نظَرات في الجَمال

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نظَرات في الجَمال, اليوم الجمعة 30 مايو 2025 12:46 صباحاً

نظَرات في الجَمال

نشر بوساطة بدر الحسين في الرياض يوم 29 - 05 - 2025

alriyadh
قال الأصمعي: الْحُسنُ في العَينين، والجمال في الأنف والخد، والملاحَة في الفم. وقالت العرب: الملاحة في الفم، والحلاوة في العينين، والجمال في الأنف، والظَّرف في اللسان.
وأنا أقول: الجمال لغةٌ إنسانيةٌ مشتركة بين الناس من خلال توافُق غالبيَّة البشر على عناصره المادية والمعنوية، وآثاره التي تخلِّف في النفس ارتياحًا وسرورا. والجمالُ معنًى لطيف ترتاحُ له النفسُ،ارتياح الحمائم للدَّوح الظليل، وتنجذبُ إليه انجذابَ الطيور للمدى الفسيح، وانجذاب الفراش للسَّنا. وهو - أعني الجمال - أمرٌ نسبيٌّ بسبب اختلاف نظرات الناس، وتبايُن ثقافاتهم.
يتبدَّى الجمالُ في صَباحة الوجه، ووَضاءة البشرة، وتناسُق القوام، وخفَّة الظل، وحلاوَة المنطق، ويتبدَّى في معاملة الإنسان الطيبة وحديثه اللطيف. وكما أنَّ الجمال يظهر جليًّا في تناغم الأشياء وتجانِسها، فإنه يظهر في تضادِّها وتمازجها.
الجمال يُحيِّرُ الأفهام، وعلى الرَّغم من أننا تُحسُّ بكثير من صُوره، لكنَّنا لا نستطيع الإحاطةَ بكل معانيه. نجده في النُّجوم المتلألئة التي تزيّن السماء، وفي الشمس المتألقة التي تضيءُ الأرجاء، ونلحَظُه في تدفُّق الينابيع بانسياب من الصخور الصُّم، وفي ألوان الأسماك المتنوعة، وتصاميم أشكالها المدهشة، وفي أنواع الزهور الأخَّاذة وأصناف الثمار المشهِّية؛ وكلَّ ما نراه من صنوف الجمال إنَّما يدلُّ على دقَّة صنع خالق هذا الكون.
والجمالُ فضاءٌ أثيرٌ تنزعُ النفس للتحليق في مجالاته، وحالةٌ شعورية آسِرة تسعى إلى معايشتها، وحاجة فطرية متأصِّلة في تكوين الذات يجدُ الإنسانُ نفسه مدفوعا لتلبيتها، فتروي العينُ حاجتَها من الجمال بالنظر إلى الخُضرة والزهور، وتحصلُ الأذن على حاجتها بالإصغاء إلى أصوات ندية، وأحاديث شجية، وهكذا فإنَّ لكل حاسَّة من الحواس وعضو من أعضاء الجسد متطلباته الخاصَّة من الجمال.
وللجمال مقاييس مختلفة، فمقاييسه في الطيور تختلف عن مقاييسه في الخيول، ومقاييسه في النساء تختلف عن مقاييسه في الرجال، ومقاييسه في التَّصميم تختلف عن مقاييسه في الرسم، ومعاييره في الكتابة تختلف عن معاييره في الخطابة.
ويحضرُ الجمال بقوة في الفن باعتباره محاكاةً رمزية للطبيعة المادية بكل عناصرها المدهشة؛ ومحاولةً للوصول إلى أعمق دلالات الأشياء، فالرسَّام يحلِّق بجناحَي خياله ليبدعَ لوحةً مستمدَّة من الطبيعة؛ لكنه يُضيفُ إليها معانيَ جديدة وإيحاءاتٍ عميقة ممزوجة بالأحاسيس والألوان؛ تسترعي الانتباهَ وتدعو النفسَ للتأمُّل والتفكير.
ومن يعزف قطعةً موسيقية، فإنَّه يتماهى مع معزوفته محاولا تطويعَ الأوتار لتقولَ شيئًا جميلا تطربُ إليه نفسُ المتلقِّي، ولكنَّ هذا الشيء يظل عصيًّا عن التعبير، وكذلك الخطَّاطُ الذي يبثُّ روحًا جديدة في ثنايا الحروف، والمعمار الذي يطوِّع الحجارة على هيئة أقواس مزخرفة وأهرامات متناسقة تجمعُ بين دقَّة العلم وروح الفن.
ومن الجمال ما يجلُّ عن الوصف، ويعزُّ عن التفسير، عندما يتجلَّى في أناقة الروح، ورهافة الحس، ورقة الطبع، واستحسان المواقف النبيلة والقيم الراقية. ويصلُ الجمالُ إلى أعلى مراتب الدَّهشة عندما يمتزجُ بمعاني الأخلاق والخير والحق.
ويظهر الجمالُ في اللغة؛ عندما يبدعُ الشاعر من الكلمات صورًا ملهمة، ومعانيَ مؤثِّرة، ويضيف إليها إشراقات من قبَس روحه، وتبصُّر عقله.
يعلِّمنا الجمالُ قيمةَ اللطف والهدوء، ورونقَ السلام والتسامح، وبهجةَ التفاهم، وروعة الوسطية والاعتدال، وأهمية الإتقان في الكلمة والفعل والموقف والمعاملة.
ويتألق الجمالُ وتتَّسع رُقعته عبر التواصل الإيجابي بين الناس أفرادًا وجماعات، ومن خلال المعاملة الحسنة، والمبادرات الإيجابية، وبث روح التعاون والتآلف بين أبناء الإنسانية جميعا.
وختاما فالجمال حاجة فطرية متأصِّلة في تكوين الذات البشرية وحالةٌ شعورية آسرة تعكس مدى التأثر وسموَّ القابلية للتفاعل الإيجابي العميق مع الظواهر المادية والمعنوية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق