير».. صوت مغيّب في ذاكرة الأدب
0 تعليق