نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مندل عبدالله القباع, اليوم الخميس 21 أغسطس 2025 05:42 صباحاً
نشر بوساطة فاتن حمد في الرياض يوم 21 - 08 - 2025
ليلة ماطرة، وصوت البرق كاد أن يخطف الأبصار. أمطار الشتاء تجعل المقاهي مكتظة بالناس. وجدتُ نفسي قريبة من مقهى من المقاهي التي تعيدنا إلى الماضي الجميل. تذكرتُ "بيت جدتي الطيني"، حيث كان لون طلاء الجدران مقسومًا إلى قسمين: الجزء العلوي باللون الأبيض، والجزء السفلي باللون الأخضر. كراسي خشبية ذات مقاعد من القماش الوردي، وفي الزاوية صناديق زجاجية تحوي علب المشروبات الغازية، وعلى الجدران صور لفنانين مثل محمد عبده، وطلال مداح، وأبوبكر سالم، وخالد عبدالرحمن. وحقيبة بيضاء تحمل شعار الخطوط السعودية. كنتُ أتأمل المقهى حين دخل زوج وزوجته. أتتني الجرأة لاختلاس النظر إليهما..
توقف الزمن عن الجريان، وعقارب الساعة جرت عكس اتجاهها.
قيل لي ذات مرة إن الحياة الزوجية مشاركة، لكني لم أشعر بذلك، رغم زواجي. زوجي لم يدرك أهمية وجودي في حياته. هناك حب يجعل المرأة تعيش طفولتها من جديد، وهناك هجر يجعلها تعيش كأنها عجوز. أنا في منزلي... أعيش شعور الفراغ وصمت الجدران.
أنام وحيدة... أنحني لألحان أحزاني... أكبت رغباتي... وأتناول طعامي وحيدة، وأشعر بالوحدة والبرد. أقضي وقتي في مشاهدة الأفلام لكسر الروتين، ومع ذلك، لا أرى في المشاهد الرومانسية سوى شيء بعيد عن واقعي. هجرني الفرح... فأنا وحيدة، وجدران قلبي مشقوقة.
عيناي تشبهان عيون السكارى من وطأة الليالي الحالكة.
ومن زجاج المقهى، كنتُ أراقب الأطفال يلعبون تحت زخات المطر...
بسطاء، يؤمنون بالعفوية. تمنيتُ أن ألعب معهم... ربما أدفن ما يؤلمني. قال لي نادل القهوة:
"ماذا ترغبين أن تشربي؟"
رفعتُ نظري إليه، وقلتُ بصوت خافت:
"لا أشتهي شيئًا."
ثم خرجتُ من المقهى.
ركبتُ سيارتي، وحبات المطر اللؤلؤية تتساقط على زجاج النافذة،
تعزف لحنًا هادئًا حين ترتطم بالأشياء، لتشكل قصيدة.
أمطار الشتاء، المقاهي، المتاجر... وجوه الناس في الزحام، والفرح في عيونهم. كلٌّ يمارس طقوسه المحببة: منهم من يذهب للبر، ومنهم من يركب الدراجات النارية، وآخر يقوم بالتطعيس بسيارته، وآخرون يحتسون أكواب القهوة، ويوثقون نزول المطر بكاميرات هواتفهم.
عدتُ إلى البيت، واستلقيتُ وحيدة في الظلام، أتأمل الفراغ.
أرى مخاوفي أمام ناظري، وتبدأ الأفكار المرعبة تطرق باب عقلي،
وتنهشه... وبكل استسلام، أسمح لها بالدخول، ثم أعاود البكاء والنحيب، وألم الوحدة يجتاح جسدي من أخمص قدمي حتى رأسي.
لا أشتهي شيئًا سوى أن أنام بسلام وهدوء...
لماذا تركتني؟ لماذا لم نتشارك فرحة نزول المطر وطقوسه؟
متزوجون أمام المجتمع، منفصلون وراء الجدران، لكننا مجبرون على العيش دون إرادة، دون مشاعر، دون حياة... نبقى تحت سقف واحد كي لا يضيع الأطفال فقط! هذا إن كنتَ أصلًا ترغب بإنجابهم.
كيف استطعت أن تتركني وحيدة؟ ألم يؤنبك ضميرك؟
تركتني وسط زحام العالم، وأنت تعلم أنه ليس لدي أحد سواك.
تركتني، رغم معرفتك أني أعاني من الوحدة...
وانتهت رحلتي معك، وانتهت تلك الحكاية. شاءت الأقدار أن نفترق...
افترقنا بسبب إهمالك وخذلانك لي إلى ما لا نهاية، وانشغالك بالمباريات والجلوس بجانب أصدقائك.
لم أكرهك، لكنك لم تعد تسكن قلبي. أصبحتُ أقوى منك. سأتجاوز رحيلك وهجرانك، وعودتك لم تعد تعني لي شيئًا. فالسلام عليك إلى يوم يُبعثون...
0 تعليق