بَهْتُ النّاس

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بَهْتُ النّاس, اليوم الخميس 28 أغسطس 2025 07:22 صباحاً

بَهْتُ النّاس

نشر بوساطة أ حمزة بن سليمان الطيار في الرياض يوم 27 - 08 - 2025

2148026
من أخطر أنواعِ البَهت أن يرتكب الإنسانُ محظوراً تترتّب عليه تبعاتٌ، ثم يعوقه الجبن عن تحمُّل مسؤوليةِ جُنحتِه أو جريمته، فيلصقها بغيره؛ ليبرّئ نفسَه ويورِّط البريء كما يُقالُ في المثل العربيُّ المشهورُ: (رمتْني بدائها وانسلّت)، وقد حرم الله تعالى هذا الصنيعَ..
كرامةُ الإنسان عزيزةٌ عليه، يتألّم للمساسِ بها تألُّماً بليغاً، وقد كان -وما يزال- عقلاء الناس من أهل الديانة والمروءة مترفّعينَ عن أن يحوموا حول النّيل من كرامةِ الآخرين؛ لأمور: منها أن العقلاء حريصون على كرامتهم، وهم يدركون أن أحسنَ ما يصونُ به الإنسانُ كرامةَ نفسِه أن لا يستبيح كرامة الآخرين؛ لأن النفوس مجبولةٌ على مقابلة الإساءة بالإساءة، فمن أساء الأدب مع غيره أسيء الأدب معه، ومنها أن الحياء يكفّ العقلاءَ عن الخوض في قالة السّوء؛ لأن الغالب أن مضمونها مما تنفر منه النفوس السّوية، والعاقل إذا اطّلع على شيءٍ من ذلك مرَّ به مرورَ الكرام، ومنها أن العقلاء ينشغلون بمتطلَّبات تكاليف الحياة، وتحصيل مصالح المعاد والمعاش، وذلك يستغرق جلَّ أوقاتهم، فلا يكون لفضول الكلام حظٌّ من اهتماماتهم، بخلاف من يهمل الإكبابَ على المنافع؛ فإنه ينشغل بتتبع عثرات الآخرين، وربما اختلق لأخيه عيباً ليس فيه، ومن أنكى ما يمسُّ بكرامةِ الإنسانِ أن تُقال فيه كلمةُ سوءٍ مختلقةٍ، لا أساسَ لها من الصّحّة، وهذا هو البَهتُ، ولي معه وقفاتٌ:
الأولى: البَهتُ (بفتح الباء) أن يقول المرء في غيره ما لم يفعله، وهو منهيٌّ عنه شرعاً محظورٌ نظاماً، وأكثر صوره شيوعاً أن يرميَ الإنسان أخاه بالقبائح التي هو بريءٌ منها؛ لغرض تشويه سمعته، وقد نصَّ الكتاب والسنّة على تحريمه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ»، أخرجه مسلم، وهو معدودٌ من الكبائر، قال بعض العلماء: (هو أشد من الغيبة؛ إذ هو كذبٌ فيشُقُّ على كل أحدٍ، بخلاف الغيبة لا تشقُّ على بعض العقلاء؛ لأنها فيه)، ومعنى كلامه أنَّ بعض الناسِ إذا علمَ أنَّ فيه عيباً معيّناً تعايش معه، ولم يتألّم من ذكره تألّماً شاقّاً، لكن إذا رُمي بقبيحةٍ هو بريءٌ منها شقَّ عليه ذلك؛ لأنه اجتمع عليه نوعان من الظلم، أحدهما أنه مكذوبٌ عليه، والآخر أنه مقولٌ فيه ما يشينُه، وبهذا يظهر أن الباهتَ جامعٌ بين الكذب والغيبةِ، وكلاهما جريرةٌ عظيمةٌ لو انفرد، فكيف إذا اجتمعا؟! وأشنعُ البَهتِ ما مسَّ شرف الإنسان بقذفه في عرضه؛ لأنه جارحٌ لكرامة من قيل عنه، وجارحٌ لمشاعرِ غيره من أسرته وأصدقائه؛ ولهذا جُعلت صيانته من الضروريات الخمس الكبرى، وشُرعت فيه العقوبة الزاجرة.
الثانية: من أخطر أنواعِ البَهت أن يرتكب الإنسانُ محظوراً تترتّب عليه تبعاتٌ، ثم يعوقه الجبن عن تحمُّل مسؤوليةِ جُنحتِه أو جريمته، فيلصقها بغيره؛ ليبرّئ نفسَه ويورِّط البريء كما يُقالُ في المثل العربيُّ المشهورُ: (رمتْني بدائها وانسلّت)، وقد حرم الله تعالى هذا الصنيعَ، فقال الله تعالى: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)، وهو ظلمٌ كبيرٌ؛ لما قد يُفضي إليه من تحميل المظلوم تبعاتٍ ماديّةً أو جرميّةً لا علاقة له بها، ومن السلبياتِ التي تترتّب على هذا إشغالُ أجهزة تنفيذ النظام بقضايا وهميّة، تأخذ من وقت الجهات المعنيّة، وتستهلك الموارد بلا وجه حقٍّ، فالمتعاطي لمثل هذا ظالمٌ للبريء الذي يحاول النيلَ منه، وظالمٌ للدولة بخرقه الأنظمة المقنَّنَة لرعاية المصالح، وظالمٌ للمجتمع بمحاولته الإفلاتَ من العقوبة؛ ليمشي بين الناس، وهم يأمنونَه على أنفسهم ومصالحهم، مع أنه مجرمٌ، ومكانه المناسب له أن يكون في قبضة العدالة.
الثالثة: إذا كان بَهتُ الفرد بالصفة السابقة من الحرمةِ والشّناعة، فمن باب أولى بهتُ الدولة أو المجتمع بما لا أساسَ له من الصحّة، فهذا من أشنع التصرّفات، وهو دأب أهل الضلال، وله آثارٌ وخيمةٌ، فيجب على المسلمِ أن يبتعد عنه تمامَ الابتعاد؛ إذ هو مناقضٌ لما أُمرَ به من تحسين الظنِّ بجماعةِ المسلمين وإمامهم، ولا يبهتُ الجماعةَ ووليَّ أمرِها إلا ضالٌّ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ)، أخرجه مسلمٌ، قال بعض أهل العلم: "معنى هذا الكلام أن لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم، ويقول: قد فسد الناس وهلكوا، ونحو ذلك من الكلام، يقول صلى الله عليه وسلم: إذا فعل الرجل ذلك فهو أهلكُهم، وأسوؤهم حالاً مما يلحقه من الإثم في عيبهم، والإزراء بهم، والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العُجب بنفسه، فيرى أن له فضلاً عليهم، وأنه خيرٌ منهم فيهلك".




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق